تحت شعار " السكن و التعمير دعامتان للتنمية " نظمت كل من جمعية منتدى التعمير و البيئة و جمعية المقاولين و المنعشين العقاريين مائدة مستديرة أطرها ثلة من المتخصصين و الباحثين في المجال بهدف تسليط الضوء على مختلف الجوانب المرتبطة بالرهانات الآنية و المستقبلية للسكن و المتطلبات اليومية لحركة التمدن و تأهيل المجال. في بداية اللقاء الدراسي أوضح الأستاذ الهادي الورتي عن منتدى التعمير و البيئة السياق العام لاختيار موضوع النقاش بالنظر لراهنيته و أهميته ضمن كل السياسات العمومية معتبرا محور كل البرامج التنموية التي تستهدف الإنسان و منوها في الوقت ذاته بمبادرة التنسيق المشترك بين منتدى التعمير و البيئة كإطار جمعوي راكم مجموعة من التجارب من خلال طرحه لمقاربات تعنى بالتنمية بمفهومها الشامل و بين جمعية المقاولين و المنعشين العقاريين الفتية و هي تجربة تستحق التشجيع لكونها تعبر عن حس مواطن لمهنيين و متدخلين مباشرين في مجال السكن و التعمير بالناظور الذي يعرف طفرة نوعية و إمتدادا عمرانيا يستوجب الوعي بمدى الإشكاليات المطروحة. وفي كلمة بإسم الجمعيتين أكد الأستاذ علال قيشوح على الدور الهام الذي تلعبه اللقاءات الدراسية في جعل الباحثين و المتخصصين يساهمون في وضع تصورات علمية و مقترحات و بدائل الحلول للعديد من المشاكل التي يشهدها المجال الترابي في ظل التزايد الملحوظ في الحاجيات و المتطلبات التي تفرض على المتدخلين من مؤسسات معنية و مجتمع مدني و خبراء و مهتمين الوعي بمدى الإنعكاسات السلبية لسوء التدبير و غياب الحكامة في رسم السياسات العمومية و البرامج المرتبطة بالعمران و التأهيل مشيرا إلى أن المائدة المستديرة فرصة لتبادل وجهات النظر و إستعراض التجارب و إثراء النقاش حول كل ما يتعلق بحاضر و مستقبل السكن بالمنطقة. الأستاذ جعفر الحنفي الرئيس السابق لمنتدى التعمير و البيئة وهو إطار عالي متخصص في الهندسة و باحث في قضايا التعمير تطرق في محور " السكن أي مستقبل ؟" إلى مفهوم التمدن و مراحله و مجمل العوائق التنموية التي تواجهه و كذا المظاهر المرافقة له سواء داخل الحواضر أو البوادي كما أوضح جوانب قانونية منظمة لحركة العمران الذي يشكل مظهرا من مظاهر الحياة عبر تاريخ البشرية مستعرضا أشكال التمدن المعروفة التي عرفها الإنسان في الماضي من قبيل نشأة التكتلات و تسييجها بالأسوار و الحصون و حدود تضمن الحفاظ على الأنماط الثقافية المحلية و الخصوصيات الفكرية حتى أصبحنا اليوم لا نفرق بين المجال الحضري و المجال القروي نظرا لتطور المجتمع و سرعة النمو الديموغرافي لاسيما مع ظهور تشريعات و قوانين تتحكم في أشكال التقسيم الترابي بالرغم من قلتها أو تقادم بعضها من قبيل ظهير 1952 و 1992 و التصميم المديري الذي هو عبارة عن خطوط عامة و توجيهات فقط تجد تفاصيلها في تصميم التهيئة. و في هذا الصدد تحدث الأستاذ جعفر الحنفي عن نموذج مدينة الناظور و بعض الجماعات الترابية المجاورة التي تنتشر على مساحة ساسعة لا تتناسب و نسبة الكثافة السكانية مما يطرح إشكاليات أخرى على مستوى التأهيل و التجهيز و البيئة و البنيات التحتية و إعمار المناطق الفارغة و الحفاظ على الطبيعة. و أشار إلى الفرق بين المجال الخاص و العام سواء داخل المدن أو البوادي و تأثير ذلك على الحياة العامة و الإنتاج و الخدمات ليخلص في مداخلته إلى دراسة مقارنة بين الترسانة القانونية المنظمة للتعمير و السكن بكل من إسبانيا و فرنسا و المغرب حيث أن الأخير لا يزال يسجل تأخرا و عدم مواكبة لحركة التمدن برؤية و مقاربة ناجعة لاسيما وأن من جملة الشوائب و الإختلالات التي لا تحفز على تحقيق تقدم في هذا المجال هو غياب عدالة عقارية تضمن تكافؤ الفرص بين الفاعلين في القطاع. وحول موضوع " الوضعية العمرانية بالمدينة و تنامي ظاهرة البناء الغير القانوني" إستعرض الأستاذ حميد الشهبوني نائب رئيس جمعية المقاولين و المنعشين العقاريين أهم مظاهر الخلل التي يعرفها النسيج العمراني بمدينة الناظور التي تعيش وضعا معقدا لا يؤهلها لأن ترتقي لمصاف مدن و حواضر أخرى بالمملكة و ذلك لأسباب متعددة ترتبط بارتفاع معدل الهجرة و تعدد المتدخلين و تشتت الجهود و انعدام وعاء عقاري ملائم و تعقد الأنظمة و المساطر العقارية بما ينجم عنه من ارتفاع مهول و مضطرد في أثمنة العقار. وفي نفس السياق أوضح الأستاذ حميد الشهبوني أن واقع السكن بالناظور أفرز تكثلات عمرانية تفتقر لأبسط شروط التمدن بالإضافة إلى غياب إنسجام و رونق يحافظ على الخصوصية المحلية و انتشار السكن الغير اللائق حتى أصبحت المدينة محاطة بأحزمة سكنية غير مؤهلة و غير منظمة سواء من ناحية الشمال الغربي بترقاع و إكوناف و بوبلاو و إصبانن أو جنوبا بأحياء بويزرزان و براقة و تاويمة. ليبقى المتنفس الوحيد هو جهة الجنوب الشرقي في اتجاه بوعرك و التي تؤطرها قوانين خاصة تعتبرها منطقة فلاحية غير مخصصة للبناء، وأضاف الأستاذ الشهبوني أن الأمور لم تقف عند هذا الحد بل تجاوزته إلى ظهور تجمعات سكنية و أحياء داخل مجاري الوديان و المرتفعات و الأماكن المعرضة للخطورة. ومن الناحية القانونية أكد الأستاذ حميد الشهبوني على أن التخطيط الحضري يبقى رهين ضعف التشريعات و بطئها و عدم تفعيل مضامينها و غياب و محدودية وثائق التعمير و عدم تنفيذ تصميم التهيئة بعد تأخر المصادقة عليه و استنفاذ الأجل الزمني و عدم الملائمة أو التفاعل بين الوثائق و طبيعة التحولات الإقتصادية و الإجتماعية التي تستوجب إعادة النظر في مضامين العديد من المساطر بشكل علمي يضمن النجاعة بدل العمل بنظام الإستثناءات الذي أصبح شكلا من أشكال الريع و الشطط في إستعمال السلطات بمبرر قانوني. وعلاقة بالموضوع أسهم الباحث في الطاقات المتجددة حسن العمراني في إثراء موضوع المائدة المستديرة من خلال مداخلة تطرق فيها إلى أهمية النجاعة الطاقية في تحديد معالم مدن ذكية و عمران متطور يراعي التحولات المناخية و الحاجيات اليومية على مستوى الطاقة التي تكلف الخزينة العامة و المواطنين عبئا كبيرا و متواصلا. وفي هذا الشأن أوضح مدى القيمة المضافة لاستعمال الطاقات المتجددة و ترشيد إستعمالها بطرق حديثة في البناء و العمران بشتى أصنافه وهو ما انخرط فيه المغرب في السنوات الأخيرة و وضع له ترسانة قانونية ستتعزز بأنظمة ومساطر جديدة قيد التشريع و المناقشة. مشيرا إلى أن من شأن الإقبال على هذه البدائل الطاقية الحد من التبذير و الإسراف في استعمال مصادر الطاقة و حسن تدبيرها بالشكل الذي يتيح هامشا كبيرا للتقليص من النفقات العمومية و الخاصة. و تفاعلا مع مضمون المائدة المستديرة أبدى المشاركون في مداخلاتهم عن مدى الأثر الإيجابي الذي أتاحته المحاور المطروحة من قبل متخصصين في المجال و بحضور متدخلين من مختلف المشارب وبالتالي هي مناسبة للتفاعل بين مهنيين و منعشين و مهتمين بالبيئة و إعلام و مجتمع مدني و منتخبين و أطر جامعية، حيث أن مثل هذه المواعيد تعتبر محطة للتفكير و النقاش الهادئ و التباحث في الإشكاليات التي أفرزتها سياسات التعمير على مستوى المنطقة و المضاعفات السلبية المتراكمة طيلة عقود من التدبير البعيد كل البعد عن رؤية تقنية تستشرف المستقبل. في الختام نظم على شرف الحاضرين حفل شاي تقاسموا فيه أطراف الحديث عن أشكال التنسيق المقبلة الكفيلة بتعميق النقاش و التواصل و التفاعل مع واقع منظومة السكن و التعمير بهدف تعزيز القوة الإقتراحية لمختلف المتدخلين في العملية من مؤسسات عمومية و مجتمع مدني و خبراء و باحثون.