يبدو ان وزير الداخلية الريفي عبد الوافي لفتيت "كيراجع الدروس ديالو مزيان" فمن كلمته القصيرة ذات الحمولة السياسية القوية في بداية لقاءه بمنتخبي الناظور امس الاربعاء 24 ماي..الى الطريقة التي استمع بها لعشرات المداخلات..ثم الخلاصة التي قدمها في الأخير.. بدا واضحا ان لفتيت و رغم قصر مدة جلوسه على كرسي أم الوزارات الا انه يعرف جيدا ماذا يريد ان يفعل في الناظور.. لفتيت كان صادقا حين قال بان تنمية اقليمالناظور خيار استراتيجي للدولة لا ردا ظرفيا على وضعية معينة..في اشارة لنيران الحراك الشعبي المشتعلة..و نقول انه صادق لأن أكثر المشاريع الكبرى بالمنطقة اطلقت قبل الحراك كالميناء المتوسطي و تهيئة مارتشيكا و غيرها.. و لكن ما لم يقله لنا..هو ان هذه التنمية كانت تمضي ببطئ شديد..دون تنسيق مع الفاعلين على الأرض..دون اولويات او برنامج زمني محدد و الاهم انها كانت تتم بعيدا عن اي مقاربة اجتماعية ناجعة.. لفتيت بعد ساعات من الحديث و الاستماع..ارسل لنا عددا من الرسائل السرية و المشفرة تفتح لنا افاقا لفهم ما تنوي الدولة فعله بالناظور و المنطقة.. لتحقيق هدفها الاول اليوم و هو: + تجفيف منابع الحراك الاحتجاجي بالمنطقة + قطع الطريق الثوري الرابط بين الناظور و الدريوش من جهة و الحسيمة من جهة أخرى.. + البحث عن سلم اجتماعي مستدام و من خلال رسائل الوزير يتبين ان الدولة تعرف ان البطالة و الاقصاء الاجتماعي هما المحركان الاساسيان لهذا الغليان في الشارع..لذا فقد أكد و كرر عدة مرات على أهمية مبادرتين أساسيتين هما: + برنامج محاربة الاختلالات المجالية : الذي يهم خاصة الجماعات القروية و الذي يعني به تحسين وضعية الجماعات المهمشة الاكثر فقرا عبر توفير بنية تحتية اجتماعية أساسية..و تحدث هنا..عن الصحة و التعليم و تعميم الماء الشروب و الكهربة و فتح المسالك و التنمية الفلاحية.. و هي كلها اجوبة اساسية على سؤال الاقصاء الاجتماعي الذي تعاني منه عدد من جماعات الناظور و خاصة الدريوش. + التشغيل: و هنا اعطى الوزير أهمية قصوى لميناء الناظور غرب المتوسط و منطقته الصناعية و قارنها بانطلاق ميناء طنجة و تحدث عن رؤوس الاموال الخاصة القادمة للاستثمار في المنطقة.. و كأنه يعدنا بملحمة "طنجة" ثانية..و أكد انه سيدرس مع مدير الميناء سبل تكوين شباب المنطقة و تأهيلهم للعمل فيه.. مما ينبأ باحتمال تسريع انشاء مسالك خاصة في كلية الناظور تهم مهن الموانئ..او افتتاح معاهد تكوين مهني متخصصة في المجال.. هذا فيما لم يركز الوزير كثيرا على مشروع تهيئة مارتشيكا معتبرا انه مشروع جيل..مما يعني ان الاثار الاقتصادية له لن تكون قريبة مع العلم انه التزم بافتتاح الميناء في سنة 2021 اي بعد حوالي 4 سنوات من الان.. الأجوبة الكبرى التي قدمها وزير الداخلية في لقاءه..و ان تضمنت مسارا واضحا نحو تحويل اقتصاد المنطقة الى الصناعة و مهن الموانئ و السياحة..الا انها تتضمن عيبا خطيرا اشارت اليه حتى مراكز الدراسات العالمية..و هي اعتماد المغرب على المشاريع التي تأخذ وقتا طويلا في الانجاز ثم في اعطاء المردودية.. و هذا ما يعرفه الوزير جيدا..كما يعرف ان انتظار 5 سنوات اخرى في هذا الوضع الحارق لن يكون بالمطلب السهل.. لذا و خلال كلمته ايضا ارسل رسائل مشفرة..من قبيل نيته اقبار المخطط الاستراتيجي للناظور بحديثه عن التهييئ لبرنامج جديد لتأهيل الاقليم بمعنى ان المخطط الجديد سيستهدف اثارا اقتصادية على المدى القريب تتيح للدولة شراء السلم الاجتماعي بالمنطقة خلال السنوات التي تفصلنا عن موعود "خيرات" الميناء الجديد و مارتشيكا.. و بصيغة أخرى فإن الوزير يعترف للناظوريين بأن الدولة تعرف جيدا ما الذي سيحدث بعد 2021 و لكنها لا تزال تبحث معنا عن الطريقة التي ستواجه بها السنوات العجاف التي تنتظرنا قبلها مع الافتراض جدلا ان الميناء و مارتشيكا سيكونان الحل السحري لمشاكل البطالة بالمنطقة.. يمكننا الخروج من كلام الوزير و تحركاته الاخيرة بالخلاصات التالية: اهداف الدولة محاصرة الحراك الشعبي باقاليم الريف الثلاثة لمنع انتقاله الى مناطق اخرى بالمغرب و شراء السلم الاجتماعي على المدى المتوسط و البعيد الوسائل محاربة اسباب الحراك و تجفيف منابعه عبر + خطة لمحاربة الاقصاء الاجتماعي عبر ما تسميه برنامج محاربة الاختلالات المجالية + خطة لمحاربة بطالة الشباب عبر حملة تشغيل واسعة مباشرة..ثم غير مباشرة..عبر تسريع مشاريعها الاقتصادية الكبرى "مارتشيكا و الميناء المتوسطي"..و البحث عن مشاريع اخرى سريعة المردودية و توفر فرص الشغل خلال السنوات القليلة المقبلة.. على الأرض الدولة ستستمر في دفع ثمن أخطائها و تأخرها..و نموذجها التنموي طويل المدى سيأخذ وقتا ثمينا لا تملكه و نموذجها القصير المدى لا يزال افكارا لا يعرف مدى نجاعتها..و بصيغة أخرى..فالدولة تعرف ماذا تريد لكنها و لحد الان .. مثقلة بتراكم الزمن و الملفات و الاخطاء.. لا تعرف كيف تصل لما تريد في اقصر وقت ممكن.. لذا هي تلجأ اليوم لسياسة تهدئة الخواطر و شراء الوقت و قد تعود قريبا للمقاربة الأمنية الحازمة.. فأمامها و أمامنا 5 سنوات حارقة..