زعيمي يتراجع عن تصريحاته السابقة أمام قاضي التحقيق في مارس الماضي، أنهى قاضي التحقيق بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء، التحقيق التفصيلي مع 35 متهما في ملف نجيب زعيمي ومن معه، وأحال ملفهم على غرفة الجنايات الابتدائية، لمحاكمتهم طبقا للقانون، بعد أن تابعهم بتهم مختلفة من بينها تكوين عصابة إجرامية والاتجار الدولي في المخدرات والارتشاء والقتل العمد والاحتجاز والتعذيب وجناية الارتشاء وجنح إخفاء آثار الجريمة وانتحال هوية شخص آخر ونقل وتصدير المخدرات، وبين المتهمين عناصر تنتمي إلى الأجهزة ألأمنية، من شرطة ودرك ومخازنية. وكانت التهم التي وجهها القاضي نفسه إلى العميد جلماد بعد انتهاء التحقيق، هي جناية محاولة الارتشاء طبقا للفصلين 114 و248 من القانون الجنائي. بعدما أنهت الفرقة الوزطنية للشرطة القضائية الاستماع إلى جميع أطراف القضية، بل وافردت لكل منهم أكثر من محضر واحد، أحيل المتهمون والملفات على النيابة العامة ومنها إلى قاضي التحقيق، واتسمت مرحلة التحقيق بتراجع المتهمين عن تصريحاتهم التمهيدية، إذ نفى زعيمي نفيا مطلقا اتجاره في المخدرات أو نقلها كما نفى اتصاله بالعميد الإقليمي جلماد، رغم أنه صرح في محاضر الضابطة القضائية أن البرلماني شاعو أمده خلال إحدى المكالمات برقم العميد موضحا له أنه سيجد له حلا جذريا لمشكلته المتمثلة في التورط في الاتجار الدولي في المخدرات وحيازة أزيد من 7 أطنان منها. كما طلب شاعو، حسب تصريحات زعيمي، الاتصال بالعميد بين الساعة 11 صباحا والثانية بعد الظهر، وأن يخبره أنه مرسل من قبل «سي حنيفة»، وأضاف أن شاعو أخبره أنه قام باللازم مع العميد. اثناء استنطاق نجيب زعيمي من قبل قاضي التحقيق، نفى ما سبق أن صرح به أمام الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، سواء فيمات تعلق بتعذيب وقتل محمد زعيمي ودفنه، أو في الاتجار في المخدرات، إذ صرح أن المنزل الذي عثر فيه على كيمة المخدرات يعود إلى البرلماني شاعو، وإن كانت حالة جثة محمد زعيمي التي أخرجت من المكان الذي دفنت فيه، وأظهرت أن صاحبها تعرض للتعذيب والتكبيل من اليدين والرجلين وهو ما عززته شهادة مشاركيه في الجريمة. كان النفي سيد الموقف في مرحلة التحقيق، إذ عندما واجه قاضي التحقيق نجيب زعيمي بمكالماته الهاتفية مع العميد جلماد بعد ضبط كمية سبع أطنان من المخدرات، نفى وأنكر أن يكون اتصل برئيس المنطقة الأمنية مضيفا أن البرلماني شاعو ألح عليه في ذلك لكنه رفض. واعتبر قاضي التحقيق أن تراجع المتهم عن تصريحاته لدى الرشطة القضائية جاء مجردا من أي دليل سيما ان الوقائع التي أدلى بها تمهيديا اتسمت بالدقة والتفصيل، سواء فيما تعلق بجناية التعذيب والاحتجاز والاختطاف والقتل ثم دفن الجثة أو في ما يتعلق بوائع تصدير المخدرات والاتجار فيها. واكد قاضي التحقيق أن ما تذرع به زعيمي من كونه تعرض للتعذيب أثناء استنطاقه لدى الشرطة القضائية، لا يمكن الركون إليه لأنه لم تظهر عليه اثناء مثوله أمامه أي علامات تؤكد تعرضه للتعذيب. وبعد أن واجه قاضي التحقيق نجيب زعيمي بكل التهم الموجهة إليه، ونفي الأخير لها، اعتبر أن الحجج والإثباتات القانونية تفنذ إنكار المتهم نجيب زعيمي للمنسوب إليه عند استنطاقه التفصيلي، ولا يعدو أن يكون سوى محاولة يائسة للتملص من المسؤولية الجنائية وبالتالي الإفلات من العقاب، ليتم توجيه تهم جناية تكوين عصابة إجرامية والقتل العمد والتعذيب والإرتشاء ونقل وتصدير المخدرات. بعد أن استمع قاضي التحقيق إلى نجيب زعيمي وشاركيه في الجرائم سالفة الذكر وواججهم بمحاضر الضابطة القضائية والأدلة التي تثبت تورطهم في ارتكاب الجرائم سالفة الذكر انتقل إلى الاستماع إلى محمد ياسين الجيراري مدير الوكالة البنكية وصديقه الصحافي خباش الذي تربطه لاعلاقة بشاعو وكان صلة الوصل التي ربطت العميد بالقضية. صرح المتهم نجيب زعيمي تفصيليا أمام قاضي التحقيق بخصوص قضية رئيس الأمن محمد جلماد أنه بلغ إلى علمه أن المنزل الذي باعه للبرلماني سعيد شاعو ومازال لم يحرر بينهما عقد ضبطت به مصالح الشرطة كمية من الشيرا تقدر ب 7 أطنان و488 كيلوغراما، فاتصل زعيمي بشاعو الذي كان بإسبانيا ولامه على ما وقع فطلب منه إغلاق الهاتف وأنه سيعاود الاتصال به بعد نصف ساعة، وبعدها اتصل به وطلب منه تسجيل رقم هاتفي وتدوين اسم جلماد عليه، ولما استفسر زعيمي البرلماني شاعو عمن يكون هذا الشخص أجابه بأن ذلك لا يصرح به عبر الهاتف، وأن ما عليه القيام به هو الاتصال بالرقم المذكور والتصريح له بأنه من طرف حنيفة، فاستفسره من جديد عمن يكون حنيفة فأجابه بالرد نفسه، أي أن ذلك لا يصرح به عبر الهاتف. حنيفة الذي استمع إليه قاضي التحقيق كشاهد في القضية، كان تعامل منذ البداية بتلقائية معتقدا أن المتدخل لفائدته يشكو بالفعل مضايقات الشرطة القضائية بالناظور، لذا طلب استقبال زعيمي في مكتب رئيس الأمن، قبل أن يطلب منه الأخير تغيير المكان ومده برقم هاتفه الثانوي، إذ أنه منح لصديقه مدير الوكالة البنكية الرقم الهاتفي سالف الذكر، ليمده بدوره إلى الصحافي خباش الذي يعمل لحساب شاعو. وعاد نجيب زعيمي نافيا أنه اتصل بالرقم الذي تسلمه من شاعو والذي يخص جلماد، إذ أنه حسب الاتفاق الذي جرى بينه وبين البرلماني كان الاتصال سيتم في الغد ما بين منتصف النهار والواحدة ظهرا، إلا أن هذا الاتصال لم يتم بسبب إلقاء القبض على زعيمي. وسار الصحافي حميد خباش، مدير جريدة إنغمسن، في نفي تصريحاته التمهيدية أمام الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، والتي جاء فيها أنه بعد نجاح شاعو في الانتخابات البرلمانية، أصبح عضوا في شبكته المتعلقة بالاتجار في المخدرات، وان دوره كان ينحصر في تسلم أرقام البطاقات الوطنية من شاعو والتي تخص مساعديه في الاتجار الدولي في المخدرات المبحوث عنهم، على أساس أن يسلمها بدروه إلى شخصين لهما علاقات مع مسؤولين في الإدارات العمومية ليتم تنقيطهم ومعرفة أحوالهم لدى أجهزة الأمن، وأنه مقابل ذلك كان يستلم مبالغ مالية لشخصه وللمتدخلين لفائدته تتراوح بين 10 آلاف و150 ألف درهم. وصرح خباش أن كل ذلك غير صحيح. ولم ينكر تصريحه لدى الشرطة الذي جاء فيه أن سعيد شاعو اتصل به ليطلب منه التوسط لأحد أصدقائه الذي يتعاطى تربية المواشي للحد من المضايقات التي يتعرض لها من قبل الشرطة، وأكد أنه بالفعل في متم أبريل 2010 اتصل به شاعو هاتفيا وطلب منه ذلك، ونظرا لأنه كان يلتقي يوميا بمحمد ياسين الجيراري، باعتبار علاقة الجوار في العمل فقد عرض عليه الأمر ليطلب منه مهلة لتدبر المسألة، وفي اليوم الموالي التقيا ومده برقم هاتفي يخص أحد المسؤولين الأمنيين بالناظور، ليمده بدوره إلى شاعو ليضعه الأخير رهن إشارة زعيمي قصد الاتصال بالمسؤول المعني الذي هو العميد الإقليمي جلماد، كما أخبره ياسين الجيراري على أساس أن يلتقي به في اليوم الموالي لوضع شكايته لديه حتى يتدخل لفائدته. وزاد الصحافي في تصريحاته أن اللقاء لم يتم، وعلم بذلك بعد أن اتصل به ياسين الجيراري وعاتبه لأن مربي المواشي خلف الموعد وترك العميد الإقليمي ينتظر، فحاول الصحافي ربط الاتصال بشاعو إلا أنه لم يفلح لأن هاتفه كان خارج التغطية، فربط الاتصال بالجيراري الذي طلب منه نسيان الموضوع. وصرح المتهم خباش أمام قاضي التحقيق أنه بالفعل سافر بتاريخ 14 ماي 2010 إلى إسبانيا وقضى بها يومين فقط مع ابن خالته بمنطقة ماربيا بفندق بلازا وذلك ليسلمه جواز سفره حتى يثبت هويته، ونفى أن يكون التقى شاعو وعرض عليه حلا لقضية المخدرات المحجوزة بمنزل نجيب زعيمي على أساس أن المنزل الذي ضبطت فيه المخدرات لم تنتقل ملكيته بعد. بخلاف الاعترافات التي أدلى الموقع عليها من قبل الصحافي خباش والتي اعترف فيها بتفاصيل مدققة عن علاقته بشاعو وسفره إلى إسبانيا وكيفية تدخله من أجل الحصول على هاتف العميد جلماد عن طريق مدير الوكالة البنكية، الذي لجأ إلى أحد أصدقائه في مجال السياحة والذي استمع إليه قاضي التحقيق شاهدا فقط، جاءت تصريحات الصحافي أمام قاضي التحقيق تفند وتكذب التصريحات المدونة في محضر الفرقة الوطنية، بل أكثر من ذلك اعتبر أنها انتزعت منه تحت التعذيب. واصل الصحافي خباش نفي تصريحاته السابقة المدونة في محضر الشرطة القضائية والتي تحدثت عن المخرج الذي يمكن استغلاله من طرف المسؤول الأمني، وإن تعذر عليه ذلك، العمل على تخفيف التحقيق في مواجهة زعيمي، خصوصا أن الكمية المحجوزة من المخدرات يعود نصيبها الأكبر إلى سعيد شاعو، وأن مقابل ذلك سيمنح المسؤول الأمني ملياري سنتيم. وصرح الصحافي أن كل تلك التصريحات لم تصدر منه ولا أساس لها من الصحة. مصمما نفي لقائه بشاعو بإسبانيا، نافيا أيضا معرفته بالمسمى نجيب زعيمي، إذ لم يسبق له أن تعرف عليه، كما لم يكن يعرف أنه مربي العجول الذي تحدث عنه شاعو، وأنه ايضا لم يستمع لأي تسجيل هاتفي بخصوص مكالمة دارت بين حنيفة ومحمد جلماد رئيس المنطقة الأمنية بالناظور، والتي جاء فيها عبارة «تهلاو فداك السيد يتهلا فيكم وتعاونو بيناتكم». كما صرح الصحافي خباش أن لا علم له بالمكالمة التي جرت بين زعيمي وجلماد، ولا علم له كذلك إن كانت وقعت مكالمة بينهما، أو بين شاعو عبر هاتف إسباني ثابت مع رئيس الأمن. وانتهى قاضي التحقيق في حيثياته إلى أن المتهم خباش، وبحكم عمله صحافيا، اعترف بقيامه بنشر وتوسط في نشر عدة مقالات لتلميع صورة المرشح البرلماني شاعو في الحملة الانتخابية لسنة 2007، وأنه كان يعلم أن المعني بالأمر من اكبر بارونات المخدرات بشمال المملكة، كما أنه بعد فوزه في الانتخابات توطدت علاقتهما وأضحى يتوسط له في تنقيط أرقام بطاقات التعريف الخاصة بمساعديه لمعرفة وضعيتهم الجنائية. وذهب القاضي نفسه إلى أن خلال البحث التمهيدي أكد الصحافي خباش أنه في إطار تعامله مع شاعو كان يتسلم مبالغ مالية تهم نشر مقالات وتقاضى عنها مبلغ خمسة ملايين سنتيم، كما كان يتسلم مبالغ أخرى لتنقيط مساعدي شاعو كانت تتراوح بين 5 و12 مليون سنتيم، يمد قسطا منها إلى مدير الوكالة البنكية الذي يساعده. وأنه أيضا في إطار تدخله في قضية نجيب زعيمي اتفق مع ياسين الجيراري على مبلغ 10 ملايين سنتيم عمولة خاصة به، ارتفعت بعد ذلك إلى 50 مليون سنتيم بعد علم مدير الوكالة البنكية بأن المتدخل لفائدته هو بارون المخدرات نجيب زعيمي. وخلص قاضي التحقيق إلى أنه في إطار عمله هذا كان يقدم المساعدة إلى المسمى سعيد شاعو وإلى المتهم نجيب زعيمي على حد سواء. واسنتج قاضي التحقيق توفر الحجج والإثباتات القانونية لتورط الصحافي في المنوسب إليه تضحد وتفند إنكاره أثناء التحقيق الإعدادي، كما ذهب إلى أن ادعاء المتهم خباش أنه تعرض للتعذيب والإكراه لا يعدو أن يكون مجرد محاولة للإفلات من العقاب سيما أنه لم يعاين عليه عند مثوله أمام قاضي التحقيق أي آثار لما ادعاه. وختم قاضي التحقيق محضره بأن الأدلة كافية لمواجهة الصحافي من أجل جناية الارتشاء وجناية المشاركة في الارتشاء وجنحة المشاركة في الاتجار في المخدرات طبقا لفصول القانون الجنائي 129 و248 و251 والفصل الرابع من ظهير 21 ماي 1974 . المصطفى صفر