تصدرت تجربة “الانفجار العظيم” التي يجريها علماء فيزياء دوليون في معمل “سيرن” على الحدود السويسرية الفرنسية حديث الصحف والمواقع الإخبارية الأجنبية باعتبارها أكبر تجربة علمية عرفتها البشرية لتمثيل “الانفجار الكبير” الذي حدث قبل ملايين السنين. ويعقد علماء الفيزياء الدوليون آملا كبيرة على هذه التجربة العملاقة التي تكلفت مليارات الدولارات، لأنها بحسب رأيهم قد تكشف الكثير من الحقائق عن نشأة الكون، والثواني الأولى التي أعقبت الانفجار الكوني الهائل، بما في ذلك احتمال وجود بُعد إضافي غير الأبعاد المعروفة.. وعقب الضجة الاعلامية الواسعة التي صاحبت بدء تجربة “الانفجار العظيم” التي ترصد كيفية نشأة الكون، فشل جهاز “صادم الهدرون الكبير” في أول اختبار حقيقي يواجهه، حيث أكد القائمون على التجربة أن هذا العطل الكهربائي الذي طرأ على الجهاز قد يؤخر الجزء الحيوي من التجربة إلى العام المقبل. وقد افتتحت مؤخراً المنظمة الأوروبية للأبحاث النووية رسمياً تجربتها لاستكشاف نشأة الكون رغم العطل التي أصابها الشهر الماضى والتي أوقفها خلال أيام من بدئها. ووسط اجراءات أمنية مشددة توجه كبار العلماء والوزراء إلى موقع المنظمة الأوروبية للأبحاث النووية مترامى الأطراف على الحدود الفرنسية السويسرية من أجل حضور حفل افتتاح أكبر تجربة علمية يتم إطلاقها والتى ستتحرى عن الوحدات البنائية للمادة لفهم طبيعة الكون. وأشار فرانسوا فيون رئيس الوزراء إلى أن كبار الفلاسفة وكبار المتصوفين وكبار الشعراء لم يتوقفوا ابداً عن التأمل فى هذه الأسرار سر المادة وسر خلق العالم. ويدرس معجل الجسيمات التصادمى وهو أكبر وأعقد ماكينة تم بناؤها حتى الآن أصغر وحدات بناء المادة وجسيمات الذرة، وبدأ علماء المنظمة الأوروبية التجربة فى العاشر من سبتمبر الماضي، حيث اطلقوا أشعة من جسيمات البروتون فى نفق طوله 27 كيلومتراً خارج جنيف على بعد 100 متر تحت الأرض، ولكن بعد تسعة أيام تعين عليهم أن يوقفوها بسبب تسرب غاز الهليوم الناجم عن توصيلات خاطئة بين أثنين من المغناطيسات الهائلة للمعجل، وستستغرق التجربة من 10 إلى 15 عاماً ولن يتم استئنافها قبل ربيع 2009. وعندما يعمل ثانية سيقوم المعجل بتكرار الأوضاع التى اعقبت الانفجار الكبير الذى يعتقد غالبية العلماء أنه أصل نشأة الكون من 13.7 مليار عام، وقد ارسلت آلة أشعة من جسيمات الذرة فى أنحاء النفق اصطدمت ببعضها البعض فى سرعة تقارب سرعة الضوء. وتسفر هذه التصادمات عن طاقة حرارية عالية للغاية وعن جسيمات جديدة لم تحدث قبل، وقد انشأت المنظمة شبكة كمبيوتر عالية الطاقة تربط سبعة آلاف عالم من 33 دولة للتعامل مع تدفق المعلومات التى تكفى لبناء برج من الاسطوانات المدمجة يزيد ارتفاعه على مثلى ارتفاع جبل ايفرست. وكانت البداية ناجحة كشفت المنظمة الأوروبية للأبحاث أن جهاز “صادم الهدرون الكبير” المعروف اختصارا ب”LHC” نجح في إجراء أول تجربة رئيسية من خلال إطلاق أول شعاع من جسيمات تسمى البروتون على امتداد 27 كيلومترا وذلك في أكبر محاولة من نوعها لفهم كيفية نشوء الكون. ويوفر الجهاز الضخم، الذي كلف إنشاؤه في المنطقة الحدودية بين فرنسا وسويسرا نحو 10 مليارات دولار أمريكي، للعلماء قوة أكبر من ذي قبل لتهشيم مكونات الذرات في محاولة لرؤية ما يشكلها. وتم تشغيل هذا النظام قرب جنيف بهدف كشف أسرار المادة والكون، ويفترض أن يكشف النظام الجزيئات الأولية للمادة التي تتحدث عنها الفيزياء النظرية، وكذلك تلك التي لم تشاهد من قبل ويمكن أن تؤكد وجود جزيئات تتشكل منها المادة السوداء خصوصاً. وقال مدير المشروع لين ايفانز إنه بعد ضخ الحزمة الأولى تم الانتظار حوالي خمس ثوان للحصول على المعطيات، وكشف ضوء على الشاشة بعد ذلك أن الحزمة دخلت فعلاً في الجزء الأول من الطوق. وبعد أقل من ساعة من بدء التشغيل، كانت الحزمة قد قامت بدورة كاملة في الطوق وحققت بذلك الهدف الرئيسي للعلماء في اليوم الأول، وسيلي هذه الخطوة ضخ حزمة ثانية في الاتجاه المعاكس. وقد حشد هذا المشروع الذي بلغت كلفته 3.76 مليار يورو، خلال ما يزيد عن عقد من الزمن، آلاف الفيزيائيين والمهندسين من العالم اجمع. دعوي قضائية وقد تعالت الأصوات المعارضة لهذه التجربة في الولاياتالمتحدةالأمريكية، حيث احتج علماء فيزياء أمريكيون عبر دعوي قضائية تطالب بوقف التجربة. وقام العالم الأمريكي والتر واو فاجنر وزميله لويس سانشو بتقديم دعوى قضائية اتحادية تطالب بوقف عملية الانفجار الكبير المقامة حالياً على الحدود الفرنسية السويسرية، معتبرين أن هذه التجربة يمكن أن تؤدي إلى تكوين ما يسمى ب”الثقب الأسود”، الذي يتميز بكثافته العالية وجاذبيته الهائلة، بحيث يمكنه أن يبتلع كوكب الأرض. وجاء في نص الدعوي القضائية التي نشرتها شبكة “فوكس نيوز” الأمريكية في موقعها على الإنترنت، أن الأخطار التي تأتي من وراء تشغيل هذه التجربة العملاقة قد تفوق كل التوقعات ومن الممكن أن تدمر كوكبنا الأرضى بالكامل. وأشار العالمان فاجنر وسانشو إلى أن دعوتهم القضائية التي رفعوها ضد التجربة فشلت في وقف المشروع الذي تتبناه المنظمة الأوروبية للأبحاث النووية CERN. وقد أطلق العالم الأمريكي والتر واو فاجنر موقعا خاصا على الانترنت يشرح تفاصيل التجربة والأخطار المتوقعة لها، بالإضافة إلى نص الدعوة القضائية المناهضة للتجربة. وقد اعترف علماء بالمنظمه الأوروبية للأبحاث النووية بأن هناك امكانيه حقيقية لحدوث تداعيات للتجربة المدمرة، مثل الثقوب السوداء، والتحولات الفضائية وغيرها، وهذه الأحداث لديها القدرة على أن تغير في مفهوم النظريات الكونية الموجودة، ومن الممكن أن تدمر كوكبنا. وبالتزامن مع دعوة فاجنر القضائية، نشرت العديد من المواقع على الإنترنت تقارير تفيد بأن المعجل التصادمي الجسيمي الذي سيستخدم في التجربة سيؤدي إلى حدوث ثقوب سوداء قد تبتلع الكوكب. وفي الوقت نفسه رد فريق آخر من علماء المنظمة الأوروبية للأبحاث النووية بالقول إن هذا “محض هراء”، حيث أكدت المنظمة أن “المعجل التصادمي الجسيمي” آمن وأي أشارة إلى انه قد يمثل خطرا هي محض خيال.