من الطبيعي خلال حياتنا وأعمالنا اليومية ان نقع في اخطاء وهذا ليس قصرا على صغير دون الكبير وانما يشمل ايضا جميع المستويات الوظائفية من المرؤوسين الى الرؤساء في العمل، ومن الطبيعي ايضا ان نواجه بنقد الآخرين للفت انتباهنا. وتقبل النقد يعتبر صورة من صور تقدير الذات وهو بوابة لكل انواع النجاح يسعى اليه الانسان الموضوعي ويتقبله بكل نزاهة خاصة حينما يأتي ذلك النقد من قبل شخص ذي خبرة ودراية وبتجرد تام عن ثمة مصالح شخصية. فالنقد البناء يكون دوما مرتبطا بعدالة الطرح والناقد الجيد يعتبر ناقوس الصحوة الانسانية وضمير الايمان بحيث لا يبدي كلمة الا اذا فكر ولا يقدم على النقد إلا بعد التدبر والتقرب من شخص المنتقد ودراسة أفكاره بحيادية، ويكون متحلياً بالحلم والعلم وملما بقواعد النقد البناء وأصول التعامل مع الآخرين فتراه يقيس الامور بميزان العدالة ويقف ضد النقد الذي وراءه مصلحة شخصية او كان دافعه الغيرة والحسد، فنرى خلال حياتنا العديد من الاشخاص الذي يتقبلون النقد البناء ويعتبرونه نصيحة وتوضيحاً لخطأ وقعوا فيه ويبادرون الى قبول ذلك النقد بكل رحابة صدر معتبرين ان النقد عبارة عن معلومات يمكن ان تساعدهم على النمو وتعزز من مهاراتهم وفرصة لإعادة تقييم معارفهم واعمالهم. ولكن وللاسف هناك البعض ممن يحيدون عن النقد البناء والايجابي الى النقد الهدام او غير العادل واستطيع ان اسميه بالجهالة وهذا النقد قد يبطن بطياته صنفا من اصناف الحسد والإساءة ويصل احياناً الى درجة التجني والتشهير يستخدمه ضعاف النفوس والعقول لغايات بانفسهم كالتظاهر بالمعرفة والتقليل من منزلة المنتقد، ونراه يتخذ من النقد فرصة لكيل الشتائم والطعن بكرامة الآخرين ويعتبر هذا البعض ان ما يقوم به هو الطريقة المثلى لتوصيل رأيه ويتعدي ذلك الى التهجم وباسلوب بعيد عن كل ماهو حسن ويصل لحد البذاءة لتوصيل رسالته، فهنا لا نكون أمام نقد للاصلاح بل نقد للتشهير والاساءة والتسفيه، تشوبه النية السيئة لأنه يؤذي ويبتر مشاعر الآخرين وهذا بالطبع نقد مرفوض ومذموم ويسم صاحبه بالعبث والكره ويثير النعرات ويؤدي الى نتائج سيئة تنال من شخص الناقد وتؤدي الى لفظ المجتمع له. ما أكثر من يجعل نفسه في موضع المحاسب، فستجد الكثير من أبناء مجتمعك والوسط المحيط بك حتى ممّن لا تجمعك به علاقة حميمة ينصّب نفسه حاكما عليك ومحاسبا لك، ومنتقدا لحياتك ومسلّطاً المجهر والضوء عليك !! في هذا المجتمع وحتى في دائرة الأسرة، تجد الجميع أو الأغلب يمارس دور المحاسِب والحاكم والجلاد والمنتقد ، فتجده ينتقد كل سلوك وعمل تقوم به لا لشيء إلا لمجرد النقد –إن تأمّلناه جيداً-، وتجد الجميع يمارس عليك دور المحاسب والحاكم والرقيب عند أي اخفاق أو تأخر أو ظروف صعبة تمرّ بها –وهو لا يعرفها أو لا يهتم بها- وهذا الدور يمارسه القريبين منك والبعيدين –كأنّ الجميع يستمتع بذلك- لأنّهم يرون نفسهم في موضع القوة بينما ذالك الشخص يصبح في موقف المتهم والضعيف فيضطر للدفاع عن نفسه والتبرير أو الانطواء والابتعاد عن المجتمع وربما يمر بجميع ذلك أو أكثر وقد تصيبه حالة الكراهية أو النفور من المجتمع … فتأمّل. قد لا يلاحظ هؤلاء خطورة هذه المسألة خصوصاً منْ يفترض بهم أنّهم يهتمون لأمرك وما لهذا الفعل من تبِعات … قد لا يُلتفت إلى أنّه في هكذا جو يفتقد المرء إلى الأمان وإلى الشعور بالثقة والتقدير والاهتمام … وقد لا يُلتفتُ أيضاً إلى أنّه لا يمكن العيش والاستمرار والابداع إذا تعددت وكثرت أعداد المحاسبين وطرقها فيصبح الانسان بدلاً من أن يتفرّغ إلى حياته والابداع والعمل وتصحيح أوضاعه والتغلب على مشكلاته وظروفه يصبح في مواجهة هذا الطابور الذي لا ينتهي من المحاسبين فما أن ينتهي من أحدهم حتى يقابله الآخر وما أن ينتهي منهم جميعاً حتى يعود إلى نفس البداية كأنه في حلقة مفرغة لا نهاية لها، وقطعاً لا يُلتفت إلى حقيقة غياب الداعم خلال هذه المرحلة. وفي ذات الوقت الذي انشغل الجميع فيه بممارسة دور المحاسب والجلاد والرقيب نسوا أو تناسوا بأن هذا المرء يواجههم جميعهم وحيدا مستضعفاً وفوق ذلك تراه يحاول أن يتغلب على ظروفه ويكون مبدعاً منتجاً لكنّه في المقابل يرى نفسه قد أضحى بمفرده ومَن حوله انقلبوا ضده وبدلاً من أن يدعموه ويساعدوه على التغلب على تأخره ويقفوا إلى جنبه ويرفعوا من همّته ليعود بقوة مرة أخرى أصبح الجميع مكسرا محطما لما بقي من قوة وإن تكرر الفشل والتأخر تسائلوا لم تأخرت؟ لم فشلت؟ ثم يتوالوا عليه بالكلمات وتسقيط شخصيته والتي تنزل على قلبه كالسهام الخارقة تقتله مرات ومرات … فعلاً ما عشت … أراك الدهر عُجباً. وانني اوصي من باب النصيحة مستشهداً بمقولة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «رحم الله أمرأ أهدى إلي عيوبي» أوصي بأن نكون إيجابيين في تقبل النقد، كما أوصي بأن نكون موضوعيين في نقدنا للآخرين ملمين بالحقيقة المجردة من أي اعتبار موضحين الاخطاء باسلوب لبق بعيدا عن المهاترات والتجريح حينها يكون نقدنا بناء يمنح الآخرين الفرصة لإعادة تقييم انفسهم كما يمنحهم الثقة والاعتدال في المواقف والتحرر من الإنغلاق والغلو، فكم نحن بحاجة الى فكر نقدي تأسيسي مقبول يضع حلاً لاخطاء الآخرين ولا يكتفي بالإشارة اليها.