إن المهاجر المغربي المنحدر من منطقة الريف التي كانت تصنف في وقت غير بعيد ضمن أراضي المغرب غير النافع ، عندما فضل الهجرة الى أوروبا منذ نهاية الحرب العالمية الأولى الى اليوم ، كان لأسباب مختلفة ومتنوعة أهمها ، معاناته من البطالة ، و الفقر، والحرمان من بعض الحقوق الأساسية المهمة في تكوين شخصيته كإنسان . وكان من أهم أهدافه العمل لتعويض ماضاع منه ، وتغيير أوضاعه ، وتحقيق أحلامه ، و لو بالحصول على رأسمال مقبول من عرق جبينه ، الذي بإمكانه توظيفه ببلاده في مجالات مختلفة كالعقار ، أو في القطاع الفلاحي ، أو التجاري ، أو الحرفي … الخ ، لتحقيق الإستقراربوطنه ، و إعلان القطيعة مع بلاد الهجرة . إذا كان بعض المهاجرين المغاربة المقيمين بالخارج قد حققوا أحلامهم ، و نجحوا في استغلال الظروف السابقة للبلدان الأوروبية التي هاجروا إليها المخالفة تماما لأوضاعها الحالية ، بخلق مشاريع بأرض الوطن نفعتهم ونفعت أولادهم ، فإن البعض الآخرمن الذين التحقوا بها في السنين الأخيرة ، أصبحوا في وضعية لا يحسدون عليها ، ويعانون من جملة من المشاكل الناتجة عن سياسة التقشف التي أعلنت عنها تقريبا كل بلدان أوروبا الغربية ، كالبطالة ، و التهميش ، والعنصرية ، و الحرمان من بعض الحقوق والإمتيازات الأساسية ذات الطابع الإجتماعي ، كإقصاء العاطلين عن العمل بإسبانيا من التغطية الصحية الكاملة ، و المساعدات المالية على السكن ، و الإستفادة من المنح ( أيودا ) وعدم تجديد بطاقة الإقامة للمؤقتين ، و زوجاتهم وأطفالهم الذين التحقوا بهم في إطار التجمع العائلي … الخ ، وتهميش شباب الضواحي بفرنسا من أصول أجنبية ، منهم مغاربة ، وإقصائهم من بعض الوظائف رغم تفوقهم في الدراسة ، وحصولهم على شواهد عليا ، و الجنسية الفرنسية ، … الخ . الإكراهات المذكورة دفعت الكثير من المهاجرين المغاربة المنحدرين من العالم القروي خاصة ، بالعودة مع أسرهم الى أرض الوطن ، لكن ذلك لايعني تخلصهم من مشاكلهم بمجرد وصولهم ، حيث أن الكثير منهم معوزين ، ولم يستغلوا أيام الهجرة السابقة ، لمواجهة السنوات العجاف الحالية ، و أصبح شغلهم الشاغل هو الحصول على مسكن يأويهم و يأوي أطفالهم ، قبل التفكير في أية خطوة الى الأمام ، أمام صمت الوزارة الوصية على الهجرة و المهاجرين . لكن مشروعهم الصغيرالمتمثل في الحق المشروع في السكن ، يصطدم بالمادتين : 34 و 35 من قانون : 90 12 ، المتعلق بالتعمير في العالم القروي ، الذي يلزم المواطن على رخصة البناء ، وبشروط صعبة منها : أن تكون المساحة المراد بناؤها تفوق هكتار واحد . أن لا تزيد المساحة القابلة للبناء عن 1 على 5 من مجموع مساحة الأرض . إن هدف القانون المذكور من البناء برخصة في العالم القروي هو : التحكم في البناء و توجيهه ، خاصة في المناطق المحاذية للمدن و التجمعات الحضرية ، و جنبات الطرق ، و السكة الحديدية ، و الموانئ …الخ ، نظرا لأهميتها الإقتصادية ، و الإجتماعية ، و الإيكولوجية ، و كذا للقضاء على البناء العشوائي . لكن يجب التعامل مع طلبات رخص البناء بالوسط المذكور المقدمة من المواطنين المهاجرين وغير المهاجرين ، بنوع من الليونة و الإجتهاد ، كما أثبتت بعض الدوريات الصادرة سابقا عن وزارة إعداد التراب الوطني و البيئة و التعمير و الإسكان ، والزامية رخصة البناء بالقرى لايعني ضرورة اللجوء الى المهندسين ، أو التشبث بكل مقتضيات قانون : 90 12 الخاص بالتعمير بالعالم القروي ، الذي يفرض مساحة الهكتار الواحد كحد أدنى للمساحة المراد البناء عليها ، و التي لا يملكها معظم سكان القرى المغاربة من المهاجرين و غيرهم ، أو بنسبة خمس مساحة مبنية ، الا إذا كان من الضروري ، أو طلب أوراق ووثائق مكلفة ، أو غيرمتوفرة عند المواطن بالقرى التي تسود فيها أراضي الجموع ، أو الجدية ، أو عقارات و أراضي قزمية ، تعرضت للتقسيم بين الورثة عدة مرات بدون وثائق بسبب صعوبة الحصول على الملكية ، وتبقى حجتهم الوحيدة هي تصرفهم فيها لسنين ، و هذا بطبيعة الحال من العراقيل التي لا تشجعهم على طلب رخصة البناء ، وتؤدي الى البناء العشوائي ، بالإضافة الى النقص الذي يسود في القانون الحالي الذي يتميز بتعقد المساطر ، وكثرة الوثائق ، و المتدخلين في القطاع من رؤساء الجماعات القروية ، والوكالة الحضرية ، ووزارة الداخلية المتمثلة في رجال السلطة الإقليمية . إن النهوض بالعالم القروي ، من العوامل التي تؤدي الى تحقيق الإستقرار و الرخاء لسكانه ، وتشجع على الهجرة المعكوسة ( من المدن الى القرى) ، و تحفز المهاجر المقيم بالخارج الميسور على الإستثمار به ، و يعتبر أيضا كملاذ آمن لأخيه المهاجرالمعوز الذي يؤدي الآن ثمن الأزمة الإقتصادية الأوربية ، و لا يقدر على بناء سكنه بالمدن بسبب إرتفاع أسعار العقار بها ، وتعقد مساطر البناء ، أخطرها ما " يسمى بالرجوع الى الوراء " لتوسيع الشارع ( مثال : من مدينة الدريوش ) ، الذي فقد وسيفقد على إثره الكثير من المواطنين المهاجرين خاصة أمتارا كثيرة من بقعهم الأرضية التي لم تعد صالحة لبناء سكنهم بالمواصفات التي خططوا لها ، حيث لا يعقل أن يكون عرض شارع ستة أمتار و نصف ، أو سبعة أمتار منذ سنين ، ثم يأتي قانون اليوم ويأمر مواطنا له قطعة في وسطه اقتناها بمشقة ، ويرغمه على الرجوع الى ثمانية أمتار أو أكثر، وهذا بطبيعة الحال من العوامل التي تؤدي الى التحويل المعكوس لرؤوس الأموال أو تهجيرها ( من البلد الأصلي الى المهجر) ، أو الى إمتناع المهاجر على تحويلها الى بلده . إذن ، من الواجب على أصحاب القرار الحفاظ على المناطق الفلاحية ، و الغابات بالمناطق القروية النائية ، لكن لا يجب إستعمال قانون : 90 12 ، كسلاح يشهر ضد القرويين المعوزين خاصة المهاجرين منهم ، وحرمانهم من بناء مساكن تأويهم ، وتأوي زوجاتهم و أطفالهم ، فمساحة الواحد هكتار يجب أن يحدد حسب نوعية الملكية والعقار السائد ، وو ضعية التجمعات السكنية ، و مساحة البقع ، و خصوصية المنطقة أو الجهة ، نائية أو قريبة من المدن أو مرشحة للإنضمام إليها ، أو تقع على محاور طرقية مهمة … الخ ، مع الأخذ بعين الإعتباردائما حق المواطن القروي المعوز في السكن ، وتقديم كافة التسهيلات له للحصول على رخصة البناء بدون عناء ولا مشقة .