عاشت مدينة الناظور أجواء شهر رمضان المبارك هذه السنة تحت وقع صيف ساخن، صيفٌ ارتفعت فيه درجات الحرارة بشكل لم يسبق له مثيل منذ أعوام خلت إلى درجةٍ حوَّلَ نهار رمضان إلى قَيْظٍ مُشْتعِل يَفِرُّ منه الناس نحو بيوتهم ومحلاتهم وأسواقهم الفارغة أصلا من كل حركة تجارية، يلتمسون بعض الهواء البارد المنبعث من مُكَيَّفاتهم ومروحياتهم التي ركَّبوها سلفا للظفر من خلالها بزبائن قد يحرِّكون تجارتهم الراكدة . والحقيقة أن مدينة الناظور هذه السنة لم تعرف صيفا ساخنا على مستوى المناخ فقط، بل عرفت ارتفاعا في درجة الحرارة في مجموعة من المجالات جعلها تتميز على باقي المدن وتستحوذ على هامش أوسع من المقالات والتحاليل السياسية على مستوى الصحافة الالكترونية المحلية أو الوطنية . ففي المجال النقابي عرفت المدينة صراعا نقابيا مريرا داخل بيت الاتحاد المغربي للشغل تَمَخَّضَ عن ميلاد هَيْأةٍ نقابية جديدة بالمنطقة غيَّرت رقعة المنخرطين داخل هذه المدينة، وأعطت دينامكية جديدة للعمل النقابي الذي كان يحتضر إلى عهد قريب، فجاء عرس فاتح ماي عرسا بِنُكْهَةٍ عِنَّابِيَةٍ سيطرت فيها المنظمة الديمقراطية للشغل على الساحة النقابية الناظورية بامتياز، ليمتد هذا الصراع بحرارته إلى الانتخابات المهنية حيث حاول كل طرف أن يَسُدَّ الطريق على الطرف الآخر بكل الوسائل الممكنة، فعملية التشهير ومحاولة فضح الحقائق ونشر البيانات والبيانات المضادة لم تتوقف على صفحات الجرائد الالكترونية، في محاولات يائسة للضغط على الكتلة الناخبة لاستمالتها للتصويت عل اللون الأزرق أو العنابي، وبالفعل استطاع المولود الجديد أن ينتزع الصفوف الأولى في ترتيب النقابات الأكثر تمثيلية على المستوى المحلي خصوصا في مناديب العمال للقطاع الخاص، مسجلا حضوره بقوة على الساحة النقابية الناظورية ومتوعدا احتكاره للعمل النقابي المحلي في الأفق القريب . أما على المستوى السياسي فتعرف المدينة ارتفاعا مهولا في درجات الحرارة، فهناك تحركات كثيرة في الظلام الحالك، واسْتِقْطَابَات قوية لوجوه مختلفة يزعم مُسْتَقْطِبِيهَا أن لهم تأثير على نوعية معينة من ساكنة الناظور، وأنهم يستطيعون أن يرجحوا كفة أي لائحة متنافسة على استحقاقات الانتخابات البلدية التي لم يعد يفصلنا عنها سوى شهران إذا لم يكن هناك أي تأجيل جديد، وجوه تُغَيِّرُ أحْزابَها كما تُغَيِّرُ مَعَاطِفَها غَيْر آبِهَةٍ بأَيِّ انتماء فكري أو إيديولوجي، وتتحرك وفق مصالحها الشخصية ضَارِبَةً عُرْضَ الحائط بكل المواقف والقِيَم التي تبقى المعيار الوحيد لإحداث أي تغيير إيجابي لهذه المدينة المجاهدة التي عانت ولا تزال من التهميش والإقصاء من طرف المجالس المتعاقبة عليها منذ رفع اليد عليها من طرف الاستعمار الاسباني وإلى اليوم . الحملة الانتخابية التي لم تبتدئ بعد، يُمهِّدُ لها سياسيو الناظور بالبحث عن اللائحة القوية التي سَتُؤَمِّن لهم الظَّفَر بأحد مقاعد المجلس البلدي أو القروي بكل أَرِيحِيَّةٍ، والأحزاب السياسية بكل ألوانها من الجَرَّار والميزان والقنديل مرورا بالوردة والسنبلة والحمامة والكتاب وصولا بباقي الأحزاب الممثلة في المدينة، كلها تبحث عن الوجوه البارزة لِتُأَثِّثَ بها لائحتها بِغَضِّ النظر عن انتمائه الفكري أو السياسي أو الإيديولوجي، فمواقف أعضاء اللائحة غير مهمة، ويبقى الأهم هو مدى قدرتهم على التأثير على أكبر عدد ممكن من الناخبين والمشاركة في تسيير دواليب هذه المدينة . وهذا ما يروج فعلا في الكواليس، فأغلب أعضاء المجلس القديم قد بدَّلوا أحزابهم ورحلوا إلى أحزاب أخرى ضمنت لهم المزيد من الامتيازات والمزيد من الضمانات للفوز بمقعد داخل مجلس البلدية، وهذا ما أجَّجَ الصراع بين الأعضاء المشاكسين فجعلهم يتهافتون ويهرولون ويتحسسون ويتسابقون في سباق محموم حول من سيظفر بقطعة من كعكة اسمها مدينة الناظور . أما على المستوى الاجتماعي فقد ارتفعت فيها درجة الحرارة إلى مستوى لم يعد فيها غالبية أبناء الناظور يستطيعون مسايرة الواقع الساخن، واقع فرض عليهم الاستغناء عن ضروريات عدة لأنها أصبحت فوق طاقتهم من قبيل الدواء والغذاء وبعض مستلزمات الحياة، فالمواطن العادي في مدينة الناظور استغنى عن الطبيب وأصبح يكتفي بالصيدلية التي يشكو لها همومه الكثيرة وقلة يده الدائمة ويستجديها لتكتب له دواءً رخيصا لآلامه المجهولة، واستغنى عن روض الأطفال لأبنائه واكتفى بالتعليم العمومي مُسَلِّياً نفسه بفشل منظومة التعليم، وبِكَوْن تَعْليمُهُ لأَبْنَاِئه حِرْفَةً مُعَيَّنَةً أصبحت أَجْدَى وأَنْفَع بكثير من تعليمٍ مجهول العواقب . كما استغنى عن الساعات الإضافية لأبنائه التي أصبحت ضرورية في هذا الوقت، واكتفى بالمجهود الذاتي لأبنائه الذين يُحسون بنقص شديد أمام زملائهم وأساتذتهم، فيبذلون مجهودا مضاعفا حتى يكونوا في مستوى أقرانهم . واستغنى عن كل أنواع التسلية والترفيه، واكتفى بالركض خلف قوت عياله إلى دَرجةٍ أصبح لا يجد فيه الوقت حتى للجلوس معهم والاستماع لهمومهم واهتماماتهم . أما المؤسسات الاجتماعية وجمعيات المجتمع المدني المهتمة بالمجال الاجتماعي فيبدو أنها تعيش خارج الزمن المغربي، وبعيدة كل البعد عن فلسفة الإصلاح التي أصبحت لازِمَةَ كُلِّ الفاعلين المغاربة، فأصبحنا نقرأ في الصحف عن الفساد المستشري داخل ردهات هذه المؤسسات التي تَئِنُّ في صمت في انتظار من ينتشلها من براثن من يعيث فيها فسادا بدون رقيب ولا حسيب، والجمعيات الاجتماعية التي تستفيد من دعم الدولة لتحقيق أهدافها النبيلة في دعم وإدماج مختلف الحالات الاجتماعية، يبدو أنها لم تُفْلح إلا في دعم مصالح مُسَيِّريها وتحسين وضعياتهم المالية في مختلف البنوك المغربية . هذا جزء من مجالات عديدة تنتظر انخفاض درجة الحرارة فيها واستقرارها على سكة الإصلاح، فساكنة الناظور عن بُكْرَة أبيها تنتظر ذلك الشهم " ابن البلد " الذي سَيَرُدُّ الاعتبار لمدينتهم ويرفع عنها صفة الإقصاء والتهميش ويحارب الفساد والمفسدين . فهل سننتظر ظهورك فعلا بعد هذا الصيف الساخن جدا بمدينة الناظور ..