أصبحت مشكلة الاحتباس الحراري حديث الساعة بين الأوساط العلمية، بعد أن طُرحت بقوة على الساحة السياسية وأصبحت محل نقاش العديد من الدول الكبرى، لأن الجميع أدركوا مدي خطورتها على البشرية، لذا يعكف العلماء على البحث عن مخرج يخلص العالم من ويلات تلك الظاهرة الخطيرة التي تهدد مناخ كوكب الأرض، ومن ثم تنذر بانقراض أنواع كثيرة من الأحياء. وآخر كوارث هذه الظاهرة التي لازالت تبحث عن حلول جذرية حتى الآن، ما كشفته جمعية الحفاظ على الحياة البرية من أخطار تهدد حياة البشر، حيث أكدت أن 12 مرضا مميتا تتراوح من أنفلونزا الطيور الى الحمى الصفراء من المرجح ان تنتشر بشكل أكبر بسبب التغيرات المناخية. ودعت الجمعية -التي تتخذ من حديقة حيوان برونكس في الولاياتالمتحدة مقرا لها وتعمل في 60 دولة- الى مراقبة أفضل لصحة الحيوانات البرية للمساعدة في اعطاء انذار مبكر بشان كيفية انتشار العوامل المسببة للمرض مع دفء الارض. وحددت “الدستة المميتة” من الامراض بأنها انفلونزا الطيور والبابيزيا التي تنقلها القرادة والكوليرا والايبولا والطفيليات والطاعون وتكاثر الطحالب وحمى الوادي المتصدع وداء النوم والدرن والحمى الصفراء. وقال ستيفن ساندرسون رئيس الجمعية: “حتى الاضطرابات الصغيرة يمكن ان يكون لها عواقب بعيدة المدى بشأن الامراض التي قد تواجهها الحيوانات البرية وتنقلها مع تغير المناخ” . واضاف قائلا: “مصطلح التغير المناخي يثير صورا عن ذوبان القمم الجليدية وارتفاع مستويات البحر بما يهدد المدن الساحلية والدول، لكن مما لا يقل في الاهمية ايضا كيف ان ارتفاع درجات الحرارة ومستويات تكثف البخار المتقلبة ستغير توزيع العوامل الخطيرة المسببة للمرض” . وتشبر لجنة المناخ التابعة للامم المتحدة ان انبعاثات الغازات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري والناتجة بشكل أساسي عن الاستخدام البشري للوقود الحفري ترفع درجات الحرارة وتعطل انماط سقوط الامطار ولها اثار تتراوح بين موجات الحرارة الى ذوبان الانهار الجليدية. وفي تقرير مماثل، أعلنت منظمة الصحة العالمية مؤخرا أن الدول الآسيوية عليها الاستعداد للتعامل مع الكوارث التي يسببها ارتفاع درجة حرارة الأرض بنفس القدر الذي تكافح فيه الأوبئة. وقال شيجيرو أومي المدير الاقليمي لشؤون غرب المحيط الهادي بمنظمة الصحة العالمية إنه مع توقع نمو نصيب آسيا من انبعاثات الغاز المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري فإن هناك حاجة للتدخل في هذا الوضع. وتابع قائلاً “إن ارتفاع درجات الحرارة من ضمن المتغيرات التي تؤثر في الملاريا.. وهذا المرض عاد للظهور وظهر في أماكن أخرى لم يكن بها قبل ذلك”. وأضاف أومي أن تصاعد درجات الحرارة أدى أيضا لتزايد في حالات الإصابة بحمى الدنج في آسيا، ففي سنغافورة على سبيل المثال بلغ معدل درجات الحرارة من 28.4 درجة في عام 1998 ارتفاعا من 26.9 درجة في عام 1978 وهو ما ساهم في زيادة عدد حالات الإصابة بحمى الدنغ الى عشرة أمثالها. وقال متحدثا للصحفيين في العاصمة الماليزية “بالنسبة للقضايا البيئية فإنك إذا انتظرت لحين حدوث أزمة فسيكون الوقت تأخر كثيرا.. الكل مهتم بالتنمية الاقتصادية ولكن يتعين علينا بشكل من الأشكال أن نقيم توازنا بين هذه التنمية والحفاظ على الطبيعة.. وما لم نفعل ذلك الآن فسيتعين علينا مواجهة عواقب خطيرة”. وتابع أومي أن منظمة الصحة العالمية حققت نجاحا في دعوة الدول الاعضاء فيها لإعداد نفسها لمحاربة الامراض المعدية مثل التهاب الجهاز التنفسي الحاد “سارز” ولكن هناك حاجة لخطوات مماثلة في الإعداد للكوارث البيئية المحتملة. وقال أومي -في ورشة عمل خاصة بمنظمة الصحة العالمية تبحث التغير المناخي- إن ارتفاع درجات الحرارة على مستوى العالم يذيب أنهار الجليد في منطقة الهيمالايا مما يهدد بغمر المناطق المنخفضة ويخلق ظروفا غير صحية تنشأ فيها الامراض. كوارث حقيقية ولا يقتصر تأثيرات الاحتباس الحراري على التسبب في ارتفاع حرارة الأرض بما يهدد بذوبان طبقات الثلوج بالمناطق المتجمدة، بل تخطت أضراره إلى أبعد من ذلك، فقد كشفت مراجعة العلماء للمئات من الأبحاث العلمية عن ضلوعه في انقراض أنواع كثيرة من الطيور والنباتات. وأكد الخبراء أن نحو 70 نوعاً من الضفادع انقرضت بسبب التغيرات المناخية، كما أن الأخطار تحيط بما بين 100 إلى 200 من أنواع الحيوانات التي تعيش في المناطق الباردة . وتقول الأخصائية في علم الأحياء بجامعة تكساس وقائدة البحث، كاميل بارميسان: “أخيراً نحن نشاهد انقراض عينات من الأحياء.. لدينا الأدلة.. إنها هنا.. إنها حقيقة.. إنها ليست مجرد حدس علماء الأحياء بل حقائق تحدث”. ونقلت العالمة في بحثها مشاهدات عن هجرة تجمعات حيوانية إلى الشمال وأخرى تحاول التكّيف والتأقلم مع التغيرات المناخية بجانب تغيرات ملحوظة في عالم النبات وتكاثر أعداد الحشرات والطفيليات. وتأتي التغيرات الإحيائية وسط دهشة العلماء الذي تكهنوا بتغيير مرحلي وعلى مر السنوات، والذي ربطته بارميسان بقدوم فصل الربيع مبكراً. ويبدي العلماء قلقاً بالغاً تجاه بعض حيوانات المناطق الباردة مثل البطريق والدببة القطبية وكيفية تأقلمها مع سرعة ارتفاع حرارة الأرض، فقد تراجعت أعداد “البطريق الإمبراطور” من 300 زوج بالغ إلى تسعة فقط في القطب الغربي فضلاً عن الدببة القطبية التي تراجعت أعدادها وأوزانها. مقاومة الاحتباس ممكنة أكد خبراء المناخ العالميين في بانكوك أن العالم يملك الوسائل لمواجهة ظاهرة الاحتباس الحراري بتكلفة غير مرتفعة باستخدام التكنولوجيات المتوفرة حاليا، شرط عدم التأخر في التحرك. وقال أوجونلادي دافيدسون الذي يشارك في رئاسة مجموعة الخبراء حول التغييرات المناخية (جييك) التي بحثت في الحلول الممكنة لظاهرة الاحتباس الحراري: “إذا استمرينا بفعل ما نقوم به حاليا سنواجه مشاكل خطرة”. وقالت مجموعة جييك في “ملخص موجه لصانعي القرار” السياسي أن السنوات العشرين او الثلاثين المقبلة ستكون حاسمة في الجهود التي تبذل للتخفيف من تفاقم هذه الظاهرة. ومن بين الخيارات التي اعتمدتها مجموعة جييك، مصادر الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح وحرارة الأرض الجوفية، فضلا عن الطاقة النووية، الأمر الذي أثار بعض الاحتكاكات بين المندوبين إذ عارضت بعض الدول هذا الاحتمال بقوة. واعتبرت المجموعة أن إمكانيات خفض انبعاث غازات الدفيئة، وأهمها ثاني أكسيد الكربون المسؤولة عن الاحتباس الحراري كثيرة. واعتبر برت ميتس – الذي يشارك في رئاسة المجموعة – أنه ثمة إمكانية كبيرة لخفض هذه الانبعاثات في العقود المقبلة، وأضاف قائلاً “وهذه الامكانية كبيرة بحيث تسمح بتعويض نمو انبعاثات غازات الدفيئة مع التكنولوجيات الحالية”، معتبرا أن كل القطاعات يمكنها المساهمة في خفض الانبعاثات في كل دول العالم.