أغلقت جميع المنافذ المؤدية إلى المستشفى وعطلت جميع أجهزة الاتصالات تحول المبنى إلى قلعة حصار الداخل إليها مفقود والخارج منها مفقود بدأ يوم الجمعة 23 يوليو من عام 1999 عاديا بمستشفى ابن سينا بالرباط. انتهت حركة الزوار داخل الأجنحة، وبدأ العاملون داخل المستشفى من أطباء وممرضين يباشرون عملهم اليومي الذي لا يشبه دائما عمل الأمس، فالحالات الطارئة متوقعة في كل لحظة، والسرعة واليقظة والاستعداد للتضحية بالوقت أمور مطلوبة في مهنة تسابق الخطر للحفاظ على الحياة. لم ينتبه العاملون داخل المستشفى ذلك النهار متى تحول مبنى أكبر وأقدم مستشفى في المغرب الى قلعة محاصرة الداخل إليها مفقود والخارج منها مفقود. يتذكر أحد العاملين الذي كان حاضرا يومها أن الساعة كانت قد تجاوزت الحادية عشرة عندما حاول الاتصال بزميل له بجناح آخر بنفس المستشفى على هاتفه النقال، وعندما تعذر عليه ذلك حاول أن يطلبه على الهاتف الأرضي داخل المستشفى، فأخبرته موظفة “الستاندار” بأن كل الخطوط معطلة. وداخل الأروقة والأجنحة، لاحظ العاملون والمرضى حركة غريبة لأناس غرباء احتلوا المبنى يمنعون الدخول أو الخروج من وإلى الأجنحة. بدأ العاملون بالمستشفى يطلون من النوافذ بعد أن منعوا من مغادرة أماكن عملهم، وفي باحة المستشفى أمام مدخله الرئيسي كانت سيارات كبيرة بيضاء وسوداء من نوع “فاركونيت” تقف متكدسة في الساحة التي ضاقت بما رحبت، وما بين هذه السيارات والمدخل الرئيسي لجناح جراحة القلب، نشطت حركة دؤوبة لأفراد من موظفي القصر لم تكن العين لتخطئهم بجلابيبهم البيضاء وشاشياتهم الحمراء، كانوا يقومون بإنزال أشياء لا أحد يعلم ماهيتها يحملونها داخل أواني الطيفور التقليدية على رؤوسهم، وكأن الأمر يتعلق بعرس أو بحفل تقليدي أو بمناسبة من تلك التي تتطلب حمل الهدايا داخل الطيفور. عندها سرت إشاعة وسط العاملين مفادها أن الملك يوجد بالمستشفى، هنا تضاربت التكهنات حول سبب وجوده، وأقل الناس اكتراثا بما كان يحدث حولهم اعتقدوا أن الملك جاء لعيادة أحد الشخصيات الكبيرة داخل الدولة من نزلاء المستشفى. فقد اعتاد الملك آنذاك على عيادة كبار الشخصيات بنفس المستشفى، ويتذكر العاملون بهذا المبنى يوم حضر الملك بدون سابق إنذار الى جناح جراحة القلب وأصر على صعود السلم الى الطابق الخامس، لأن المصعد كان معطلا، لعيادة كل من الشيخ خطري ولد الجماني، الذي كان مصابا بشلل نصفي وعبداللطيف الفيلالي الوزير الأول آنذاك، الذي نقل الى المستشفى نفسه على إثر إصابته في حادثة سير بطريق زعير بالرباط، وشخصية أخرى كبيرة داخل الدولة، وكان الثلاثة يرقدون بالجناح نفسه. لكن يومها لم تتخذ أية إجراءات استثنائية داخل المستشفى، فالملك بنفسه لم يفضل الحضور في الموعد الذي كان مقررا للزيارة وهو الثانية عشرة ظهرا، وفي المساء عند الساعة الخامسة فاجأ الجميع بحضوره في مراسيم أقل ما تكون عادية. وآخر مرة زار فيها الملك آنذاك نفس المستشفى ونفس الجناح كانت قبل شهور قليلة فقط، عندما حظر بنفسه لعيادة الوزير الأول عبدالرحمان اليوسفي بعد إجراء عملية جراحية على الدماغ. ورغم أن هذه العيادة اتخذت طابعا رسميا، لأن الملك كان يريد من خلالها إرسال رسائل لطمأنة الشعب على صحة الوزير الأول، إلا أنها تمت هي الأخرى في ظروف شبه عادية. كانت اللحظات تمر متثاقلة داخل أجنحة المستشفى، ومع مرور الوقت كانت الإشاعات تتناسل والتكهنات الأكثر مأساوية تسيطر على الرؤوس المشرئبة من النوافذ والمقطوعة عن العالم الخارجي ترتقب ما ستحمله الساعات المقبلة من مفاجآت لم يعد التنبؤ بمأساويتها خافيا على جل العاملين بالمستشفى، الذين فاجأهم التصرف الغريب لموظفي القصر الذين انتابت حركتهم فوضى عارمة، وهم يعيدون الأثاث الذي حملوه قبل ساعات الى داخل المستشفى، يرمون به في حركات منفعلة داخل السيارات التي أقلتهم وانطلقت مسرعة عائدة من حيث أتت. كان الجناح المخصص لجراحة القلب، أكثر الأجنحة الذي ضربت عليه حراسة مشددة، ولم يسمح بدخوله إلا لكبار الأطباء الاختصاصيين، لذلك لم يتسن لباقي العاملين بالمستشفى أن يعرفوا ما يجري بداخله، حتى وصلت الى سمعهم صرخة امرأة مدوية أقرب الى الولولة منها الى الصراخ، هزت أركان المستشفى ورددتها الممرات الباردة حتى بعثت القشعريرة في الأجساد التي أنهكها الانتظار ونهشها القلق. عندها فقط سيخرج من يقول للعاملين بالمستشفى مات الملك عاش الملك البصري أول من عزى محمد السادس والمدغري أو ل من بايعه كان إدريس البصري، وزير الداخلية الأسبق، الى جانب الأمير سيدي محمد عندما نعى له الدكتور بربيش وفاة والده، لذلك كان هو أول من عزى الملك الحالي في وفاة الملك الراحل. وبما أن عبدالكبير العلوي المدغري وزير الأوقاف السابق هو من أوكلت له مهمة كتابة وثيقة البيعة فقد كان هو أول من طلب من الملك الحالي أن يمد له يده اليمنى لتقبيلها ومبايعته ملكا على المغرب خلفا لوالده، حدث ذلك بعد أن أنهى الملك مراجعة مسودة الوثيقة التي كتبها المدغري بخط يده، قبل أن يأمر الملك بإحضار خطاط لنسخها بالخط المغربي كما جرت العادة في مثل هذه الوثائق المهمة البيعة التي كتبت بدموع المدغري كانت قد مرت ساعة تقريبا على وفاة الملك الحسن الثاني، وبدأ التلفزيون والإذاعة يبثان تلاوة القرآن الكريم، وعاد الأمير سيدي محمد الى القصر صحبة شقيقه الأمير مولاي رشيد لمباشرة عملية انتقال الملك بنفسه، فهو كما قال لنا أحد المصادر التي اتصلنا بها، كان “المهندس الفعلي لكل مراسيم انتقال الملك”. ومن قابلوا ولي العهد آنذاك فاجأتهم رباطة الجأش التي كان يتحلى بها، وحرصه الكبير على احترام أكثر التفاصيل دقة في البروتوكول. كان أول شيء باشره ولي العهد آنذاك هو الإشراف على الإعداد لمراسيم البيعة، وفي تلك اللحظات الحرجة كان من بين الشخصيات الكبيرة داخل الدولة الحاضرة داخل القصر الملكي عبدالكبير العلوي المدغري وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية ، الذي أمره ولي العهد بصياغة وثيقة البيعة. كانت بعض الشخصيات الكبيرة تفد على القصر لتقديم التعازي ومباركة الخلافة لولي العهد في انتظار إنجاز وثيقة البيعة. لا يعرف كم من الوقت استغرقته صياغة وثيقة البيعة، التي قام بتحريرها عبدالكبير العلوي المدغري بمداد الحبر الذي قدمه له عبدالحق المريني مدير التشريفات والأوسمة والقصور الملكية، وبدموعه التي لم يستطع أن يحبس تقاطرها فبللت الورق الذي كان يكتب عليه كان الأمير سيدي محمد قد حسم كل شيء بنفسه، مكان التوقيع على وثيقة البيعة، والأشخاص الذين سيمهرون الوثيقة بتوقيعاتهم، والموعد الذي حدد للتوقيع على مبايعة الملك الجديد. وفي الساعة العاشرة ليلا كانت قاعة العرش، التي شهدت العديد من القرارات الكبيرة، غاصة بالشخصيات المدنية والعسكرية وبالعلماء. وكان عبدالكبير العلوي المدغري يقف يتلو نص البيعة التي طوق بها الملك محمد السادس ملكه. وحسب ما جاء في كتاب عبد الكبير العلوي المدغري (ظل الله) فإن عهد البيعة في بلادنا، كان وثيقة تكتب، وتعلق في الحرم الإدريسي، تعظيما لشأنها، وتنبيها على حرمتها. وهي وثيقة تتضمن شروطا والتزامات يلتزم بها كل من الراعي والرعية، وتكون بمثابة الدستور الذي يحكم العلاقة القائمة بينهما، ويرسم القواعد الأساسية التي تقوم عليها الدولة. وبالنسبة الى المدغري نقلا عما جاء في نفس الكتاب فإن وثيقة البيعة في الدولة الإسلامية بمثابة الدستور في الدول الغربية، لأنها هي الوثيقة الرسمية، التي تحدد واجبات وحقوق الراعي والرعية، وترسم المبادئ التي على ضوئها تمارس السلط الشرعية. ويضيف المؤلف فإذا اكتفى بها أي نظام إسلامي كفته، وإذا شاء أن يضيف إليها شكلا من أشكال التنظيمات الديمقراطية الحديثة فلا بأس، شريطة أن يحافظ على نظام البيعة، وأن لا تكون هذه التنظيمات الديمقراطية بديلا عنها الخطيب و مناقشات قبة النصر في القصر ليلة وفاة الحسن الثاني كنت في الرباط أحضر الذكرى الأربعينية لعبد الحميد القاسمي عندما اتصل بي أحد أفراد عائلتي يخبرني بأن جلالة الملك الحسن الثاني قد توفي، عندها توجهت مباشرة إلى مستشفى بن سينا، وكنت شاهدا على عملية إخراج الجثمان ونقله إلى القصر الملكي. وبعد ذلك توجهت إلى القصر حيث كانت تجري مناقشات بين عدد من مقربي الملك حول طريقة إعلان الأمير سيدي محمد ملكا للبلاد، وكان بعض الشخصيات، منهم المستشار أندري أزولاي، يقولون بأن نصوص الدستور واضحة ويجب تطبيقها، لكنني تدخلت وقلت لهم إن الدستور يتحدث عن الملك، أما بصفته أميرا للمؤمنين فإنه لا بد أن تعقد له البيعة. وحينها طلبت من الجنرال حسني بن سليمان ووزير الداخلية السابق إدريس البصري والجنرال القادري بأن يحدثوا جلالة الملك محمد السادس في هذا الشأن، وفعلا هذا ما حصل حيث وافق جلالته على ذلك، وبعد ذلك جاء وزير الأوقاف السابق العلوي المدغري والمستشار عباس الجراري وقاما بتحرير نص البيعة، وبعد ذلك تحدث عبد الحق المريني وقال بأنه سوف يتم استدعاء أعضاء الحكومة وعدد من الشخصيات، فتدخلت وقلت إنه يجب أن يتم استدعاء زعماء الأحزاب السياسية أيضا، وفعلا تم استدعاء زعماء الأحزاب ورؤساء الإدارات العسكرية والمدنية والأمنية. وفي الساعة العاشرة ليلا، التقينا في قاعة قبة النصر في القصر الملكي، وقمنا بإمضاء البيعة، وكان أول من أمضى على وثيقة البيعة هو الأمير مولاي رشيد، ثم تبعه الأمير مولاي هشام، الذي كان خارج المغرب، حيث كان هو الوحيد الذي يلبس بذلة غير تقليدية، لأنه جاء مباشرة من سفره إلى القصر، وتبعه أخوه الأمير مولاي إسماعيل، ثم أمضى الوزير الأول عبد الرحمان اليوسفي وتبعه أعضاء الحكومة.. بالنسبة لي، فإن الحسن الثاني شخصية عظيمة، فقد كان محترما ومقدرا من جميع رؤساء الدول الكبرى والصغرى، والدليل هو أن جنازته حضرها العديد من رؤساء الدول من مختلف القارات، وشخصيا، فإنني أحمد الله على وجود الحسن الثاني في تلك الفترات العصيبة التي عاشها المغرب، لأنه لولى مواقفه الشجاعة والحكيمة لكان المغرب في حالة يرثى لها، حيث كثرت الأطماع الداخلية والخارجية، وحتى من بعض الضباط في القوات المسلحة. وما زلت أذكر أنه بعد وفاة الملك محمد الخامس طيب الله ثراه، كان هناك خوف كبير من الانقلابات، حيث خاف الناس ودخلوا بيوتهم وأقفلوها خوفا على أنفسهم، ولكن بعد وفاة الحسن الثاني خرج الناس للشوارع بكيفية تلقائية مطمئنين على مصيرهم وعلى مستقبلهم، فقد ترك الحسن الثاني البلاد في حالة استقرار، حتى أن أحداث 16 ماي الأليمة لم تخلق في البلاد أية فوضى أو فتنة، فرحم الله الحسن الثاني العشاء الأخير للمغفور له الحسن الثاني كان آخر عشاء رسمي حضره الملك الحسن الثاني هو ذلك الذي أقامه على شرف رئيس الدولة اليمنية علي عبدالله صالح بقصره بالصخيرات، وبالرغم من أن ذلك العشاء كان رسميا، إلا أنه اتخذ طابعا خاصا وحميميا، واقتصر على بعض الشخصيات المهمة داخل الدولة، لذلك لم ترصف كما جرت العادة موائد عديدة للمدعوين، واقتصر العشاء على ثلاث موائد بما فيها المائدة التي جلس إليها الملك وضيفه علي عبدالله صالح، والى جانبهما كان يجلس كل من الأمير سيدي محمد ولي العهد وشقيقه المولى رشيد وعبدالرحمان اليوسفي الوزير الأول وإدريس البصري وزير الداخلية. وقبل الجلوس الى المائدة، أخذ الملك ضيفه في جولة قرب الشاطئ، وظلا يتجولان لمدة طالت لدرجة أن البعض بدأ يساورهم الخوف على صحة الملك، لأن الجو رغم أنه كان عليلا إلا أنه كانت تتخلله نسمات برد خفيفة، لكن الملك عندما عاد الى ضيوفه كان منشرحا، وقال لهم لقد حكى لي الرئيس اليمني ما قاله للرئيس الجزائري، حول قضية الصحراء، وقد دافع عن موقفنا، كما لو كان مغربيا قبل أن يستدرك وهو لا يستطيع أن يخفي السرور الذي خلفه لديه حديث علي عبدالله صالح قائلا: بل إني أعتبر الرئيس علي عبدالله صالح مغربيا. وطيلة العشاء، لاحظ الذين حضروه فرحة الملك لدرجة أن البعض منهم تفاءل خيرا، ظنا منهم بأن الفرحة ستكون سانحة ليأذن الملك لهم بالعطلة الصيفية التي كانت على الأبواب. كانت قائمة الطعام، أو كما يطلق عليها في القصر الملكي الخوان، وهي كلمة تركية تفيد نفس المعنى، تضم نفس الأطباق التي تعود الحضور تناولها في مثل هذه المناسبات، عبارة عن خليط من أطباق مغربية تقليدية وأخرى فرنسية كان يفضلها الملك، لكن الملك في تلك الليلة، وإكراما لوزيره الأول عبدالرحمان اليوسفي، الذي كان يتبع نظام حمية صارمة، بما أنه يعاني من مرض السكري، وخرج لتوه من عملية جراحية في الدماغ ألزمته اتباع نظام أكل صارم، كان قد أعد له مفاجأة. وعندما بدأ خدام القصر بتقديم الطعام، قال الملك لوزيره الأول: لقد أمرتهم بإعداد طعام خاص بك يتماشي ونظام الحمية الذي تتبعه، قبل أن يضيف وأمام مفاجأة الذين كانوا يجلسون الى مائدته قائلا: اسمحوا لي فأنا سأتناول من نفس الطعام الذي أعد لليوسفي حتى لا أتركه يأكل وحده لغز اختفاء خاتم الحسن الثاني عندما نقل جثمان الملك الراحل الى القصر الملكي بالمشور السعيد، فوجئ الأمراء أثناء إلقائهم النظرة الأخيرة عليه باختفاء الخاتم الذي كان يلازم خنصر اليد اليسرى للحسن الثاني. وهو الخاتم الذي كان يبدو دائما في الصور من معدن أبيض نفيس لا يعرف نوعه، لكن الكثير من الناس العاديين كانوا يعتقدون أنه “خاتم حكمة”، أو هكذا كانت تنسج حوله الحكايات الشعبية لبسطاء الشعب. ظل لغز اختفاء الخاتم غامضا أسبوعا كاملا بعد وفاة صاحبه ولم يظهر إلا عندما توجه الملك محمد السادس رفقة شقيقه الأمير مولاي رشيد الى المستشفى لشكر الطاقم الطبي الذي قدم الإسعافات الأخيرة للملك الراحل. فبعد مرور أكثر من أسبوع على وفاة الحسن الثاني سيصل الملك محمد السادس الى المستشفى على متن سيارة مرسديس رمادية اللون، كان هو من يتولى قيادتها والى جانبه شقيقه الأمير مولاي رشيد، وفي الطابق الخامس من مستشفى ابن سينا، كان ينتظرهما عبدالرحمان اليوسفي الوزير الأول وإدريس البصري وزير الداخلية، والطاقم الطبي الذي أشرف على إمداد الملك الراحل بآخر الإسعافات، وفي تلك اللحظة سيخرج أحد الأطباء، خاتم الحسن الثاني من جيبه ويعيده الى الملك الحالي. ففي اللحظات الأخيرة من حياة الحسن الثاني، اضطر الأطباء بعد أن نفدت كل الجهود لإبقاء الملك الراحل على قيد الحياة، الى استعمال الصدمات الكهربائية ليستعيد القلب نبضه، وفي هذه الحالة يكون ضروريا سحب كل الأجسام المعدنية التي تكون ملتصقة بجسم المريض، مما اضطر أحد الأطباء الى سحب خاتم الملك الراحل وظل يحتفظ به حتى أتيحت له الفرصة لإعادته الى الملك الحالي. مصادر من داخل المستشفى تحدثت آنذاك عن تقديم الملك محمد السادس هبة مالية لنفس الطاقم الطبي قدرتها المصادر ذاتها بنحو مليوني درهم آخر ما قاله لي الملك هو : صورتي في قلوب جميع المغاربة ماهي آخر ذكرى لك مع الملك الراحل؟ آخر مرة جرى بيني وبينه حديث قبل أن ينتقل الى رحمة الله ببضعة أيام، بعد أن لاحظت صورة له صدرت في إحدى الصحف وكانت غير لائقة بمقامه، فاستأذنت منه الاتصال بمدير تلك الصحيفة لأنبهه على ذلك، فرد علي رحمه الله بقوله: لا داعي، فصورتي في قلوب جميع المغاربة، هذه الجملة أثرت في غاية الأثر وأعطتني درسا في الحياة لن أنساه، وهو أن قيمة الحسن الثاني هي أكبر من كل صورة. ما هي آخر مرة شاهدته أو تحدثت معه فيها؟ آخر مرة تحدثت معه فيها هاتفيا كانت في الساعة الثالثة والربع بعد الظهر يوم الخميس (توفي الحسن الثاني يوم الجمعة 23 يوليو في الساعة الرابعة والنصف بعد الظهر)، وأثناء تلك المكالمة أخبرني بأنه سيأخذ قسطا من الراحة لمدة ثلاثة أيام، وأمرني بأن لا يزعجه أحد، وكان من المفروض أن يستقبل إحدى الشخصيات يوم الخميس مساء، فأبلغني بأنه أرجأ ذلك الاستقبال حتى يوم الاثنين لأنه يريد أن يخلد الى الراحة. فشعرت بما شعرت به لتغير نبرات صوته وأجبته باللهجة االمغربية الله يبارك في عمر سيدي، الله يحفظ سيدنا ويطول عمره وكانت هذه آخر الكلمات التي تبادلتها معه رحمه الله وأسكنه فسيح جناته متى كانت آخر مرة رأيته فيها؟ آخر مرة رأيته فيها، يوم الأربعاء 21 يوليو ليلة استقباله الرئيس اليمني علي عبدالله صالح، ولما انتهت مأدبة العشاء حوالي الساعة 11 ليلا وودع ضيفه، قبلت يديه على العادة وفي قلبي شيء، وغادرت القصر الملكي بالصخيرات مكلوما. عبد الحق المريني من حوار خص به ( الشرق الاوسط) عام 1999 كنت من أوائل الذين حضروا للمستشفى بعد وفاة الملك متى كانت آخر مرة التقيت فيها الراحل الحسن الثاني؟ وماذا دار بينكما؟ لم أكن من مقربي صاحب الجلالة الملك الحسن الثاني طيب الله ثراه، وكنت ألتقي به عندما كان يجتمع مجلس الوزراء تحت رئاسته أو في بعض المناسبات الرسمية، وأظن أن آخر مرة التقيت به فيها كانت خلال عيد الشباب أياما قليلة قبل رحيله. أما آخر حوار دار بيننا، فقد كان يهم قضايا متصلة بميزانية التربية الوطنية، وأساسا حول عدد المناصب التي كانت مبرمجة في الاقتراح الذي تقدمت به مصالح وزارة المالية، ذلكم المبلغ الذي لم يكن متناسبا مع طموحات الحكومة في تعميم التعليم وإتقان تأطير التلاميذ كما يجب، فأعطى تعليماته السامية للزيادة في عدد المناصب المالية بعدما استمع إلى ما كانت وزارة التربية الوطنية عبر لساني تطالب به هل زرته عندما كان في المستشفى، وماذا كان آخر حديثك معه؟ كما قلت فإنني لم أكن من المقربين ، ولم تتح لي فرصة زيارته في المستشفى، لا سيما أنه دخل مستشفى ابن سينا ساعات قليلة قبل وفاته رحمه الله أين كنت عندما وصلك خبر وفاته؟ وكيف استقبلت الخبر، وماذا فعلت حينها علمت بوفاة العاهل وأنا في المنزل، واستقبلت الخبر كما يمكن أن يستقبل مثل هذا الخبر، طبعا بأسى وبتأمل في مآل كل نفس .. واتصل بي بعد علمي بالوفاة الأستاذ عمر الفاسي، وذهبنا على التوالي للمستشفى حيث كنا من الأوائل القلائل الذين حضروا مباشرة بعد الوفاة. كيف تنظر إلى المغرب بعد مرور ست سنوات على رحيل الحسن الثاني؟ إن المغرب طوى خطوات كبيرة في ميادين متعددة، مهد لها الحسن الثاني طيب الله ثراه؛ في ميدان الحريات ودمقرطة الحياة الوطنية بالأساس، ولقد ساعدت على تعميق هذه المكتسبات والشروع في إنجاز أخرى في الميادين الاقتصادية والاجتماعية والثقافية شخصية خلفه صاحب الجلالة الملك محمد السادس الذي أظهر خلال ممارسته أنه متشبع بجدلية الوفاء والتجديد على جميعا المستويات، وعلينا جميعا أن نعمق التأمل في كل هذا، ونحافظ على المكتسبات وتوسيعها، متحلين بالكثير من التبصر وروح المسؤولية وزير سابق بحكومة التناوب بوتفليقة أول المعزين لم يستطع أن يتمالك نفسه وبكى بعد إذاعة البيان الطبي الذي نعى الى العالم وفاة الملك الحسن الثاني، بدأت اتصالات الملوك ورؤساء الدول تنهال على القصر الملكي. والغريب أن بعض المتصلين كان يستفسر إن كان الخبر فعلا صحيحا، وكأنهم لم يصدقوا أن الملك الذي نجا أكثر من مرة من موت محقق أثناء انقلابات السبعينيات، سيموت فجأة وبهدوء وبدون سابق إعلان. كان أول الرؤساء الذين اتصلوا معزين هو الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة، الذي لم يستطع أن يخفي تأثره وبكى وهو يقدم التعازي، ولإظهار أن حزنه كان صادقا، خاصة وأنه كان سيلتقي الملك الراحل خلال الصيف نفسه، اقترح بوتفليقة أن يحضر في اليوم نفسه ويصحب معه جميع أعضاء حكومته وأعضاء مجلس الأمة الجزائري وكبار قادة الجيش الوطني الجزائري. لكن الجانب المغربي الذي كان متفهما لتأثره الصادق، طلب منه الانتظار حتى يتم وضع الترتيبات الخاصة بالجنازة، وعندما حضر بوتفليقة يوم الأحد، أي يوم الجنازة، كان وفد بلاده أكبر وفد ضمن قافلة المشيعين البصري: اتصل بي الملك ليلة مماته وطلب مني كتابة بيان لطمأنة الشعب على صحته بعد تنصيب حكومة التناوب قال لي الحسن الثاني: كم هو رائع رؤية كل الطبقة السياسية داخل قاعة العرش ذهب إدريس البصري وزير الدولة في الداخلية سابقا بناء على تعليمات الملك الراحل الى المستشفى للإشراف على كتابة بيان طبي يطمئن الشعب على صحة الملك، لكنه سيخرج منه ببيان ينعي وفاته ما الذي توحي لك به الذكرى السادسة لوفاة الملك الحسن الثاني؟ أولا بعد الترحم على روح الفقيد الغالي ، لا يسعني سوى تذكر مناقبه ، لقد كان صاحب ذكاء خارق للعادة، وبدون هذا الذكاء لم تكن كل استراتيجيته لتتحقق، بما فيها التناوب والوصول إليه. وهنا تجب الإشارة بوضوح الى بعض الأشياء، فعند توليه الملك عام 1961، وهو محاط بالخصوم والتهديدات والأخطار، لم يكن يتصور أحد من الأجانب أن ملكه سيطول... لقد كان له طول الصبر لبناء المغرب، بفتح العديد من الأوراش، وبضمان بقاء البلد مستقرا، وهو شيء لم يكن بالضرورة سهلا. ورغم أحداث عارضة مثل حالة الاستثناء وقضية بن بركة، فلا يمكن لأي بلد آخر أن يزايد على المغرب في كونه حافظ على طبقته السياسية بكامل طيفها من أقصى اليسار الى الأحزاب الوطنية والإسلامية. وإن امتداد عمر ملكه وهذا الاستقرار يعود بشكل كبير الى حسن التقدير والى أريحيته؛ لقد كان دائما يبدي تواضعا كبيرا حتى وهو في أوج انتصاره، ولم يبحث قط للقضاء على خصومه. فقد كان يعير السمع للأكثر ضعفا لأنه كان واعيا بواجبه: أي أن يكون ملكا لكل المغاربة. لقد كان متشددا في اختياراته للحفاظ على الملكية وضمان استمراريتها وهيبتها. فهو لم يكن رئيسا، وفي إحدى لقاءاته مع جاك شيراك، صرح له قائلا: أنا الآن في سباعيتي السادسة (الإحالة هنا على الفترة السياسية للرئيس في فرنسا والتي تستغرق سبع سنوات- الجريدة). فهو لم يكن ليسمح لنفسه بالخلود للراحة بعد خسران الانتخابات. لقد شكل التناوب تتويجا ونجاحا نهائيا لحكم صعب وغير عادي، وعندما تقدم أعضاء حكومة التناوب للسلام على الملك والأمراء، بقينا نحن الأربعة بعد أخذ الصورة التذكارية، عندها قال لي الملك كم هو رائع رؤية كل الطبقة السياسية المعارضة مجتمعة داخل قاعة العرش. وعندما نظرت الى وجهه الذي كان يبدو رائقا وهادئا، أدركت بأنه كان يحس بارتياح عميق، لأنه نجح في تحقيق ما كان يصبو إليه: أي أن يكون ملكا لجميع المغاربة بكل مشاربهم السياسية. لقد كنت أدرك أكثر من أي شخص آخر ثقل المسؤولية التي كان يحملها على عاتقه منذ مدة طويلة، وبفضل عملي اليومي الى جانبه، أحسست منذ سنوات بأنه دخل في سباق مع الزمن لجعل بعض الثوابت والميكانيزنات في دواليب الحكم أمورا حتمية لا رجعة فيها، في وضعية تطمح الى جعل المغرب أكثر انفتاحا وأكثر ديمقراطية، وأكثر ترسيخا لاستقراره هل فاجأتك وفاته؟ كان يمكن ملاحظة أن صحة الملك لم تكن على ما يرام، هذه الملاحظة كان يبديها بعض الأجانب، ولكن شخصيا لم ألمس في صحته وقدرته على العمل أي ضعف، فحضوره ظل قويا ومشعا! وفي مارس 1999 لم يكن يحس في جسده القدرة على المشاركة في حفل البيعة، لكنه طلب بشجاعة خارقة للعادة من أطبائه مساعدته حتى يكون حاضرا في تلك اللحظة ذات الرمزية الكبيرة بالنسبة للملكية وبالنسبة للتقاليد. وفي نهاية مراسيم حفل البيعة، التحقت به صحبة ولي العهد بالقصر الملكي بمراكش، فسألني عن الأجواء التي جرت فيها احتفالات عيد العرش، فقلت له بأن كل شيء تم على أحسن ما يرام في أجواء أكثر من رائعة، بمشاركة السكان المنشرحين والمبتهجين في كل المدن بعد أن طمأنتهم رؤيته في التلفزيون في حفل الولاء . تأثرت كثيرا الى درجة أن عيناي إغرورقت في تلك اللحظة بالدموع، فالتفت بهدوء حتى لا يحرجني، ثم قال لي: أتعرف لماذا؟ لأن المغرب أدير بطريقة جيدة. وعندما ذهبت لأقابله يوم الاثنين 19 يوليو ثلاثة أيام قبل وفاته لأتحدث له حول الصحراء، بمعية محمد بنعيسى وزير الخارجية والسفير أحمد السنوسي، كان لبقا وأبدى لي لطفا ورقة لا مثيل لهما. وكان موضوع الاجتماع دراسة النتائج الأولى لتحديد الهوية، ودراسة الجواب الذي أعددته أنا، ورسالة جلالة الملك الى كوفي عنان. وفي يوم الخميس أخبرني أحد مساعديه بأن صاحب الجلالة سيعود من الصخيرات الى الرباط، وكنت أجهل السبب، فقد كنت أعرف فقط أنه مصاب بنوبة زكام خفيف. وصل الملك الى الرباط في حدود الساعة السادسة مساء، وعند الساعة الحادية عشرة وخمسة وأربعين دقيقة، وبينما كنت أتناول العشاء صحبة بعض الأصدقاء، رن جرس الهاتف. فخلال اليوم نفسه اتصل بي الملك مرارا على الهاتف، ولم يكن أي شيء في صوته ينذر بأنه كان مصابا بمرض قاتل. وعندما أمسكت سماعة الهاتف قال لي: سأذهب الى المصحة الملكية ليوم أو يومين، لا شيء يدعو للقلق، لكن تعالى غدا لتحرر صحبة الأطباء بلاغا لطمئنة الشعب على صحة الملك، وموعدنا سيتأجل الى يوم الاثنين 26. وعندما أنزلت السماعة بدأت في تلاوة العديد من الدعوات من أجل شفائه، ورغم أني لم أكن أقدر أن أتنبأ بما سيحصل، إلا أني أحسست ذلك المساء بغصة في حلقي وأنا أرتل الدعوات من أجل شفائه. وعند وفاته، كنت أوجد بالمصحة الملكية ورغم الحزن العميق الذي كنت أحس به إلا أنني لم أبك. فبالنسبة لي كان في الوقت نفسه أبا وقديسا. وماذا فعلتم بعد ذلك؟ مباشرة بعد وفاة صاحب الجلالة، قدمت للعاهل الحالي التعازي وقلت له بالحرف “الله يرحم سيدنا ، الله ينصر سيدنا”، وأضفت قائلا: بأن المغرب بلد صعب، ولا مجال لأن يترك الليلة التالية تمر دون أن يكون عقد البيعة للملك الجديد قد كتب ووقع، فبالنسبة لي كوزير داخلية، كان من واجبي أن أتوقع كل شيء وأن أتفادى كل المشاكل التي يمكن أن تقع. فالكثير من الضجيج كانت ستثيره وفاة الملك. وفي الساعة العاشرة، من المساء نفسه، كان عقد البيعة للملك الجديد قد تم توقيعه من طرف الحكومة وقوات الأمن والقوات المسلحة الملكية والأحزاب السياسية والعلماء. لقد مر الانتقال بسلاسة وبدون أية صعوبة تذكر. ويعود الفضل في ذلك الى ما سبق أن قاله لي جلالة الملك الراحل يوم 3 مارس 1999، بأن” البلد كان محكوما بطريقة جيدة هل ترك الملك الراحل وصية؟ لقد كان الملك الحسن الثاني يعمل في شفافية تامة، ولم يترك أية وصية سرية