أكد حقوقيون وسياسيون وأكاديميون، شاركوا في ندوة نظمتها جماعة العدل والإحسان بمناسبة الذكرى السادسة لرحيل الشيخ عبدالسلام ياسين، في موضوع: “المغرب، عمق الأزمة وسؤال المستقبل”، أن أسباب الأزمة السياسية التي يمر منها المغرب، “تكمن في الطابع الصوري للمؤسسات السياسية وهيمنة المؤسسة الملكية عليها، فالحكومة مؤسسة شكلية ولا سلطة لها لدرجة أنها تثير الشفقة، فهي لا تعدو أن تكون أكثر من مكتب يؤشر على السياسات التي تقررها السلطة الفعلية”، وأضافوا أن “الأزمة في المغرب لا ترتبط بحكومة ولا بحكامة، بل بنظام حكم، يحتكر السلطة والثروة والإعلام والمعلومة والأجهزة الأمنية”، كما شددوا، أيضا، على أن من أعطاب الأزمة وجود “إعلام عمومي تحت الوصاية، وتوظيف إجرامي لصحافة التشهير، واستمرار توظيف القضاء ومنظومة العدالة الجنائية ضد الخصوم السياسيين، وضد الرأي النقدي، وضد الاحتجاج الاجتماعي، وتعطيل مؤسسات الحكامة في عدة مجالات”. صورية المؤسسات! وفي السياق نفسه، قالت خديجة الرياضي، الرئيسة السابقة للجمعية المغربية لحقوق الإنسان، إن حقيقة الأزمة السياسية التي يمر منها المغرب، والتي تعترف بها أعلى سلطة وتوثقها التقارير الوطنية والدولية، كشفت “زيف خطاب دستور 2011 وعادت بالدولة إلى ما قبل ذلك التاريخ”. وأضافت الرياضي أن “بعض الممارسات التي عادت لها الدولة شبيهة بممارسات سنوات الرصاص”. وفي جوابها عن السبب الرئيس للأزمة المغربية، قالت إن أسبابها “تكمن في انتهاك حق الشعب المغربي في تقرير مصيره”، مضيفة “أن هذا الانتهاك يتجلى في الطابع الصوري للمؤسسات السياسية وهيمنة المؤسسة الملكية عليها؛ فالحكومة مؤسسة شكلية ولا سلطة لها لدرجة تثير الشفقة. لا تعدو أن تكون أكثر من مكتب يؤشر على السياسات التي تقررها السلطة الفعلية”. وشددت الرياضي على أن “هذا الوضع البئيس للحكومة التي قبلته الأحزاب المشكلة لها، لا يعفيها من المسؤولية الكاملة والواضحة في كل المآسي التي تعيشها بلادنا وقبولها بتبييض هذه الممارسات الاستبدادية للسلطة الفعلية وتوفير الغطاء المؤسساتي لها ولسياستها الطبقية الظالمة”. في مقابل ذلك، تؤكد الرياضي، أن “مقاومة الجماهير الشعبية متواصلة، رغم حجم القمع وهمجيته أحيانا.. فيواصل ضحايا الانتهاكات احتجاجاتهم في غالب الأحيان بعفوية، فتنوعت أشكال المقاومة ومن فئات مهنية ونقابية متعددة”. وذكرت على سبيل المثال أن “المغاربة أبدعوا أشكال المقاومة من خلال حملات المقاطعة، وعرفت شوارع أغلب المدن الحركة الاحتجاجية للتلاميذ التي حملت شعارات حركة 20 فبراير حين خرجوا ضد الساعة الصيفية. وهناك نضالات وراء القضبان وفي المحاكم، من خلال المرافعات وكلمات المعتقلين السياسيين ونضالات العمال، ومن أجل الحق في الأرض والنساء السلاليات.. هناك نضالات متواصلة ومقاومات مستمرة”. أزمة حكم من جانبه، قال عمر إحرشان، أستاذ العلوم السياسية والقانون الدستوري بجامعة القاضي عياض بمراكش، وعضو الدائرة السياسية لجماعة العدل والإحسان في مداخلة له، “إن هناك عدة مؤشرات على عمق الأزمة في المغرب، منها مؤشرات دولية عبارة عن تقارير دولية وتصنيفات تصنف البلاد في العديد من المجالات، تبرز أن المغرب يعيش أزمة حقيقية”. و”هناك مؤشرات إقليمية تبرز العزلة التي يعيشها المغرب مع محيطه لم يعش مثلها من قبل، خاصة مع موريطانيا وإسبانبا والجزائر، إضافة إلى اصطفافاته العربية المغلوطة. دون أن ننسى حالة التبعية المطلقة مع فرنسا التي لم نعشها منذ الاستقلال”. وأضاف إحرشان أن “المؤشرات الرسمية، وعلى رأسها خطابات الملك ومؤسسات الحكامة، تؤكد وجود أزمة بالمغرب. وأهم المؤشرات هي المؤشرات الشعبية، حيث حالة العزوف التام عن الانتخابات رغم التعديلات الدستورية والتنظيمية التي لم تستطع ثني الشعب عن العزوف عن المشاركة في الاستحقاقات الانتخابية. هذا العزوف الذي يعتبر نتيجة عدم ثقة في المؤسسات الرسمية”. وشدد عمر أحرشان على أن “الأزمة في المغرب لا ترتبط بحكومة ولا بحكامة، بل بنظام حكم، يحتكر السلطة والثروة والإعلام والمعلومة والأجهزة الأمنية والقيم وكل شيء. نظام يجعل مؤسسات الدولة ومؤسسات الشعب في خدمة مصالحه. ويكفي أن نورد الأمن والقضاء كمثال. فما نراه في محاكمات معتقلي الريف أو جرادة يبين أن الأجهزة هي لمصلحة النظام”. وتابع أن “الحاجة ماسة اليوم، أكثر من أي وقت مضى، إلى موجة جديدة من الاحتجاجات تتسم أولا، بانتظام كل الحراكات الفئوية والمجالية في حراك جامع، وتربط المطالب الاجتماعية بطابعها السياسي”. وأضاف، أيضا، أن سؤال المستقبل بالمغرب، بحاجة “إلى حراك مجتمعي عابر للانتماءات السياسية والإيديولوجية”، داعيا الانتباه “إلى مناورات السلطة التي تتجاهل المطالب،” ومشددا في الآن نفسه، على أن “قاطرة هذا الحراك المجتمعي ينبغي أن تكون مستقلة عن المخزن، وتحتاج إلى حوار وطني مفتوح على كل الأطراف وكل النتائج وكل الاحتمالات، غايته الوصول إلى ميثاق جامع”. كما شدد إحرشان، أيضا، على حاجة المغرب “إلى دستور ديمقراطي شكلا ومضمونا، ومن حيث المنهجية. ولا بد من تدبير المرحلة الانتقالية بشكل ائتلافي توافقي. فهناك نخب في جزئها الأكبر بدأت تفقد استقلالية قرارها. وهناك مجتمع ليس ضد الحراك. وهذا المجتمع استطاع رغم الظروف تطوير إعلام بديل وأساليب تواصل أوجعت النظام”.
التشوه المستفحل من جانبه، أشار عبد العزيز النويضي، المحامي والمهتم بقضايا حقوق الإنسان، “أنه على الرغم من أن دستور 2011 جاء ثمرة لحركة 20 فبراير، إلا أنه وجد أعطابا مزمنة، وأخرى مستجدة حالت دون استثمار بعض جوانبه الإيجابية”. وعدّد النويضي بعض هذه الأعطاب في “استمرار تعددية حزبية مشوهة تقوم على محاربة القوى السياسية المستقلة والمعارضة، وعلى تعهد الموالين الساعين أصلا إلى مصالحهم الذاتية دون مراعاة فعلية للمصلحة العامة واستقرار الوطن ومناعته، ووجود نمط اقتراع يخدم هندسة سياسية متحكم فيها، ما ينتج برلمانا وحكومات ومؤسسات ضعيفة وتشريعا محافظا وارتداديا ينزع باليد اليمنى ما أعطاه باليسرى”، مشيرا “إلى عدم حياد الإدارة الترابية في الحقل السياسي”. وقال النويضي إن من أعطاب الأزمة هي وجود “إعلام عمومي تحت الوصاية، وتوظيف إجرامي لصحافة التشهير، واستمرار توظيف القضاء ومنظومة العدالة الجنائية ضد الخصوم السياسيين، وضد الرأي النقدي، وضد الاحتجاج الاجتماعي، وتعطيل مؤسسات الحكامة في عدة مجالات”. وهو ما أدى، حسب النويضي، إلى “وجود بنية سياسية تنتج العنف البنيوي من فقر وإقصاء وتهميش وتعطل كل تنمية بشرية، كما تنتج العنف المباشر، سواء عنف الدولة ضد المحتجين على العنف البنيوي، أو عنف بعض المهمشين، الذين اختاروا سبيل الإرهاب والتخريب والإجرام”. وأرجع الفاعل الحقوقي استمرار الأزمة السياسية إلى “التشبث بالمصالح والمواقع الريعية، وعدم الإدراك الفعلي لخطورة الوضع الاجتماعي والسياسي، مع اعتقاد واهم بإمكانية السيطرة عليه بعنف الدولة”. كما أرجع النويضي أسباب الأزمة، أيضا، إلى “وجود حزب يقود الحكومة ضمن تحالف، وهو يتلقى الضربات من كل جانب، ولكن باستمراره يشكل فرصة لذوي المصالح الريعية لتمرير اختيارات مناهضة لحقوق أغلبية المواطنين”. كما كشف النويضي، وجود أحزاب ونقابات هشة ومتفرقة، ومجتمع مدني متضارب الأهواء، ومحيط دولي غير مساعد على الإصلاح، حيث غلبت المصالح الآنية للفاعلين الكبار في المجتمع الدولي على المصالح الجماعية على المدى البعيد..”. وللخروج من هذا الواقع المتردي، خلص النويضي إلى أن “التحول الديمقراطي السلمي في المغرب رهين بخلق ميزان قوة، بين قوى سياسية تؤمن بالديمقراطية وتتعاون لإنجاح التحول، عن طريق حوار يفضي إلى تراض على ميثاق للديمقراطية في مفهومها الكلي، والوصول إلى حل سياسي”، وأضاف أنه “يجب الاتفاق على تحديد دور الدين في المجتمع وفي قواعد القانون”، مبرزا أنه “من المفيد أن يتحول الميثاق إلى مشروع دستور تُعبأ حوله الطاقات، ويُبنى على التراكمات الإيجابية، ويستبعد الجوانب السلبية والنواقص الخطيرة، ميثاق مفتوح في وجه الجميع”. وبالعودة إلى سياق الحراك العربي، الذي يتحرك في أكثر من بلد، شدد المختار بنعبدلاوي، أستاذ الفلسفة بكلية الآداب والعلوم الإنسانية ابن امسيك، أن “الحراك الشعبي دون قيادة لن يعيد القيادة إلى الشعب”، منبها إلى دور الحركات والقيادات التي “تُحوّل الحركة في الأرض إلى مكتسبات سياسية”. مشيرا من جهة ثانية، إلى “أزمة الثقة”، داعيا إلى “تكريس الثقة بين الشركاء بحثا عن الهدف المشترك”. وبناء على امتداد حركة السترات الصفراء في فرنسا، ألمح بنعبدلاوي إلى ما سماها “عولمة الحركات الاجتماعية”، مشددا على أن”الحركات الاجتماعية يجب أن تظل فاعلة، ولكن عليها أن تُمنِّع نفسها”…