محاكات الانفجار العظيم من شأنها أن تفك العديد من ألغاز نششأة الكون حقق العلماء الأوروبيون في المنظمة الأوروبية للأبحاث النووية (سيرن) إنجازاً كبيراً ،حيث بدأ العمل بآلة محاكاة الانفجار العظيم والتي تحاول أن تكشف النقاب عن نشأة الكون وعن طبيعة المادة وطبيعة تكون كتلتها. استطاع علماء المنظمة الأوروبية للأبحاث النووية (سيرن) الواقعة في منطقة الحدود السويسرية الفرنسية أمس الثلاثاء 30 مارس/آذار إنجاز تصادمات عالية الطاقة للبروتونات في محاولتهم لخلق نسخ متناهية الصغر من "الانفجار العظيم" الذي أدى إلى نشأة الكون منذ 13.7 مليار عام. وتسمح التجربة للباحثين بفحص طبيعة المادة وأصل النجوم والكواكب. وساد جو من السعادة بين فريق العمل، بعد أن ظهر لهم على شاشة كبيرة أمامهم أن التجربة قد نجحت وأن البروتونات شديدة السرعة قد اصطدمت ببعضها البعض بكم طاقة هائل، يصل إلى 3.5 ترليون إلكترون فولت، مصدرة شرارة شديدة الصغر ولكنها أيضاً شديدة الكثافة، أي أنها تمثل نوعا من الانفجار الكبير، ولكن على مستوى شديد الصغر. وقال أوليفر بوخمولر، أحد العلماء الرئيسيين في المشروع الذي تكلف عشرة مليارات فرانك سويسري (9.4 مليار دولار): "إننا في غاية السعادة، لقد قضينا وقتاً طويلاً في التحضير لهذه التجربة، والآن نجح هذا التصادم لأول مرة، وتمكنا من رؤيته، إنه أمر رائع". فشل التجربة الأولى عام 2008 العلماء يستخدمون في تجربة محاكات الانفجار العظيم معجلا تصادميا كلف بناؤه ثلاثة مليارات يورو وينتظر الباحثون في مركز سيرن منذ عدة سنوات هذه اللحظة، حيث عملوا جاهدين لإنجاح تلك التجربة الفريدة من نوعها. فقد تعرضت محاولتهم الأولى في سبتمبر/أيلول عام 2008 إلى الفشل عندما حاولوا القيام بمحاكاة للانفجار العظيم في النفق ذي المسار الدائري الذي يبلغ طوله 27 كيلومتراً، والذي صمم لهذا الغرض. وبعد تسعة أيام فقط من افتتاحه تكسرت الكتل المغناطيسية الضخمة التي يبلغ وزنها أطنانا، والتي كانت تعمل على تحديد مسار حزم البروتونات المنطلقة بسرعة تقترب من سرعة الضوء. واستمرت الإصلاحات نحو عام ونصف العام، لكن هذا العمل الشاق قد أتى أكله، كما يؤكد عالم الفيزياء السويسري غونتر ديسرتوري قائلاً "هدفنا الآن على مر الشهور والأعوام هو أن نسجل ملايين ومليارات من تلك التصادمات. ونبحث بعد ذلك بين هذه التصادمات عن أكثرها جذباً للانتباه". البحث عن سر المادة المعتمة وسر تكوين كتلة المواد وعن طريق كاميرات خاصة ومجسات، يتم مراقبة تلك التصادمات في انتظار أن تتكون جزئيات مادية غير معروفة حتى الآن. فهذه الجزئيات يمكن أن تساعد في إماطة اللثام عن بعض الألغاز في الكون مثل كيفية تحول المادة إلى كتلة بعدما كانت عبارة عن كرة من النار في الانفجار العظيم. كما يمكنها أن تساعد في التعرف على طبيعة المادة المعتمة أو غير المرئية، وهي المادة التي يكتظ بها الفضاء، والتي تعمل كنوع من المواد اللاصقة التي تحافظ على المسافات بين المجرات. ويتمنى رولف هوير، المدير العام لمركز سيرن أن تساعد التجارب في اكتشاف سر هذه المادة قائلاً "حلمي هو أن نستطيع خلال العامين القادمين أن نزيح الستار عن بعض أسرار الكون المظلمة. وهذا بالتأكيد حلم كل عالم فيزياء أيضاً". وحتى الآن لا يعرف العلماء الكثير عن المادة المعتمة، حيث أن تكوينها وطبيعتها غير معروفين كما أنه لا يمكن رصدها بالإمكانيات العلمية الحالية. من ناحية أخرى، من المنتظر أن يساعد هذا المصادم في تعقب أسرار "جزئيات هيغز"التي سميت باسم عالم الفيزياء الاسكتلندي بيتر هيغز. فمن المفترض أن تكون هذه الجزئيات هي المسؤولة عن تكون المادة، حيث أنها تعمل على التحام المكونات الأولية للمادة مما يعطيها تماسكها وكتلتها. لكن ليس من المنتظر أن يتم اكتشاف سر هذه الجزئيات سريعا. فبعد الحادث الذي وقع أثناء التجارب في سبتمبر/أيلول 2008، أصبح رولف هوير وفريق الباحثين العامل معه أكثر حرصاً. وهو يقول في هذا الإطار "نحن نسير الآن خطوة بخطوة، ونستخدم فقط نصف كمية الطاقة". فالمصادم، الذي كلف ثلاثة مليارات يورو، لا يعمل الآن بكل طاقته الممكنة، خوفاً من تكرر الحادث. ومن المنتظر أن يتم إيقافه تماماً في عام 2012 للصيانة ولتغيير بعض مكوناته، وبعدها، ستعمل "آلة الانفجار العظيم" بكامل قوتها". مراجعة: طارق أنكاي Deutsche Welle