في مداخلة قوية خلال ندوة نظمتها مؤسسة عبد الرحيم بوعبيد للعلوم والثقافة، مساء أمس الجمعة، وبحث المشاركون فيها عن جواب لسؤال: "هل ما زال للسياسة معنى في المغرب؟"، قالت المناضلة اليسارية المعروفة، لطيفة البوحسيني، جوابا عن سؤال حول ما إنْ كان المغاربة مسكونين بالخوف من السياسة، كما كان الحالُ في سنوات الرصاص، إنَّ الخوف من ممارسة العمل السياسي في المغرب لا يزال قائما. وذهبت أستاذة التعليم العالي بجامعة محمد الخامس إلى القول إنَّ القمع الذي يتعرّض له المواطنون المحتجّون في الريف منذ حوالي سنة هو تعبير عن وجود رغبة من طرف الدولة في العودة إلى سنوات الرصاص، لكنَّ ذلك لا يُمكن أن يتحقّق، تضيف البوحسيني، لسببيْن: الأوّل أن السياق الإقليمي والدولي مختلف. والسبب الثاني أنّ الدولة لا تحتاج إلى العنف للسيطرة على المجتمع، "لأنها قوَّضت الإيمان بممارسة السياسة"، وبالرغم من أنّ الساحة السياسية المغربية تعجُّ بالأحزاب السياسية، فقد أكدت البوحسيني أنّ المقصود بالسياسة ليس هو الانخراط في حزب سياسي معيّن، بل العمل على إحداث التغيير في اتجاه بناء الديمقراطية وتعزيز حقوق الإنسان والحريات، مُحمّلة سبب الفشل الذي يسم الحياة السياسية في المغرب إلى "القوى السياسية التي كانت تملأ الدنيا وفشلت في تجديد مشروعها السياسي"، في إشارة إلى أحزاب اليسار. البوحسيني التي تربّت في كنف اليسار المغربي لم تُخْف تذمّرها من الوضعية التي آل إليها هذا التيار السياسي وفشله أمام النظام، إذ أوضحت أن "هذا الفشل يُبيِّن محدودية النخب المغربية، بحيث إنه بمجرد أن فُتحت أبواب المشاركة في الشأن العام، برز أنها لا تملك مشروعا دقيقا، والظاهر أن النظام نجح في استقطابها وإفراغها وعمل كل ما في وسعه لكي يعزف الناس عن السياسة والشأن الانتخابي". وأضافت أنّ النظام نجح في إفقاد الثقة في الشأن الانتخابي، وهو ما أدّى إلى عزوف الناس عن المشاركة في الانتخابات، لكنه لم يتمكّن من إبعاد المغاربة عن الاهتمام بالشأن السياسي، مذكّرة، في هذا الإطار، بالحَراك الذي قادته حركة 20 فبراير سنة 2011، ثمّ حَراك الريف، الذي اعتبرت أنّه "شكّل لحظة قوية تبين أن الناس ما زالوا يؤمنون بالسياسة لفرض تغيير أحوالهم ومعيشهم". وفي مقابل انتقادها قوى اليسار، ومحدودية تأثير نُخَبها، قالت البوحسيني إنّ النّخب الإسلامية استطاعت أنْ تسحب المشعل، وقدّمت للشباب مشروعا سياسيا أغراهم بالانخراط فيه، مضيفة: "لا يجب احتقار الشباب المنخرطين في صفوف التيارات السياسية الإسلامية، مثل حزب العدالة والتنمية، لأن العرْض السياسي الذي وفّره لهم هذا الأخير لم يجدوه في مكان آخر، فتمكّن من استقطابهم". وبالرغم من أنَّ النظام المغربي لم يعُد مُنازَعا في شرعيته، فهو، كما تقول البوحسيني، لا يقبل بدولة المؤسسات، على غرار ما هو قائم في البلدان الديمقراطية، إذ يقبَل، فقط، بأن تكون المؤسسة الملكية وحدها التي لها الفصْل في كل شيء، مبرزة أنّ النظام تمكّن من إفقاد الثقة في الفاعلين السياسيين، بمن فيهم أولئك الذين كانت لهم مواقف مُعتبرة في مراحل من تاريخ المغرب. وأضافت: "في الماضي كان هناك صراع سياسي محتدم، وكانت هناك برامجُ سياسية، واليوم نحن أمام شباب متعطش لممارسة العمل السياسي، ويريد ضمان مستقبله، وهناك نُخب حقيقية وفاعلون حقيقيون لهم تجربة قوية، ولكن لأنّ النظام تمكّن من كسْر شوكتهم فهم لم يعودوا قادرين حتى على الحديث".