المغرب يشارك في أشغال الدورة الأولى لمجلس وزراء الأمن السيبراني العرب بالرياض    موظف بالمحكمة الابتدائية بطنجة خلف القضبان بتهمة النصب وانتحال صفة    الكشف عن تشكيلة الحكومة الفرنسية الجديدة    المغرب يستعد لإطلاق 5G لتنظيم كان 2025 ومونديال 2030    ينحدر من إقليم الدريوش.. إدانة رئيس مجلس عمالة طنجة بالحبس النافذ    الفتح الرباطي يسحق النادي المكناسي بخماسية    أمن البيضاء يتفاعل مع مقطع فيديو لشخص في حالة هستيرية صعد فوق سقف سيارة للشرطة    رابطة حقوق النساء تأمل أن تشمل مراجعة مدونة الأسرة حظر كل أشكال التمييز    بوريطة : العلاقات بين المغرب والعراق متميزة وقوية جدا        ميداوي يقر بأن "الوضع المأساوي" للأحياء الجامعية "لا يتناطح حوله عنزان" ويعد بالإصلاح    الملك محمد السادس يعزي أفراد أسرة المرحوم الفنان محمد الخلفي    "البيجيدي": حضور وفد اسرائيلي ل"الأممية الاشتراكية" بالمغرب استفزاز غير مقبول    موانئ الواجهة المتوسطية: انخفاض بنسبة 17 بالمائة في كمية مفرغات الصيد البحري عند متم نونبر الماضي    "نيويورك تايمز": كيف أصبحت كرة القدم المغربية أداة دبلوماسية وتنموية؟    اختطاف المخيم وشعارات المقاومة    متضررون من الزلزال يجددون الاحتجاج على الإقصاء ويستنكرون اعتقال رئيس تنسيقيتهم    حملة اعتقال نشطاء "مانيش راضي" تؤكد رعب الكابرانات من التغيير    دياز يثني على مبابي.. أوفى بالوعد الذي قطعه لي    "بوحمرون" يستنفر المدارس بتطوان    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء            الأزمي: لشكر "بغا يدخل للحكومة على ظهرنا" بدعوته لملتمس رقابة في مجلس النواب    تقديم «أنطولوجيا الزجل المغربي المعاصر» بالرباط    أجماع يعرض جديد حروفياته بمدينة خنيفرة    أخبار الساحة    أطباء القطاع العام يخوضون إضرابا وطنيا لثلاثة أيام مع أسبوع غضب    في الحاجة إلى تفكيك المفاهيم المؤسسة لأطروحة انفصال الصحراء -الجزء الثاني-    بمناسبة رأس السنة الأمازيغية.. جمهور العاصمة على موعد مع ليلة إيقاعات الأطلس المتوسط        فيديو "مريضة على نعش" يثير الاستياء في مواقع التواصل الاجتماعي    الكرملين يكشف حقيقة طلب أسماء الأسد الطلاق ومغادرة روسيا    محمد صلاح: لا يوجد أي جديد بشأن مُستقبلي    بنما تطالب دونالد ترامب بالاحترام    الجزائريون يبحثون عن متنفس في أنحاء الغرب التونسي    نيسان تراهن على توحيد الجهود مع هوندا وميتسوبيشي    سوس ماسة… اختيار 35 مشروعًا صغيرًا ومتوسطًا لدعم مشاريع ذكية    النفط يرتفع مدعوما بآمال تيسير السياسة النقدية الأمريكية    "سونيك ذي هيدجهوغ 3" يتصدر ترتيب شباك التذاكر    تواشجات المدرسة.. الكتابة.. الأسرة/ الأب    غضب في الجارة الجنوبية بعد توغل الجيش الجزائري داخل الأراضي الموريتانية    إعلامية فرنسية تتعرض لتنمر الجزائريين بسبب ارتدائها القفطان المغربي    إدريس الروخ يكتب: الممثل والوضع الاعتباري    تصنيف التنافسية المستدامة يضع المغرب على رأس دول المغرب العربي    السلطات تمنع تنقل جماهير الجيش الملكي إلى تطوان    حكيم زياش يثير الجدل قبل الميركاتو.. الوجهة بين الخليج وأوروبا        شركات الطيران ليست مستعدة للاستغناء عن "الكيروسين"    مواجهة نوبات الهلع .. استراتيجية الإلهاء ترافق الاستشفاء    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حوار مع صديق امطالسي
نشر في أريفينو يوم 25 - 03 - 2010

بقلم/ذ.التجاني بولعوالي / باحث مغربي مقيم بهولندا، متخصص في علوم الإعلام وتقنيات الصحافة
www.tijaniboulaouali.nl
قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى: “رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب”.
ما كنت أسعى على الإطلاق إلى أن أهبط بنفسي – قبل أن أهبط بغيري – من خلال مثل هذا النقاش التافه والعقيم إلى أسفل سافلين، وإلى الحضيض،
غرضي الأساس كان بالدرجة الأولى هو أن نؤسس جميعا لثقافة الحوار التي يفتقر إليها واقعنا المتردي، وهذا في الحقيقة مقصد من الرفعة بمكان. وقد استندت في مقالتي إلى مستلزمات الحوار الجاد والبناء، في مختلف أجزائها وفقراتها، هذا خلاف ما أقره الصديق الكريم الأستاذ محمد بوكو، عندما ذهب إلى أنني لم ألتزم بقواعد الحوار، فتذرع بذلك، وكانت النتيجة هذا الرد العنيف! الذي تفاجأ به غيري قبل أن أتفاجأ به شخصيا، لاسيما وأنه ورد من شخص عزيز، له مكانته في القلب والذاكرة.
على أي حال، سوف لن أحاسب الأخ بوكو على صنيعه هذا، الذي كان حافلا بعبارات التجريح والإساءة والاتهام، وقد لاحظ ذلك الجميع، قراء وأصدقاء، بقدر ما سوف أستمر كعادتي في مد يد التعاون والتحاور إلى الجميع، ليس سعيا وراء الشهرة التي ما هي إلا كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء! كما يدعي بعض القراء سامحهم الله تعالى، خصوصا الذين لا يعرفونني أصلا، ولم يعاشرونني ولو لهنيهة، ولم يعاملونني أبدا، فكيف يحلو لهم الحكم على هذا العبد الضعيف، الذي دفعته الغيرة الجياشة على موطنه ودينه وثقافته، إلى الظهور من خلال كتاباته وتفسيراته وردوده، فهل هذا يكفي لأن تحكم على الإنسان بأنه كذا وكذا..!
لو كان قصدي أن أتحامل على الأخ بوكو، لما كنت قد كتبت ردي بذلك الأسلوب اللبق، الذي حاولت من خلاله الرفع من شأنه، وإنزاله المنزلة التي يستحقها، وقد اعتبرته رقما أساسيا في المعادلة الثقافية في مدينتنا، لا يمكن ولا ينبغي الاستغناء عنه، بل وإنني بصدد كتابة أنطولوجيا حول أهم الشخصيات الثقافية والأدبية في المنطقة، وقد أدرجت اسمه بين تلك الشخصيات، فهل ينتظر أحد هذا التثمين والتقدير من ذلك الشخص الذي قدمه الأستاذ بوكو للقراء، وهو شخص لا يشبهني إلا من حيث الإسمُ، أما ما ذكر فيما يتعلق بالسلوك والأخلاق والغايات، فذلك محض تزييف، ولا أقول أبدا بأن الأخ بوكو افترى علي، كما صنع هو معي عندما اتهمني بالقذف والتكذيب والتسفيه، وإنما أقول لعل ذلك حصل تذمرا وانفعالا منه، وهذا ما لاحظه الكثيرون ممن عقّب، أو ممن اتصل بي، أو اتصلت به!
لقد سعيت حثيثا من خلال مقالتي لأن أتحدث عن الواقع الثقافي الحالي لمدينة الدريوش، وليس عن الماضي الأسود، أو المستقبل الذي نتفاءل به خيرا، لذلك حاولت ما أمكن أن أتحرى مطلب الواقعية ولو النسبية، فنقلت بشكل أو بآخر، سواء ما شاهدته بأم عيني، أم ما نشرته بعض وسائل الإعلام، أم ما رواه لي بعض الأصدقاء الموثوق بهم، في حين أن الأخ بوكو ينطلق من الواقع الذي يعيش فيه، وهو أدرى به مني، غير أنه سرعان ما ينفلت به خيط التفكير إلى التأويل، فيؤول أكثر مما يتعامل مع النازلة توصيفا وتقييما، فهو على سبيل المثال لا الحصر عندما يتحدث عن أي عمل ثقافي، لا يتعامل معه في حد ذاته؛ كيف كان هذا العمل، وماذا قدم وأضاف إلى الواقع، ونحو ذلك، وإنما يبحث فيه عن أمور جانبية وخلفية، فيتساءل عمن يقف وراء ذلك، وما هو الهدف من ذلك، وله كامل الحق في ذلك، لكن ألا يجعلنا بهذا الأسلوب نسقط في مأزق التنميط وإطلاق الأحكام المسبقة، والبحث في أمور إن تبدى لكم تسؤكم! والتخندق، والقطيعة، وهلم جرا.
ثم إن الأخ بوكو يحاكم النيات التي لا يعلمها إلا الله تعالى، ويقول أن كلامي ليس بريئا فيتأوله حسب فهمه الخاص هو، يقول مثلا: “لا يحاول الكاتب من خلال مقالته القفز على الحقائق الموجودة على الأرض وحسب، وإنما يتجاوز ذلك إلى خرق أدبيات النقاش وقواعد الحوار، عبر توظيف لغة غير بريئة تمتح من قاموس التحقير والتجريح والتكذيب والتسفيه والقذف، فالحكم الذي أصدرته بصدد العمل الجمعي في نظره “خطير وغريب” و”يفتقد إلى الموضوعية والمصداقية والواقعية” كما أنني “لا أنقل الواقع المحلي بشكل دقيق ونزيه” وكيف يفعل ذلك من يعتصم “ببرجه العاجي” و”لا يريد النزول إلى واقع الناس” ومن “لم يستوعب بعد مصطلحات: الجمعية، المجتمع المدني، العمل الجمعوي، وغيرها”.
أجل، لقد قلت هذا الكلام، وهو في أغلبه صحيح، ويعرفه الداني والقاصي من أهل الدريوش، ولا داعي إلى التهرب من الأمر الواقع، إلا أنني أولا لم أوظف بتاتا كما تؤول، عبارات: تجريح أو تحقير أو تكذيب أو تسفيه أو قذف، وأتحدى أي أحد أن يبين ما يثبت ذلك، ليس لأنني لا أعرف هذه اللغة، أي لغة التجريح و... وإنما لأن سلوكي لا يسمح لي بذلك، ووالدي لم يربيان على ذلك، وأنت أعلم بذلك أكثر من غيرك. أنا أنطلق مما قلته أنت في مقالك، حكمت على العمل الجمعوي بالدريوش بشبه الموت والسوداوية والقتامة، وهذا غير صحيح، ولا أوافقك الرأي، فهل هذا تجريح أو تحقير أو تكذيب أو تسفيه أو قذف! هذه هي الحقيقة، فهل تريدني أن أزيفها ليطمئن قلبك! لذلك فأنت لم تنقل الواقع بشكل دقيق ونزيه، والأغلبية الساحقة من الإخوة تشاطر هذا الرأي الواقعي والعقلاني.
قلت بأنك تعتصم ببرجك العاجي، وقد عبرت أنت عن ذلك شخصيا، ورفضت الانخراط المباشر والمستمر في خدمة الواقع، هذا بشهادة عشرات الإخوة والأصدقاء الموثوق فيهم، الذين يتحسرون عن عزوف شخص من عيارك عن الانخراط في تفعيل المجتمع الدريوشي، فهل هذا تجريح أو تحقير أو تكذيب أو تسفيه أو قذف! هذه حقيقة أعبر عنها، ليس إساءة إلى أحد كما تأولت أنت، وإنما محاولة لإقناع الآخر بهذا الواقع المر، حتى يشارك فيه ولو بقسط نزير، وقد قلت هذا الكلام للكثير من الإخوة الذين هم أصدقاؤك وأحبتك، فلم يتأثروا بقدر ما حفزهم هذا الكلام وشجعهم على الإقبال على الوقع.
أما فيما يرتبط بالعمل الجمعوي، فقد فهمت من كلامك أنك لم تستوعب العمل الجمعوي بالطريقة المعهودة دوليا ووطنيا، وتطرح طريقة جديدة خاصة بك أنت، ولا يلزم الغير الأخذ بها، فإذا قلت بأنني لا أوافقك الرأي فهل هذا تجريح أو تحقير أو تكذيب أو تسفيه أو قذف!
أقول لك الأخ بوكو من باب المجاز والافتراض، أنه إذا كان المثقف والأستاذ والمربي حساس إلى هذه الدرجة، فلا أملك إلا أن أقول رفعت الأقلام وجفت الصحف!
على هذا المنوال، تمضي أخي بوكو، وأنت تزبد وترعد، وتقيم الدنيا ولا تقعدها، لا لشيء إلا لأنني قلت كلاما جد عادي، كنا نقوله يوميا ونحن جلوس في المقاهي، بل وبلغ بك الحد إلى أن تعتبر نقدي لك حربا فرضت عليك، فنحن لسنا في الاتجاه المعاكس، ولسنا أمام انتخابات بلدية أو برلمانية، نحن أمام وضع مزر ومتأزم، نحاول تشخيصه، أنت قدمت تشخيصك، وأنا وافقتك في أمور، واختلفت معك في أمور أخرى، ناقشتها بصيغة جد عادية، وبروح رياضية، وهل في ذلك عيب، وهل هذه حقا حرب أعلنها عليك، كما تدعي، أيصل بك الأمر إلى هذا الحد من التجريح الشخصي، واعتبار هذا التواصل الذي فتحت قنواته معك، من أجل رد الاعتبار لك، ودعوتك الصادقة إلى الانخراط في النهوض الثقافي بالمنطقة، حربا معلنة عليك، فلماذا هذه الحرب أصلا؟ من أنت حتى أحاربك؟ ماذا سوف أكسب من هذه الحرب التي تزعمها!
لا تغضب!
تساءلت أخي بوكو في ردك قائلا: “فماذا تعني الدعوة للمصالحة مع الذات غير أن من وجهت إليه الدعوة يعاني انفصاما خطيرا في شخصيته. ومن ثم فأقل شيء يحتاجه هو البحث عن عيادة نفسية لاسترجاع توازنه النفسي. لقد كنت أعرف ألقاب الكاتب الكثيرة ولكن لم يخطر ببالي يوما أنه أضاف إلى إليها لقب الطبيب النفسي الذي يشخص بواطن الناس ويميز السوي منهم والمريض”. هكذا تثبت أكثر ما سبق وأن أكدته، وهو أنني أنطلق من الواقع، في حين تغرق أنت في التأويل، تحمل كلام الآخرين ما لا يحتمله، وتحاكم نوايا مفترضة وصورية، أنا أقول كلاما، وأنت تؤوله بكلام آخر، أنا أدعوك إلى المصالحة مع الذات والواقع، وهو كلام عادي لا يحمل تجريحا أو تسفيها، وأنت تؤوله بمعنى الانفصام في الشخصية، وغير ذلك من الكلام الذي لا قيمة له في ميزان الحوار الذي ينبغي أن نؤسسه.
ثم إنه كما يقول المثل “من يملك بيتا من الزجاج لا ينبغي أن يقذف الناس بالحجارة”، ولا ينتقد الآخرين بشكل إقصائي وهدام، وباعتباري جزءا لا يتجزأ من النخبة الثقافية بمنطقتي، فأملك حق الحديث عن ذلك، وإماطة اللثام عن بعض الجوانب الملتبسة، التي تحتاج إلى مزيد من التوضيح والتفسير، وهذا هو ديدني ليس معك فحسب، وإنما مع مختلف الآراء التي يبدو لي أنها، لا أقول مخطئة (فليس من عادتي أن أخطئ الآخرين!)، وإنما خلافية، وحمالة أوجه، تقتضي أكثر من تفسير ورؤية، فلم يسبق لي أن تلقيت مثل هذا الرد فعل الانفعالي والتهجمي، من مثقفين وأساتذة من عيار ثقيل ورفيع، أعتبر نفسي مجرد تلميذ لهم، ومع ذلك فإنهم يستحسنون أي نقد بناء موجه إليهم، لأنهم يدركون أن الإنسان من الأخطاء يتعلم، وأنه بالنقاش المتبادل والنقد والحوار، تتلاقح الأفكار وتزهر وتثمر، فيأكل من قطوفها الدانية الأول والآخر، الداني والقاصي، أما إذا كنا لا نؤمن بالنقد، فمن الأفضل أن نصمت، ولا نحشر أنوفنا في شؤون الغير.
على هذا الأساس، لو أنك أخي محمد اتبعت قواعد الحوار السليم، التي تتهمني بأنني خرقتها، في حين أنك أنت الذي خرقتها، والمقالان تحت أعين الجميع، ويمكن لكل شريف نزيه غير متحيز أن يحكم على ذلك، ولو أنك حقا سلكت مسلك النقد والنقد البناء، لكانت النتيجة أفضل بكثير، ولتمكنا من وضع خطوة أساسية على درب تأسيس ثقافة الحوار، غير أنه حصل ما لم يكن في الحسبان، وقدر الله ما شاء فعل. إلا أنه في الوقت نفسه، يتحتم علينا جميعا أن نعود إلى رشدنا، ولا ننساق خلف الآراء المغرضة، التي ينشرها بعض المتطفلين والحاقدين، الذين لا مصلحة لهم، إلا بث الفرقة والشقاق، ولنتذكر ما قاله عيسى ليحيى بن زكريا عليهما السلام: إني معلمك علماً نافعا: لا تغضبً، فقال: وكيف لي ألا أغضب، قال: إذا قيل لك ما فيك فقل: ذنب ذكرته، أستغفر الله منه، وإن قيل لك ما ليس، فاحمد الله إذ لم يجعل فيك ما عيرت به وهى حسنة سيقت إليك.
سفينة الحوار والتعاون
كنت انتظر، بشغف تام، من الأستاذ بوكو أن نؤسس معا لحوار ثقافي نموذجي ما أحوج منطقتنا إليه، على مختلف المستويات السياسية والثقافية والتاريخية والتعليمية، وغير ذلك، وهذا ما قد يتضح بجلاء لأي قارئ نزيه من خلال كلامي حول المجتمع المدني والإفلاس السياسي، وما إلى ذلك، لكن تهب رياح بوكو بما لا تشتهيه سفينة بولعوالي، وهي السفينة نفسها التي اختار أن يركبها ويُقلّها الكثيرون من أبناء الدريوش، الذين يعرفون بحق من هو هذا الإنسان الضعيف إلى ربه، ومع ضرامة هذه الحرب الشعواء التي أواجه بها، لا أقول من قبل الأخ بوكو، وإن كان هو شخصيا كان قد استخدم هذا المصطلح، وإنما من قبل بعض القراء سامحهم الله تعالى، الذين انخرطوا في هذه المعمعة بصيغة لا أخلاقية، فراحوا يخلطون بين الحابل والنابل، تارة يوجهون نبال الإساءة والتحقير إلى الأخ بوكو، وأخرى يصبون جام غضبهم علي، ومع ذلك فإنني أعاهد ربي وأعاهد الجميع بأن تظل هذه السفينة؛ سفينة الحوار والتعاون، تمخر الأمواج العاتية، وهي تترصد شاطئ الأمان.
ثم فيما يرتبط بفريق شباب الدريوش، الذي يتخبط في أزمة عويصة، أومأت أخي بوكو إلى أنني رئيسه الشرفي، كما أنك تريد أن تقول بأنني ماذا قدمت له، أجيبك بأنني شخصيا لم أختر أن أكون رئيسا شرفيا، ولا أعتبر نفسي كذلك، أنا مجرد محب للفريق ومتعاطف معه، مسألة تنصيبي رئيسا شرفيا كانت مفاجأة لي، (يمكن للأخ نجيب البوعزاتي أن يحدثك أكثر حول تفاصيل هذا الحدث)، حيث أنني حضرت بشكل عرضي اجتماع الفريق لتشكيل اللجنة المؤقتة لتسييره، وطُلب مني أن أدلي بكلمتي، وبعد الانتهاء من تشكيل تركيبة اللجنة الجديدة، باغتني الأخ رئيس المجلس البلدي بأن أكون رئيسا شرفيا للفريق، وقد تحفظت عن ذلك، أولا لأنني بعيد في اشتغالاتي كل البعد عما هو رياضي، وثانيا لأنني لست مقيما، لاسيما وأن الاستقرار الدائم يسعف على المواكبة المتواصلة لمسار الفريق، وثالثا لأنني لست غنيا يمتلك أموالا طائلة يستطيع إنفاقها على الفريق، إلا أن الإخوة أصروا على هذا التشريف، الذي ما هو بتشريف، خصوصا في المرحلة الراهنة التي يمر بها الفريق، وهي مرحلة محرجة ومتردية، ولكن كما تقول لازمة المثال الأخيرة وإنما هو تكليف! بعثر الكثير من أوراقي، فمنذ ذلك الوقت، والإخوة في هولندا في جمعية كرت الوليدة، على قدم وساق من أجل دعم الفريق، يقومون بكل ما في وسعهم حتى يتجاوز الفريق أزمته المالية واللوجستيكية، ولعلك قرأت رد الأخ حسن بلال، الذي يتواصل معنا في هذا الصدد بشكل يكاد يكون يوميا، ويمكن لك أن تستفسره ليوضح لك هذا الجانب أكثر، وهذا ما حدث كذلك مع جمعية دار الطالبة، إذ ألحت الأخت والأستاذة الفاضلة جميلة قيشوحي، التي كنت أحبذ لو أن الإخوة المثقفين في الدريوش حذوا حذوها لقدموا الكثير لمدينتهم ومنطقتهم، وقد أصرت على أن أكون في اللجنة الاستشارية لجمعية دار الطالبة، وهذا ما حصل لي كذلك مع الإخوة في جمعية كرت، التي دعوت إلى إعادة تجديدها وضخ دماء جديدة فيها، وقد حاولنا جاهدين دعوة الأخ بوكو ليلتحق بالركب، وكنا نأمل بأن يكون عضوا مفصليا فعالا فيها، غير أن رده كان عنيفا، إذ قال وقتئذ بأنه لا يريد أن يتعامل مع الجمعيات الموسمية، لكن اللهم في العمش ولا في العمي! ورغم ما وقع فالجمعية تظل مفتوحة على مصراعيها، تنتظر أن يلتحق بها الأخ بوكو، فتزدان بأفكاره النيرة التي أفتخر بها، وإن كنت أختلف معه أحيانا! وتتعزز بإمكاناته وخبراته، التي ما أحوج واقعنا إليها.
من هذا المنطلق، أجمل القول فأقول، لم أسع أبدا إلى أي منصب أو شهرة كما يدعي الكثير من الإخوة، وإنما وضعت في مواقف حرجة، كان ينبغي أن أواجهها بشجاعة، لأن المرحلة الحساسة التي تمر بها منطقتنا تقتضي ذلك، فماذا سوف تكون النتيجة إذا سلكت طريق الرفض والتهرب والتملص والتقوقع، ومضى الجميع أيضا على ذلك المضمار، بلا شك سوف تكون النتيجة أفظع وأبشع، وتجنبا لذلك آن الوقت لأن نضع مصلحة المجتمع فوق كل المصالح، ونجعلها أولوية الأولويات، ليس من خلال النقد الكلامي والمعارضة الأيديولوجية فحسب، وإنما من خلال الإسهام الفعلي والميداني على الأرض، كل واحد من موقعه، وحسب ما تتوفر لديه من إمكانات، مع التسلح بثقافة الحوار البناء والتعاون المتواصل.
صديق الجميع
اختار الأخ بوكو أن يضرب على وتر حساس، من شأنه أن يسترعي انتباه الناس، كما أننا في حملة انتخابية، وهذا الوتر هو صداقتي مع العائلة الحاكمة بمدينة الدريوش، قال في الموضع الأول: “وفي مقابل ذلك لا يدخر الكاتب جهدا ولا يفوت فرصة لتزييف الحقيقة وتلميع صورة الماسكين بزمام الأمور بهذه المدينة، وكيل المديح والتقريظ لهم، بمناسبة أو بدونها، وإن اقتضى منه الأمر تيئيس الناس من جدوى العمل السياسي في تحقيق التغيير، وستر عورات المدينة في ظل “الحكم الرشيد لأصدقائه “، عبر الترويج لمنجزات غير موجودة على الأرض على طريقة تلفزة “إتم” أيام الإعلام السمعي البصري(بتسكين الصاد)”. وقال في موضع آخر: “ولذلك فإنني أطالب الأخ ، إذا كان لا يجد الجرأة والشجاعة ليرفع صوته، كما ينبغي لكل مثقف حر ونزيه، في وجه رموز الفساد كي لا يصادر حق الأجيال اللاحقة في العيش الكريم، كما صودر حقنا نحن،أن يغلق فمه على الأقل بدل التمادي في الدفاع عن المجلس الذي صار بين عشية وضحاها “يدرك قيمة العمل الجمعوي والثقافي”.فماذا قدم المجلس للرياضة أو الثقافة أو المجتمع ككل طيلة عقود ليقدمه اليوم؟”.
أدرك بعمق أن هذا الكلام هو الذي ورط الكثير من القراء والمتابعين في مأزق الإساءة المباشرة إلي، والتعامل اللا أخلاقي معي، وهو في الحقيقة كلام كله مغالطات ومزايدات، لا أعرف كيف سمح الأخ بوكو لنفسه بالوقوع في حبائلها، والترويج لأمور لا أساس لها من الصحة والواقعية، فليسمح لي بأن أرد على ما قاله من خلال النقاط الآتية:
* تربطني علاقة عادية مع بني وكيل باعتبارهم جزءا لا يتجزأ من تركيبة قبيلة امطالسة، وهذا جانب جد طبيعي، عندما يتعلق الأمر بشريحة من المجتمع، تربطنا بها أواصر قرابة مختلفة، وتجمعنا بها التزامات متنوعة، في الشارع، في المدرسة، في العمل، في الإدارة، في غير ذلك.
* تجمعني علاقة طيبة مع رئيس المجلس البلدي، لأنه يمثل المدينة التي أنتمي إليها، وتدعوني الكثير من الظروف كما تدعو غيري إلى التوجه إليه، قصد البحث عن حل لمشكل ما، كأن يكون إداريا مثلا.
* أتعامل مع رئيس المجلس البلدي من خلال بعض الأنشطة التي تشارك بها جمعيات يشرف عليها أو يعتبر عضوا فيها، كما هو الحال لجمعية دار الطالبة التي كان يترأسها قبل مدة زمنية وجيزة.
* أتحدى أي أحد يزعم بأنني أمدح (بني وكيل)، كما يقول الأخ بوكو، أنا أتعامل معهم بشكل طبيعي، كما يتعامل جميع الناس على الكرة الأرضية مع منتخبيهم، وأحيانا أثمن بعض مبادرات رئيس المجلس البلدي، التي تتعلق بما هو ثقافي، فلو كان الأخ بوكو رئيسا للمجلس البلدي، لتعاملت معه بالأسلوب نفسه، فهل يعتبر هذا مديحا وتقريظا وترويجا وتيئيسا للناس؟!
* مسألة تيئيس الناس من جدوى العمل السياسي في تحقيق التغيير، هذه لم أقلها، وإنما تأولها مرة أخرى الأخ بوكو، أنا تحدثت عن العمل السياسي الآني والمرحلي، الذي يتعلق بالانتخابات فحسب، ثم يتبدد بمجرد ما تعلن نتائج الاقتراع، ودعوت إلى العمل الجمعوي الذي يتخذ طابعا دائما، كما أنني في فرصة أخرى، تحدثت مع الإخوة (ولم يكن الأخ بوكو حاضرا) عن أن الإنسان قبل أن ينخرط في العمل السياسي، يمر بمراحل متعددة، كالتربية والسلوك والتكوين والعمل الجمعوي، ثم العمل السياسي، وكلما احترم هذه التراتبية، ومنح كل مرحلة ما تستحقه من جهد واجتهاد، كلما كان مستقبله السياسي فعالا ومؤثرا، كما أن الفاعل السياسي ينبغي أن يظل حاضرا في الواقع، من خلال مؤسسة الحزب والجمعيات التابعة لها، لذلك أعتقد أن العمل السياسي بشكله المتقدم والمنشود، لا وجود له أصلا في مدينتنا ومنطقتنا.
* مسألة التهميش الذي تعرضت له منطقتنا، وكان وراءه المنتخبون القدامى الذين تناوبوا على حكم مدينة الدريوش، أشرت إليه في أكثر من مقال جديد، ويمكن للأخ بوكو تصفح بعض مقالاتي المنشورة في الشبكة العنكبوتية، ليقف على هذه الحقيقة، ثم إنني كنت من الأوائل الذين كتبوا عن التهميش الذي شهدته منطقتنا، وقد نشرت ذلك قبل عقد من الزمن، باسمي الشخصي وبأسماء مستعارة، في بعض الجرائد الوطنية والجهوية، والآن يأتي الأخ بوكو لينفي ذلك كله بجرة قلم، والطامة الكبرى أن ثمة من القراء من يسحبهم التيار، فيخوضون في أمور لا علم ولا قبل لهم بها!
* يطالبني الأخ بوكو بأن أرفع عقيرتي في وجه الفساد، وأود أن أذكره بأن كل من حارب الفساد بهذا الأسلوب كان مآله الفشل والانطواء والانسحاب من المجتمع، فما هكذا تورد يا بوكو الإبل، نحن في زمن القرية الكوكبية والعولمة والإنترنت والتنمية المستدامة وغير ذلك، مما يعني أن الآليات التقليدية ما عادت تجدي في مواجهة الفساد، نحن في حاجة إلى استحداث طرائق جديدة.
بناء على ما سلف، طبيعتي أنني أصادق الجميع ولو أنني لا أصدق بعضهم، ليس نفاقا مني كما قد يؤول، وإنما لأنها الطريقة الأنسب لأن نلم الشمل المشتت، ونقرب بين وجهات النظر المتقاتلة، قصد خدمة الشأن العام، أما إذا بقينا متخندقين، فسوف لن نقدم أي شيء للمجتمع الذي ننتظم فيه، لذلك فأنا أفضل أن أكون صديقا للجميع، عوض أن أكون خصما للجميع، وهذا ما يطلبه مني الأخ بوكو؛ يطلب مني أن أجابه رئيس المجلس البلدي، وأشتم بن وكيل، حتى يطمئن قلبه، ويرضى علي الناس، الذين يسبون بني وكيل نهارا، ويجتمعون معهم ليلا، فإذا كنت أخي بوكو تفكر هكذا، وترى أن من واجب المثقف أن يصرخ في وجوه الفساد، فأنا أوافقك الرأي، لكن لا أوافقك الوسيلة والطريقة، ولا أستطيع أن أكون ضد الجميع؛ منتخبين وسلطات ومثقفين وتلامذة ومجتمعا مدنيا، أنا صديق الجميع، أحترم الجميع، فرأيي، كما يقول الإمام الشافعي رحمه الله تعالى، صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب. كما لا يفوتني أن أذكر نفسي قبل أن أذكر غيري بقصة الرسول صلى الله عليه وسلم، عندما خرج إلى الطائف، بعد أن آذاه كفار قريش أذى شديدا، فقوبل هنالك بالمثل، بل ورجم بالحجارة، وعندما رجع قافلا إلى مكة، واقترب صلى الله عليه وسلم من دخول مكة، خاطبه رئيس الملائكة وجند السماء جبريل، يعلمه أن معه ملك الجبال، يستأذنه في تدمير كفار قريش، بإطباق الأخشين عليهم، فماذا كان رد الرسول صلى الله عليه وسلم، إنه خاطب جبريل قائلا: كلا يا جبريل.. فلعل الله أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله! فلنقتدي، أيها الإخوة الكرام، بأخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم.
الاتهام بالاستعلاء
يتهمني الأخ بوكو بالاستعلاء والنرجسية... وما إلى ذلك، سوف لن أمضي في مناقشة هذه النقطة إلى ما هو أعمق وأشمل، فنقع جميعا فيما لا يحمد عقباه، فنتبادل التهم أكثر، ونتراشق بالشتائم، وننزل بأنفسنا إلى الحضيض، غير أنني سوف أتريث عند نقطة أثارها الأخ بوكو، وهي المتعلقة بالصديق الأستاذ والكاتب المختار الغرباني، يقول: “وما دام الأخ قد بلغ به الإسفاف إلى هذا الحد، ولم يراع مقام الصداقة والاحترام، فأحب أن أهمس في أذنه أن أسلوب التعالي والتحقير والنرجسية وتضخيم الذات الذي يتعامل به مع إخوانه هو الذي ينفرهم منه ويزهدهم من التعاون معه أو حتى مجالسته والرد على مكالماته، وقد ذكر لي ذلك غير واحد من الإخوان، ومنهم الأستاذ المختار الغرباني على سبيل المثال”.
إذا كان هذا النقاش، أو كما سميتها الحرب، تدور رحاها فيما بيننا، فما دخل الصديق الغرباني، دع غيرك في سلام وأمان، فالأخ الغرباني عرفته قبل أن أعرفك، وأكن له احتراما عميقا، رغم أنني أختلف معه في بعض الأمور، ومن طبيعتي أنني أحترم كل من يختلف معي، بل وأحترمه أكثر مما أحترم الذين أتفق معهم، وأعتبره من الأقلام النادرة في منطقتي، التي تركت آثارا واضحة على المشهد الثقافي المحلي، وأتابع مسيرته الأدبية والإعلامية باهتمام، وقد قرأت إصداره الأخير، وأنا بصدد تحبير كلمة حوله، كما أنه رغم التقطع في التواصل فيما بيننا، فقد عملت جاهدا على أن يكون حاضرا في العدد التجريبي الأول لجريدة كرت من خلال قصته الجميلة: هذا المساء، لأنه قلم امطالسي لا يمكن الاستغناء عنه. فلماذا توسع أخي الكريم رقعة هذه الحرب المزعومة، التي تلصقها بي، وأنا بريئ منها براءة الذئب من قميص بن يعقوب!
ثم كيف يمكن لإنسان تتهمه بالاستعلاء أن ينفتح على مختلف مكونات المجتمع، دون تمييز أو استثناء، ويضحي بوقته وجهده وماله، من أجل أن يتواصل مع الجميع، وفي هذا الصدد أشير إلى الدورة التكوينية في الإعلام، التي قدمته لثلة من الصحافيين والإعلاميين المحليين الناشئين، وقد قلت يومها أخي بوكو مستهزئا لمن يقدم هذه الدورة، وهل يوجد في الدريوش صحافيون وإعلاميون! وقد أسأت بذلك أيما إساءة، ليس إلي وإنما إلى الكثير من الأقلام المطالسية الأولى، التي ينبغي أن نقدرها ونجلها، مثل: سعيد الجراري ومحمد البوكيلي (مؤسس دار الطالب) وأحمد الحمداوي وإدريس اليزامي والمختارالغرباني وعلي الداودي ومصطفى الحمداوي، وغيرهم، والأقلام الناشئة التي ينبغي أن نعتز بها ونأخذ بيدها، كسعيد أدرغال ومروان عمرو وحسن بلال ونوح الوكيلي وفريد العيطا وجمال غلادة وغيرهم، دون نسيان الفاعلين الجمعويين والثقافيين والسياسيين والرياضيين المحليين، الذين ينبغي أن ننفتح على تجاربهم وخبراتهم، وأذكر منهم الإخوة: محمد اليعقوبي ومجاهد العبادي ومحمد البوكيلي ومروان جمال وبوجمعة جعادة وبلغازي ميمون وسعيد الوكيلي والعرباوي الخضر وبوكو محمد، وغيرهم كثير.
ثم هل وصلت الأمور إلى درجة أن كل من تحدث عن إسهام قدمه لوطنه أو دينه أو أمته، أو عبر من خلال مقال أو حوار ما عن وجهة نظر معينة، أنه يعير بأنه متكبر ومتعال، فيصرخ في وجهه، كما صرخ الأخ بوكو في وجهي: كفى تجريحا وتضليلا واستعلاء..! والله سبحانه وتعالى يقول في محكم كتابه: (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) التوبة/105، وقد جاء في تفسير بن كثير أن الله تعالى يظهر تلك الأعمال للناس في الدنيا.
خلاصة القول،
ولئن انحرف النقاش فيما بيننا عن السكة التي كان ينبغي أن يمضي عليها، وخلق جوا مشحونا بأحاسيس عدم الرضا والتنافر وسوء الفهم، إلا أنني أدرك بأنه سوف يسفر عن حسنات كثيرة، وإيجابيات جمة، أهمها تعميق الوعي المحلي بمختلف قضايا المجتمع وإشكالاته، ثم رد الاعتبار لصوت المثقف النزيه، الذي يتبنى خطاب التوحيد والتقريب، الذي يسعى كل واحد منا إلى أن يكونه، إلا أننا نختلف في آليات العمل والإجراء، ولا تثريب على ذلك، ما دام أن جميع الأطياف مسكونة بغرض خدمة المجتمع المحلي. وها قد آن الأوان لأن نشرع في ذلك، رجالا ونساء، مواطنين وسلطات، منتخبين وجمعويين، لاسيما وأن مدينتنا ومنطقتنا تمر بظرفية جد حساسة، تجعلها أكثر من ذي قبل، في مسيس الحاجة إلى كل أبنائها وبناتها، الذي يقتضي منهم السياق الجديد أن يؤجلوا خصوماتهم وخلافاتهم، وينخرطوا بجدية ومتعة في النهوض الشمولي بالواقع وبالإنسان!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.