نعلم من خلال البكري، أن صالحا بن منصور الحميري، إستقر في جهة تمسمان المؤهولة بقبائل صنهاجة وغمارة مختلطتين، لقد كان اسم تمسمان في البداية اسما لجهة، ولم يكن لمجتمع سكاني، ويبدو ان فروعها الحالية انحدرت من القبائل القديمة لهذا البلاد. وفقط في عهد لاحق، ومع مرور الزمن، تحولت الى قبيلة مكونة من خمسة فروع أصولها متنوعة، واحيانا متنافرة، ساد منها بعد ذلك عنصران مميزان لجهة الشمال المغربي: الغماريون والصنهاجيون، مع شيوع العنصر الطويل القامة والاشقر الغماري. فتأسيس إمارة نكور حسب ما بينه لنا البكري، فكان في بداية القرن الثاني الهجري على يد “سعيد بن ادريس بن صالح بن منصور الحميري” الذي أتم بناء المدينة التي اختطها والده ادريس بن صالح عندما كان يفكر في إقامة عاصمة جديدة لإمارة نكور بدلا من بقاءه في تمسمان. وبذلك يكون سعيد هو أول من إتخذ مدينة النكور عاصمة له، وتجدر الاشارة إلى أن النسب العربي اليمني الحميري الرسمي الذي إدعاه أمراء نكور هو شيء طبيعي للسيطرة على الحكم وهذا ماتم تبنيه من طرف مؤرخي الدولة الاموية، بسبب إختلاف الروايات التي تناولت قيام إمارة نكور، ونظرا لضعف بعضها فإن رواية اليعقوبي الذي زار نكور بعد وفاة صالح بن ادريس الذي يدعي أنه من حمير، تؤكد عن أصل الصنهاجي النفزي لمؤسس إمارة نكور. ومن المرجح أن يكون صالح بن منصور الحميري من الاوائل الذين أسلموا وتفقهوا بافريقيا ثم اسندت له مهمة إدخال بلاد الريف في الدين الاسلامي، إذ يشير الزياني إلى أنه “.. وجهه حسان بن النعمان الغساني أمير عبد الملك بن مروان بفاريقيا لفتح المغرب فنزل الريف ..” غير ان البكري وابن خلدون قدا اشارا الى ان اول قائد عربي وصل الريف أيام الزحف الاسلامي الاول هو صالح بن منصور الذي كان يعرف بالعبد الصالح، حيث صحب الجيوش برئاسة عقبة ابن نافع في حملته الاولى (50ه/55ه) 670/674م، إلا أن هذه الرواية يتحفظ منها الكثير من المؤرخين على رأسهم الزياني، حيث يؤكد أن صالح دخل من إفريقيا، وليس من المشرق العربي كما ذهب إبن خلدون وإبن الخطيب، أي أنه أمازيغي من شمال إفريقيا. ففي الفصل الذي خصصه لحدود هذه الاخيرة، والتي توافق تقريبا تراب الجهة الشرقية الحالية، يقول ” ..هي من جانب الشرق إلى زواغة جراوة الحسن بن أبي العيش، ومسافة ذلك نحو خمسة أيام. ويجاورهم من هاهنا “مطمتطة” وأهل كبدان ولمرنيسة الكدية البيضاء وغساسة أهل جبل هرك وقلوع لجرة التي لبني ورتي، وينتهي من جانب الغرب إلى قبيل غمارة يعرفون ببني مروان وبنتي حمد إليهم تنسب الحميدية، وإلى مسطاسة وصنهاجة، ومن ورائهم أوربة جزب فرحون وبنو وليد وزناتة أهل تابريدا وبنو يرنيان وبنو مراسن جزب قاسم صاحب صاع..”. وبخصوص موقع إمارة النكور فهي تقع على بعد عشرين ميلا غرب قبيلة تمسمان أي بين نهر نكور وغيس، على بعد خمسة أميال من البحر في إتجاه الجنوب، وأشار البكري إلى هذين النهرين، أنهما يتمتعان بموضع يسمى أكدال ثم يتحول إلى جداول كثيرة قبل مصبها في بالبحر. ومدينة النكور كانت محاطة بسور، لها أربعة أبواب : باب سليمان في القبلة، وباب بني ورياغل بين القبلة والجوف، وفي الغرب باب المصلى، وفي الجوف باب اليهود. إذا كانت هاته الحدود غير دقيقة، فإنها تحدد لنا بما فيه الكفاية أن الجهة التي يعتبرها البكري خاضعة لامارة نكور كانت تصل الى نهر ملوية الى الشرق، ومن جهة الغرب كانت تمتد الى ناحية بني مروان (قبيلة غمارة). ويستنتج من ذلك أن مسطاسة الموجودة الان في تراب متيوة البحر على ضفاف نهر اورنغا، التي يعود جذورها حسب ابن خلدون، الى عائلة “أزدايا” الكبيرة التي أعقبت بني صالح في مملكة النكور من سنة 1019 الى سنة 1084 ميلادية. بعد وفاة سعيد بن ادريس سنة 188 هجرية/804 ميلادية، جاء بعده إبنه صالح الذي في عهده تعرضت نكور لغارة النورمان (المجوس) القادمين من بلاد اسكندنافيا . وعقب كل حملة، كان أهل نكور ينتفضون ضد الوصاية والاستعباد والتدخل، ففي المرة الاخيرة، باغتهم القائد المرابطي يوسف ابن تاشفين سنة 473 هجرية في حملة كاسحة وأخيرة، أجهزت على ما تبقى من مدينة نكور فخربها فلم تعمر بعد، واضعا بذلك حدا لعمر هذه الامارة التي عاشت حوالي ثلاث قرون. بقلم : أشرف بلعلي رئيس نادي اليونسكو لحماية التراث بالريف قائمة المراجع والدراسات، راجع: - إبن عذاري، المراكشي: البيان في اخبار المغرب والاندلس/ – عبد الرحمن الطيبي. كتاب الريف قبل الحماية/ – أنجلو غريلي. أسلمة وتعريب بربر شمال المغرب/ – أبو عبيد الله البكري، المغرب في ذكر بلاد المغرب./ – حوليات الريف (العدد الثاني)./ – أحمد الطاهري. كتاب إمارة بني صالح./ – ابن خلدون، عبد الرحمن : كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر في ايام العرب والعجم ومن ولاهم من بلاد البربر. / الزياني، أبو القاسم : الترجمانة الكبرى في أخبار المعمور.