محمد أحداد يتم توفير مبلغ 25000 درهم على الأكثر أو 150000 درهم على الأقل، وتُكلّف التذكرة نحور تركيا ذهاباً وإياباً لتفادي أي إحراج أو شكوك في المطار، حوالي 7000 درهم في المتوسط، مباشرةً إلى مطار إسطنبول، ويتم التنقل إلى المدن الساحلية عبر الحافلات في تركيا، قبل التوجه نحو قوارب الهجرة التي تُكلّف في المتوسط 2500 درهم والتي تُقلّهم مباشرةً إلى اليونان. لكن قبل الوصول إلى اليونان يتم تغيير المركب في إحدى الجزر المدنية التابعة لليونان، وتكلفة المرْكب الثاني والذي يُقلّهم مباشرةً إلى اليونان حوالي 5000 درهم، قبل الوصول إلى مخيمات اللاجئين في اليونان. وهذا الطريق يعتبر صعباً بعض الشيء، لوجود مراقبة متكررة لهذه الأماكن. وحسب المعلومات نفسها، فإن هناك من يذهب مباشرةً إلى مخيمات اللاجئين السوريين في تركيا، والتقيد على أنهم لاجئون سوريون لدى مكاتب الإغاثة الدولية أو المكاتب التي وضعتها الحكومة التركية لاستقبال النازحين السوريين، ثم يتم بعد ذلك اجتياز اختبار الجنسية والمنطقة التي قدموا منها من سوريا، حيث يصرحون أنهم قادمون من المدن التي تعرف معارك طاحنة بين النظام والمعارضة مثل الرقة وحلب، ثم يتم إيواؤهم في المخيمات، قبل أن يقوموا بربط الاتصال مع السوريين الذين يقومون بتعبئة المهاجرين في قوارب الهجرة نحو اعتناق الحلم الأوروبي. أغلب التقارير تقول إنه بعد انطلاق قوارب الهجرة نحو أوروبا من سوريا والتي كانت تبث على الإذاعات والفضائيات، ساهمت في إذكاء حملات الالتحاق بتركيا، والتي بدأت مع بداية شهر أكتوبر، تزامناً مع الضجة التي أثارتها قوارب الهجرة القادمة من تركيا في أوروبا، ولا زالت مستمرةً إلى حد الساعة، وأنه في حدود الأسبوعين الأخيرين تكون الهجرة قد عرفت أوجها، خصوصاً مع توارد الأخبار التي ترد من الضفة المقابلة بفعالية الطريقة ونجاحها. أدت الأخبار الصحيحة والشائعات المفتعلة أيضاً إلى هجرة الآلاف من سكان الريف، يقول رشيد، الذي يستعد للهجرة في الأيام المقبلة، بنبرة يملؤها اليقين، إن العدد في إقليمي الناظور والدريوش يكون قد ناهز 7000 مهاجر في ظرف شهرين، وأن الدولة تتستر مع علمها المسبق بهذه الأرقام، لكون المغرب تربطه اتفاقيات الحد من الهجرة مع الاتحاد الأوروبي، وأن أي تصريح بهذه الأرقام سيضع المغرب في موقف حرج جداً. حكايات مأساوية الطالب كمال ابن قاسيطة، من مواليد سنة 1993، ازداد في أسرة ذات دخل محدود جداً، بالكاد يكفي لسد رمق الحياة. يشتغل والده تاجراً في الأسواق الأسبوعية، وأمه ربة بيت، له 5 إخوة، 2 منهم يوجدون في الديار الهولندية، والباقون صغار يدرسون في المراحل الابتدائية والإعدادية. كان يحلم يوماً أن يتدرج في سلك القضاء، لكن القضاء وحده من جعله يفكر في الالتحاق بالضفة الأوروبية عبر تركيا. قادته قلة ذات اليد إلى التوقف عن الدراسة في مرحلة مبكرة أمام عجزه عن توفير المال اللازم لمواصلة الدراسة، ثم التفكير جدياً في السفر إلى أوروبا والعمل مع إخوته لإعالة عائلته الفقيرة. قبل شهر كان كمال في مدرجات كلية وجدة يتابع دراسته بانتظام، لكن بمجرد أن تواردت الأخبار بإمكانية الهجرة عن طريق تركيا واليونان، بدأ في مرحلة جمع المال من أقربائه وقام ببيع دراجته النارية التي كان ينتقل عليها في مدينة وجدة، وجمع مبلغاً مالياً سيساعده على السفر في الطائرة إلى تركيا ثم إلى اليونان قبل أن يلتقي بإخوته في هولندا، وهذا بالفعل ما قام به كما يحكي ل«المساء» قبل أن يعود إلى المغرب خائباً. حلم الهجرة إلى الضفة الأوروبية لم يعد يراود فقط أصحاب المهن الصغيرة، بل حتى المشتغلين في ميدان الصحافة، أثرت فيهم الأخبار والفيديوهات المنشورة على الفيسبوك لأصدقاء وصلوا إلى اليونان. عبد الرحيم، شاب في عقده الثاني، يشتغل كصحفي في أحد المواقع الإلكترونية المحلية، يفكر في الهجرة إلى تركيا عاجلاً، وهو في سعي حثيث لجمع المبلغ المالي اللازم لشراء تذاكر الذهاب إلى تركيا، ينسق عبد الرحيم منذ أيام، حسب ما سرده ل«المساء» مع مجموعة أخرى من أصدقائه يبلغ عددهم الثلاثين للعبور إلى اليونان عبر تركيا. عشرات الحالات تتكرر بالمآسي نفسها، لكن حالة إبراهيم تبقى الأكثر تعبيراً عن ظاهرة صارت مخيفةً للدولة والعائلات أيضاً. إبراهيم ينتمي إلى أسرة فقيرة جداً، عمره لا يتجاوز 19 سنةً، والده يشتغل بائعاً للأسماك، ووالدته ربة بيت، له 3 إخوة يصغرونه. يقول إن حلم حياته كان دائماً الهجرة إلى هولندا، وأنه لا يفكر في الدراسة أو العمل بالمغرب، ولم يكن البقاء هنا يوماً خياراً وارداً. ترك مقاعد الدراسة في سن مبكرة جداً، إذ كان يعتقد أنه سيرحل من المغرب عاجلاً أم آجلاً، ومنذ ذلك الوقت يبحث عن وسيلة تخلصه مما يسميه ب«القهر». قبل 6 أشهر من الآن قام بمحاولة لطلب التأشيرة إلى هولندا، لكنها جوبهت بالرفض. أصر إبراهيم على معانقة الحلم الأوروبي، وحاول أن يختبئ في سيارة لأحد أفراد عائلته في الصيف الماضي، لكن خوفه من الأسبان ومن عائلته جعله يعدل عن الفكرة في آخر لحظة. الصور التي يمعن التلفاز في إظهارها بشكل يومي حول هجرة أجناس متعددة من تركيا إلى اليونان، جعلت فكرة الهجرة أكثر «دغدغةً» من قبل، وبالفعل وصل إلى تركيا وقام بالاتصال بأصدقاء له هناك، عبروا به إلى اليونان، ثم وجد نفسه بقدرة قادر في هولندا مع إخوانه. إبراهيم الذي نشر تسجيلاً مصوراً على الفيسبوك يشرح فيها طريقة وصوله إلى تركيا، قال ل«المساء» إن حلم الوصول لم يكن سهلاً بالمرة لأنه «عاش أكثر من 9 أيام من المعاناة والخوف أيضاً».