قالت مصادر موريتانية مقربة من مركزالقرار، أمس، من أهمية ما يشاع هذه الأيام على نطاق واسع بخصوص قيام المغرب بحشد جديد لقواته قبالة بلدة «الكويرة» الصحراوية الواقعة على الأطلسي بين مدينة نواذيبو وميناء موريتانيا المعدني، والتي تديرها موريتانيا منذ 1975 ويعتبرها المغرب جزءا من أراضيه. وتحدث موقع «ميدان/انفو» الإخباري الموريتاني المستقل أمس «عن حشد الجيش المغربي لمئات الجنود والآليات العسكرية على بعد أمتار قليلة من الحدود الموريتانية قرب بلدة الكويرة». ونقل الموقع عن شهود عيان في نواذيبو قولهم «إن الأرتال العسكرية المغربية، تتألف مما يقارب ألف جندي وعدد من الدبابات والمدفعية بالإضافة الى مناظير ليلية». ويضيف الموقع «وخلال يوم أمس، أصدرت القوات المغربية تحذيرات لبحارة موريتانيين هددتهم فيها بقصف مركباتهم إذا ما استمروا في التوقف قرب نقاط تجمع الوحدات العسكرية المغربية». وتحدث موقع «ميدان/انفو»، عن وصول تعزيزات عسكرية موريتانية إلى منطقة الكويرة التي شهدت طوال ليلة أمس الأول تراشقا بأضواء المصابيح الكاشفة بين الجيش الموريتاني والجيش المغربي. وأكد الموقع «أن البعض يرى أن الحشد العسكري المغربي مجرد مناورات عسكرية روتينية في المنطقة ، فيما يرى البعض الآخر «أن المغرب يسعى لاستعادة مدينة الكويرة الحدودية وإنزال العلم الموريتاني». ونقل موقع «ميدان/انفو» عن جندي موريتاني مرابط ضمن القوات الموريتانية في الكويرة قوله «نحن نرد بأضواء مصابيحنا على أضواء المصابيح التى يرسلها باتجاهنا الجيش المغربي». وفيما تعذر على «القدس العربي» الحصول على أي معلومات حول هذا الموضوع من مصادر رسمية موريتانية، لم يخف مراقبون ديبلوماسيون في العاصمة الموريتانية نواكشوط أمس قلقهم من «احتمال أن يتطور نحو الأسوأ، ما تتحدث عنه المصادر بخصوص احتكاك عسكري جديد بين الجيش الموريتاني المرابط منذ عقود في بلدة الكويرة، والجيش المغربي الذي تؤكد معلومات متطابقة أنه غير مواقعه واقتربت وحداته البحرية من شاطىء الكويرة، وأصبح يطلق بشكل مستمر أضواء تحذيرية كاشفة مرئية لدى سكان مدينة نواذيبو العاصمة الاقتصادية الموريتانية التي تقع الكويرة في خاصرتها الجنوبية الغربية». ولم يستبعد محللون موريتانيون، حسب مقارنات أدلوا بها ل»القدس العربي» أمس، أن يكون «توجه المغرب حاليا هو استغلال حالة الضعف التي يمر بها نظام الرئيس محمد ولد عبد العزيز، لاحتلال بلدة الكويرة بالقوة أو التموضع العسكري على شاطئها ضمن عملية عسكرية سريعة تضع الجيش الموريتاني أمام الأمر الواقع». غير أن المحللين أكدوا «أن المغاربة لا يمكن أن يغفلوا خطورة هذه الخطوة عليهم لأنهم يدركون جيدا أن الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز وهو جنرال في الجيش معروف بالجرأة وروح المغامرة، لن يتردد في إفشال هذه الخطوة التي ستنهي حياد موريتانيا في قضية الصحراء وتوحد الموريتانيين والصحراويين في جبهة واحدة، وتقوي الموقف الجزائري وتزيد من عزلة المغرب في ظرف تسعى فيه حكومة الرباط للعودة للاتحاد الإفريقي». ومعلوم أن موضوع بلدة الكويرة يشكل اليوم جانبا مهما من الخلاف الدبلوماسي بين الرباطونواكشوط، وهو ما أكدته مجريات لقاء الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز بداية ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي، بوفد أمني وعسكري مغربي ضم صلاح الدين مزوار وزير الشؤون الخارجية والتعاون المغربي (رافق الوفد للتغطية)، والجنرال بو شعيب عروب المفتش العام للقوات المسلحة الملكية وقائد المنطقة العسكرية الجنوبية، ومحمد ياسين المنصوري مدير الاستخبارات الخارجية. فقد نقل الوفد المغربي خلال اجتماع عاصف إلى الرئيس الموريتاني طلبا رسميا مغربيا، بعدم رفع العلم الموريتاني ببلدة الكويرة، لما يرمز له ذلك من سيادة موريتانية على البلدة التي تشكل أرضا مغربية، حسب تأكيدات الوفد. وكان الوفد الأمني العسكري والأمني نفسه قد زار موريتانيا أواخر الشهر الماضي في مهمة يعتقد أن لها علاقة ببلدة الكويرة، لكنه لم يحظ بلقاء الرئيس الموريتاني الذي كان مشغولا بالقمة العربية، وغير راض كذلك عن ضعف مستوى التمثيل المغربي فيها. وتحت عنوان «الكويرة... الجدل العقيم»، أكد الباحث المغربي عبد الله حافيظي أنه «رغم التجييش الإعلامي المتبادل، فإنَّ الوقائع تنفي حدوث أي تطور سلبي في علاقات البلدين كل منهما اتجاه الآخر خاصة في موضوع الصحراء، فموريتانيا تؤكد، إلى الآن، تمسكها بمسار التسوية الأممي وتدعم حلا سياسيا متفاوضا بشأنه على قاعدة لا غالب ولا مغلوب وهو نفس الموقف الذي عبر عنه المغرب في مرات عديدة». «صحيح، يضيف الكاتب، أنَّ موريتانيا لم تدعم المبادرة المغربية للحكم الذاتي ولم تعتبرها حلا وحيدا وإنْ ثمنتها لكنها في المقابل لم تدعم طرح البوليساريو والجزائر الداعي إلى استفتاء تقرير المصير، مع العلم أن موقف موريتانيا أدعى إلى التفهم والفهم نظرا لحساسية القضية بالنسبة لها وفي ضوئه ظلت تمتنع عن فتح سفارة للبوليساريو في نواكشوط». «وخلاصة القول، يقول الباحث المغربي حافيظي، أن موريتانيا تحاول التمسك، قدر المستطاع، بالحياد وبالتالي فإن مسؤولية المغرب في إطار الدفاع عن قضيته الوطنية ألا يحاول دفعها إلى الخروج عن هذا الحياد بهذه الحملة الإعلامية المسعورة لأن ذلك ليس في صالح لا موريتانيا ولا المغرب ولا المنطقة برمتها». «صحيح، يضيف الباحث عبد الله حافيظي، أنه بخروج موريتانيا من الصراع أصبحت منطقة الكويرة جزءا خالصا من منطقة وادي الذهب الخاضعة حاليا للمغرب، لكن يجب ألا نغفل حقيقة أن الكويرة تقع على بعد 70 كيلومترا جنوب المنطقة العازلة التي أقامتها الأممالمتحدة بعد انسحاب موريتانيا من وادي الذهب وهي المنطقة التي تشكل اليوم الحدود البرية الفعلية بين موريتانيا والمغرب ويوجد عليها مركز الكركرات الحدودي. ويرى الباحث حافيظي «أن كثيرا من المنابر الإعلامية المغربية يرجع حالة التوتر الراهنة بين الرباطنواكشوط، إلى ما يراه تبدلا في الموقف الموريتاني من القضية لصالح البوليساريو والجزائر، والواقع أن لا شيء يزكي هذا الافتراض، فموريتانيا لم تقدم على أي خطوة دبلوماسية ذات دلالة في اتجاه تغيير موقفها، والمعطى الوحيد الملموس هو حضور وزير الشؤون الإسلامية في الحكومة الموريتانية مراسيم تشييع جنازة زعيم الانفصاليين محمد عبد العزيز المراكشي شهر يونيو الماضي». «تجد هذه الخطوة، يقول عبد الله حافيظي، تفسيرها في كون موريتانيا تعترف بالجمهورية الصحراوية المعلنة من جانب البوليساريو منذ فترة حكم محمد خونه ولد هيدالة سنة 1984، هذا فضلا عن الصلات الاجتماعية والقبلية التي تجمع الموريتانيين والصحراويين وهي صلات زكاها وأكد عليها الحكم الاستشاري لمحكمة العدل الدولية في عام 1975 والذي نص على أنَّ سكان الصحراء يرتبطون اجتماعيا بموريتانيا ارتباط الجزء بالكل. يذكر أن بلدة الكويرة بلدة صغيرة تقع إلى الجنوب الغربي من مدينة نواديبو وفي أقصى شبه جزيرة نواديبو وتقع تحديدا بين مدينة نواديبو والميناء المعدني وكانت مزدهرة أيام الاحتلال الاسباني لمنطقة الصحراء وكانت نقطة تبادل مع مدينة نواذيبو تنشط فيها حركة تهريب السلع والبضائع بين منطقتي النفوذ السبانية والفرنسية. وبموجب اتفاقية مدريد الموقعة سنة 1975 آلت بلدة الكويرة إلى موريتانيا كجزء من منطقة وادي الذهب في حين آلت الساقية الحمراء إلى المغرب، وظل الأمر على حاله إلى أن وقعت موريتانيا مع البوليساريو اتفاقية الجزائر للسلام في آب/أغسطس 1979، ومنذ ذلك الحين، تراجعت القوات الموريتانية من جميع مواقعها من وادي الذهب إلى مناطق نواذيبو وبولنوار وشوم، واحتفظت بحامية في بلدة الكويرة مع إعلانها منطقة عسكرية محظورة على السكان المدنيين إلى اليوم.