أليس لإقليم الدريوش “الفقير” اليوم حق ما في المشاريع الكبرى التي أسست على تراب إقليمالناظور وتدر عليه المداخيل الضريبية والجمركية الطائلة؟ كان يساورني هذا السؤال منذ زمن طويل، وبالتأكيد عندما كانت جماعات إقليم الدريوش تابعة لإقليمالناظور إداريا. فإذا كان إقليمالناظور وقتذاك يحسب على المغرب “غير النافع”، فإن ما يعرف اليوم بإقليم الدريوش كان يحسب على إقليمالناظور “غير النافع”، كما كنت أعتقد شخصيا ويعضده واقع الأمر. أقول أن لإقليم الدريوش الحالي كامل الحق في قسم من المداخيل التي تدرها الكثير من المشاريع الكبرى الموجودة في إقليمالناظور، كالمنطقة الصناعية بسلوان بما فيها مصنع الصلب والحديد، وميناء بني انصار، ومطار العروي الدولي، وغيرها. وقد يذهب البعض إلى أن هذا محض هذيان أو كلام لا أساس له من المنطق والواقعية. يمكن إثبات أو استرداد هذا الحق الذي انتزع من إقليم الدريوش “الإبن” من طرف إقليمالناظور “الأب”، وذلك بناء على سببين واقعيين: السبب الأول أنه منذ استقلال المغرب بعد منتصف خمسينيات القرن الماضي، وبالضبط منذ التقسيم الإداري الأول للمغرب سنة 1957 إلى حدود 2010 تم تهميش ما يعرف اليوم بإقليم الدريوش، ليس من قبل الجهات المركزية في العاصمة الرباط فقط، بل من طرف السلطات المحلية في مدينة الناظور (العمالة ومختلف النيابات والمندوبيات) أيضا، ويتمثل أحد وجوه هذا التهميش في عدم استفادة هذه المنطقة المنسية من أي تنمية ملموسة، إذ كانت معظم المشاريع التنموية والتربوية والاقتصادية توجه إلى مدينة الناظور وما جاورها، فترتب عن ذلك استفادة مختلف الجماعات والمراكز القريبة من الناظور من جملة من المشاريع الكبرى (سلوان، العروي، بني انصار)، في حين لم تحظ المناطق النائية من أي مشروع أو ورش اقتصادي يذكر، فلو تم توزيع المشاريع التنموية والبنيات التحتية المخصصة لإقليمالناظور طوال هذه العقود بشكل عادل ومتوازن، لنالت دائرتا الريف والدريوش حظهما من الشبكة الطرقية والمؤسسات التعليمية والاجتماعية والشركات الربحية قبل الترقية إلى عمالة مستقلة، غير أن ذلك لم يحصل للأسف الشديد. وعندما تم استحداث إقليم الدريوش ظهر أن هذه المنطقة ما تملك من قطمير! ومرد ذلك، ليس إلى أن هذه المنطقة فقيرة، بل إلى سياسة التهميش التي كانت تمارس من قبل الجهات المسؤولة في إقليمالناظور، التي ركزت كل المشاريع والخدمات في مدار الناظور الذي لا يتعدى قطره 30 كيلومترا. على هذا الأساس، يتأكد أن المشاريع التنموية التي شهدها الناظور الكبير وبعض البلديات المجاورة له كانت موجهة إلى إقليمالناظور كله، الذي كان يشكل إقليم الدريوش الحالي جزءا لا يتجزأ منه إلى حدود 2010، غير أن هذا الجزء لم يستفد من حقه الدستوري في هذه التنمية. وهذا يعني أن إقليمالناظور يظل مدينا لإقليم الدريوش، الذي يجب جبر ضرره التنموي والاقتصادي؛ إما بإعادة توزيع تلك المشاريع القديمة من جديد، وتمتيع بعض بلديات وجماعات إقليم الدريوش بحقها في ذلك، وإما بتخصيص حصة من مداخيل تلك المشاريع لإقليم الدريوش الذي حرم منها منذ استقلال المغرب إلى يومنا هذا. السبب الثاني وهو أن إقليمالناظور يتوفر على مشروعين كبيرين وهما: مطار العروي الدولي وميناء بني انصار، اللذين يشهدان حركة اقتصادية كبيرة، لاسيما أثناء العطل الموسمية والصيفية التي يزور فيها مغاربة أوروبا منطقة الريف وشمال المغرب، ويقدر عدد المغاربة المنحدرين من إقليم الدريوش المقيمين في أوروبا بحوالي 50%، وأغلبهم يستعمل هذين المنفذين الدوليين، ما يسهم في رواج تجاري وخدماتي ملحوظ تعود فيه حصة الأسد لمدينة الناظور التي توجد فيها معظم المشاريع التجارية والسياحية والخدماتية التي تستقطب أبناء إقليم الدريوش العائدين من أوروبا وغيرهم. وإذا فرضنا جدلا أن إقليم الدريوش يتوفر على مطار وميناء خاصين به لانخفض الرواج السياحي والتجاري في إقليمالناظور بشكل صاروخي، لصالح إقليم الدريوش بمختلف بلدياته وجماعاته ومراكزه. من هذا المنطلق، يظهر جليا أن هذين المشروعين الكبيرين: المطار والميناء كان يحسبان على إقليمالناظور بمافيه دائرتي الدريوش والريف، وهذا يقتضي استفادة الإقليم كله، بشكل أو بآخر، من المداخيل الإجمالية التي كان يجنيها، بما فيها مداخيل الميناء والمطار. وفضلا عن ذلك، فإن جزءا لا يستهان به من ساكنة إقليم الدريوش في الداخل والخارج تستعمل خدمات هذين المشروعين، وهكذا تساهم في دفع الضرائب المفروضة عليها، غير أن منطقتها لا تستفيد من ذلك في شيء، بالإضافة إلى أن قرب هذين المشروعين من مدن الناظور والعروي وسلوان وبني أنصار يخلق أيضا رواجا تجاريا واقتصاديا كبيرا تستفيد منه الساكنة والشركات والمقاولات ومختلف المصالح الخصوصية والعمومية، في حين يشهد إقليم الدريوش ركودا مذهلا لافتقاره الى البنيات التحتية والمشاريع الكبرى التي توفر المداخيل الضريبية من جهة، وتخلق دينامية اقتصادية من جهة ثانية. وأتمنى أن لا يتكرر هذا مع المشاريع الكبرى القادمة كميناء الناظور غرب المتوسط الذي يجب أن يشمل كل من إقليميالناظور والدريوش، ويستفيدا بالتساوي من الإمكانيات التي قد يوفرها على مستوى الضرائب وفرص الشغل وتوزيع المشاريع الموازية والبنى التحتية. كما أن وزارة/مندوبية التجهيز والنقل يجب أن تعيد النظر في مشروع السكة الحديدية الذي اقتصر على إقليمالناظور، والطريق السيار المنتظر الذي سوف لن يشمل المدن المركزية التي تشكل نواة اقليم الدريوش (الدريوش، ميضار، بن الطيب). لهذين السببين وغيرهما يتأكد بالملموس أن لإقليم الدريوش “الفقير” كامل الحق في المشاريع الكبرى التي أسست على تراب إقليمالناظور وتوفر المداخيل الضريبية والجمركية الطائلة، ولعل هذا ما غاب عن مختلف الفاعلين السياسيين والمدنيين، الذين يركزون على التهميش العارم الذي يشهده إقليم الدريوش، دون التنقيب في جذوره التاريخية والواقعية التي تعود بالدرجة الأولى الى الهيمنة الاقتصادية والتنموية التي مارسها الناظور الكبير على باقي جماعات ومراكز ومناطق الإقليم منذ استقلال المغرب إلى حد اليوم. ولن تتحرك قاطرة التنمية في إقليم الدريوش إلا بتقليص هذه الهيمنة عن طريق إعادة توزيع المشاريع الاقتصادية الكبرى والبنى التحتية بشكل عادل ومتوازن على مجموع الإقليمين، وهذا ما يقتضي جرأة سياسية لا أعرف ما اذا كانت هناك قابلية لدى مسؤولينا وسياسيينا الحاليين للإقدام على ذلك.