سميرة الفيزازي.. سيدة النشرة الجوية التي أقعدها المرض حبيبة أوغانيم «سميرة الفيزازي» اسم منقوش في أذهان المغاربة منذ حوالي ربع قرن مقرونا بتقديم النشرة الجوية على القناة الأولى المغربية، بقيت صامدة قوية إلى أن تكون جيل من النساء والرجال شاركها في خدمة تقديم النشرات الجوية، وكذلك بقيت صامدة قوية وهي تصارع المرض الذي أصابها قبل أشهر معدودة وأقعدها عن العمل مجبرة للخضوع للعلاج. طوال حديثها لساعات في بيتها بحي الرياضبالرباط، لم تفارق الابتسامة محياها في إشارة قوية منها إلى أنها راضية بما قسمه الله لها من المرض، صامدة قوية بذكر الله، معتزة بعملها في مهنة المتاعب منذ 1984 وخصوصا في تقديم خدمة جليلة للمشاهد متمثلة في إخباره بأحوال الطقس ليكون على استعداد مهما كان مجال عمله. بدت سميرة قوية، مستمدة قوتها من قربها من الله عز وجل، ومن التربية الأصيلة التي تربت عليها منذ أن رأت النور بمنزل عائلتها وسط حي لعري الشيخ بمدينة الناظور ونشأتها بين أحضان أسرة مغربية أصيلة، من أم ساهرة على تربية أبنائها والوقوف إلى جانب زوجها رحمه الله، وأب تقلد مهمة في السلطة نجح في المزاوجة بين ممارسة مهنته في السلطة وتربية أبنائه على الجد والانضباط. درست سميرة الفيزازي تعليمها الثانوي كما الابتدائي بمدينة الناظر والتحقت بالعاصمة الإدارية الرباط لإكمال تعليمها الجامعي، لكنها التحقت بمهنة المتعب قبل إكمال مشوارها العلمي، لتسهر على خدمة المشاهد المغربي عبر تقديم نشرة أحوال الطقس بعد خضوعها لتكوينات في المجال. تحمد سميرة الفيزازي الله عز وجل على الإقبال الذي عرفته خدماتها التلفزية من خلال تجاوب الجمهور وارتباطه بها وسؤاله عنها كلما غابت عن الشاشة ولو ليومين فقط، وهذا ما ترك في نفسها أثرا عميقا، أحست معه بثقل المسؤولية تجاه هذا المشاهد الوفي. وصفت سميرة عملها بالمهم والشاق في الوقت نفسه خصوصا قبل أن يلتحق طاقم من الرجال والنساء بهذا العمل الذي يستدعي تجندا مستمرا وصمودا من أجل المشاهد رغم حوادث المرض التي يجب أن تبقى مختفية على المشاهد. وهكذا فإن سميرة قدمت النشرات الجوية وهي تارة في حالة كسر باليد، لكنها لم تظهر للمشاهد، وتارة بيد محروقة ومغطاة دون أن يلاحظ المشاهد ذلك. وككل المهن لابد للشخص أن تقع له بعض الوقائع تبقى محفورة في ذهنه، ومنها أن سميرة مرة كانت تقدم النشرة فإذا بها وهي تتراجع إلى الوراء لتسقط من على رافعة تقام لمقدم النشرة ولحسن الحظ أن الأمر يتعلق بتسجيل قبلي وليس بتقديم مباشر، وإلا لشاهد الجمهور المغربي سقطة لن ينساها. أعطت سميرة حيزا هاما من حديثها لعلاقتها مع مديرية الأرصاد الجوية ذاكرة إياها بالشكر والثناء لخدماتها الجليلة ولمكانتها ضمن عمل مقدمي النشرات، مشيدة بعمل نساء مهندسات في المجال يشهد لهن بالكفاءة العالية والأخلاق الحميدة والتفاني في خدمة المواطن المغربي. وأشادت سميرة الفيزازي كثيرا بعمل محمد بلعوشي مسؤول التواصل بمصلحة الأرصاد الجوية الذي أحيل على التقاعد أخيرا، منوهة بعمله الجبار وتفانيه في مجاله، معتبرة إياه مرجعا لها وسندا لها لن تنسى جميله ما حييت. وقالت عن بلعوشي إنها متأكدة من أنه لن يقعد عن العمل رغم حصوله على التقاعد، لأنه يتفاني في العمل الجمعوي الذي لم يكن معروفا عنه لكونه يعمل في الخفاء. تزوجت سميرة من رجل بعيد عن مجال عملها، لكنها تعترف له بالتقدير والاحترام المتبادل والتشجيع في مسارها العملي رفقة فلذتي كبدها اللتين تدرس إحداهما بالثانوي بالرباط والثانية بالتعليم العالي بفرنسا. وتعتبر سميرة بكر أبيها من بين أربع بنات وابن نالوا كلهم شواهد تعليمية عليا ومنهم الصغرى التي م تزال تتابع تعليمها العالي. وترى سميرة أن أمن المجتمع مرتبط ارتباطا وثيقا بأمن النواة الأولى وهي الأسرة لذا فهي تؤكد على أهمية المودة والرحمة في الحياة الأسرية والاحترام والتقدير المتبادل بين الزوجين خصوصا إذا كان يعملان في مجالين مختلفين، يتعين على كل واحد أن يتفهم مجال عمل شريكه ليكون له سندا قويا. وتعتز الفيزازي أيضا بعمل الصحافيات في مختلف المجالات ومختلف الأصعدة سواء في الصحافة المكتوبة أو المرئية والمسموعة وكذا الإلكترونية، مشيرة إلى أن هناك نساء أثبتن جدارتهن باستحقاق في مسؤوليات تقلدنها في منابر إعلامية مختلفة على الصعيد الوطني والدولي. لكن سميرة آثرت وطنها على العمل خارج المغرب رغم أنها عرضت عليها مناصب ذات قيمة في قنوات فضائية عربية مشهورة وهي في قمة عطائها المهني، مؤكدة أن وطنها أعز عندها من كل الأوطان وأن خدمة وطنها أولى من الشهرة في منبر إعلامي آخر مهما كانت المغريات المادية والمعنوية. وعن مرضها تبدو سميرة قوية العزيمة راضية بقضاء الله تلجأ إليه في الليل والنهار معلنة تعلقها بالله عز وجل في الصحة والمرض، سائلة المولى عز وجل أن يطيل في هذعمرها حتى تؤدي رسالتها في الأمومة على أحسن وجه تجاه بنتيها ورسالتها تجاه أسرتها الصغيرة وعائلتها الكبيرة وتجاه وطنها من خلال العودة إلى عملها بعد تماثلها للشفاء. كان حديث سميرة متسما بالإيمان والإنسانية وهي تعاني من سرطان القولون منذ رمضان الماضي مستلحة بالأمل والحب الذي تعتبره أكبر علاج للمصاب بهذا المرض، على اعتبار أن حب الناس والمقربين يساهم ب 90 في المائة من العلاج. أثنت سميرة الفيزازي وهي تستحضر محطة اليوم العالمي للمرأة على جل النساء المغربيات سواء منهن ربات البيوت اللواتي سهرن على تربية أجيال قوية، أو العاملات خارج المنازل في مختلف المجالات مسجلات ريادتهن في ميدان الاقتصاد والعلم والسياسة والعمل المدني وغيرها من المجالات. تفاجئك سميرة الفزازي عندما تسألها عما يستهويها خارج «النشرة الجوية»: «أهوى الطبخ المغربي وقراءة مؤلفات الكاتب البرازيلي باولو كويلو والأمريكي نعوم تشومسكي والمغربي الطاهر بنجلون… آه! قبل هذا وذاك اهتم بعائلتي الصغيرة، ابنتاي لينا (17 سنة، تدرس بجامعة مدريد للتجارة والاقتصاد) وآية (13 سنة، تدرس ضمن البعثة الفرنسية بالمغرب).. وشيء آخر أمنح بعضا من وقتي للجمعيات التطوعية التي تعنى بقضايا الطفولة». وتوصي العاملات في مجال صاحبة الجلالة بالتحلي بالجدية والوفاء للمتلقي والسهر على خدمته على اعتبار أن الإعلام من أكبر المساهمين في التنشئة الاجتماعية إلى جانب الأسرة والمدرسة وغيرها من جوانب التأطير للمواطن. ودعنا سميرة الفيزازي وابتسامتها المشرقة لا تفارق محياها، ممزوجة بالدعاء بالتوفيق لكل من يقدم خدمات جليلة لهذا الوطن العزيز. فيديو حوار سميرة الفيزازي في إذاعة هيت راديو و تتحدث فيه عن معاناتها مع السرطان