بما أن الواقع ، حقيقة يعيش إشكالا لم يعد يطاق، خاصة بعد انهيار الطابوهات التقليدية التي مسطرتها الاسر الحاكمة وبدوره مارسها المجتمع عن دراية او بدونها، فقد أصبح السؤال المتعلق بالهوية في هذا القطر، ركنا أساسيا من أركان الحديث المستمر،سواء بين العامة أو النخبة وحتى بين المجتمع التلاميذي والطلابي المتأزم بسبب إشكالية العلاج في أجوبة النخبة. يتحدث الكثير من ممثلي النخبة المثقفة، عن التعايش والتسامح وعن ضرورة الإنطلاق بالمجتمع بثلاث سرعات لإدراك الزمن المتقدم الذي يعيشه محيطنا دون ان نمثل جزءً منه ولا له، بل وفقط نمثل له طبعا جزءً من مرمى النفايات. إلا أن هذا الحديث الجاف ودائما، يتخذ من لغة الإشكال منطلقا ليصنع إشكالا يتمتع بشرعية الإتفاق، إتفاق غالبا ما يكون على حساب الآخر الذي يراد إخضاعه للتحول الإشكالي الذي يبتغي جريان الماء إلى الأعلى في الوادي ليسقي بها الجبال بدل السفوح والهضاب أسفلها . يدري الله فقط ، كم أستهزئ ببعض المتحاورين على شاشات التلفزة حول مسالة الهوية، وبالتالي تابعاتها الحميدة من التعايش والتسامح المصبوغين بالمفهوم الإفتراضي والسياسي للغاية منه، غاية لا تبررها الوسائل والمفاهيم التي توظف لتمريرها أيديولوجيا لا واقعيا . فإن كان أحدا من المواطنين بهذا البلد، يدعي إفتراضيا طبعا أنه عربي وله كامل الحرية في ذلك، فهو بذلك يشرع لي أن اصفه بالضيف التاريخي دون أن يشعر هو بذلك ، فلو حللت ضيفا على إسبانيا وخلفت أبناءً، فستمنحهم هذه الدولة حق الجنسية وليس حق الهوية، وإن صرنا أغلبية فيها أو إنقرض الإسبان حتى، فلا شيئ يعطينا حق تغيير هوية البلد، بل الأجدر بنا أن نرفع هذه الهوية عاليا ونقول نحن إسبان من كذا أصل وليس نحن كذا أصل نستوطن أرض إسبانيا، هذا استعمار بكل المقاييس. وكذلك في بلدنا، يسجل التاريخ أن العائدون من الاندلس من العائلات العربية والامازيغية الخالصة والمختلطة فيما بينها وفيما بين الاجناس الاخرى، والعائلات التي اعتنقت الإسلام من أوروبا وغيرها، الخالصة والمختلطة فيما بينها وفيما بين جميع الأجناس التي شكلتها العائلات في مجتمع الاندلس، بالإضافة إلى العائلات المشرقية التي هاجرت إلى شمال افريقيا واستوطنت ، وغالبيتها اندمجت وذابت في المجتمع عندما كان الإسلام هو إطار المعاملات وليس العرق كما هو حال اليوم،وذلك أن المهاجر هو المطالب دائما بتحمل تبعية هجرته بالذوبان في الشعوب التي تستقبله. هؤلاء العائدون دخلوا هذه الإرض بسلام ليس لكونهم عرب أو أمازيغ او اندلسيين واروبيين، بل لكونهم مسلمون لما عرف ذلك التاريخ من تسامح بينهم، وبما أنهم دخلوها بسلام أهداه لهم شعبا أمازيغيا مسلما وجدوه بها، فإن هذا لا يعطيهم حقا ولا شرعية في تغيير هوية البلد ولا جعلها متعددة، هذا التعدد الذي لا يمكن وضعه إلا في إطار الأكذوبة السياسية الجديدة لهذا النظام الشاذ الذي يحكم البلد. الهوية وكما هو متعارف عليه عالميا، تستمد من الأرض كما هو حال السعودية وسوريا ، ولا تستمد من العرق، فالهوية التي تعطيها لنا الأرض التي نطأها في هذا البلد، هي الهوية الامازيغية الواحدة التي هي بمثابة وعاء يحتضن كل الأعراق المختلفة فنقول ” الهوية للأرض الامازيغية والوطن للجميع “، أما أكذوبة الهوية المغربية التي جاءت مباشرة بعد شهادة الإقامة التي وقعتها فرنسا لفائدة النظام العربي الذي يحكم هذا البلد في خضم اتفاقية إيكس ليبان، هذه الإتفاقية التي مهد لها كل من الوطنيون الهمج المنبثقون عن كتلة العمل التي تأسست في 1934 ، وقادة الإستعمار الفرنسي، لتقاسم السلطة والثروة بهذا البلد وتغييب أهله الشرعيين في استراتيجية استعمارية مشتركة ، أريد لها الإستمرار لأبعد وأطول وقت ممكن، ما هي إلى إلا تهرب وتحايل وتمرد على حقيقة الهوية الأمازيغية لهذا البلد، جاءت طبعا وحسب الوطنيون الهمج، في إطار علاج إشكالية الهوية ، علاج يتبنى أرضية عرقية للحل الهوياتي للبلد، ما أدى بنا اليوم إلى هذا الإحتقان حول الهوية. إن الحل المنطقي والواقعي والشرعي للهوية في هذا البلد، هو الرجوع إلى الإرض التي نستوطنها كي نتبنى هويتها الواحدة، في حل يتفق مع كل الشرائع الكونية والسماوية والعقلية، ولا يحمل بين طياته ما يمكن اعتباره نقيضا أو نهاية مشؤومة مثل أكذوبة الهوية العربية للبلد وكذلك الأكذوبة الحالية المتعلقة بالتعدد الهوياتي ضمن سمفونية الهوية المغربية التي أضحت شذوذا تاريخيا وسياسيا وفكريا، يعيق التقدم والتنمية الإنسانية التي تمس البشر قبل الحجر، ذلك التقدم الذي لن ينعم به مواطني هذا البلد إلا إذا جعلوا من اللغة الأم للأرض والشعب لغة وطنية رسمية ، ومن اللغة الإنجليزية لغة ثانية لدراسة النظريات والتطبيقات العلمية واستخدام التكنولوجيا المتقدمة بغية اللحاق بالزمن المتمرد على علامات قف الكثيرة بهذا البلد، أما إذا استمرينا في الإحتكام للعرقية المتعددة بخصوص الهوية واللغة، واستمرينا كذلك في إعاقة المشوار الدراسي للطلبة باللغة العربية البدوية لغة الشعر الجاهلي،والتي عجزت في عربنة أمة متميزة لأن اللغة ليست جوهر الهوية، بل وفقط جزء منه، علما وأنها الآن تحتل المرتبة السابعة عالميا، فإن المستقبل سيكون بلا ادنى شك، مرهونا للفكر العنصري والحرب الأهلية التي ستنتج مفهوم البلقنة بامتياز، ليصبح البلد ممزغن ومعربن ومشلحن ومطلسن ومسوسن ومصحرن، إلى أن نحتكم لهوية الأرض الواحدة ونعيش في الوطن الواحد.