بذراعٍ واحدةٍ أعياهَا تأبطُ ملفٍ مثقلٍ بالشهادات والمراسلات الرسميَّة، بعدمَا بُترتْ يدهُ الثانيَّة وهوَ في ربيعهِ الخامس بسبب تعفنِّ أعقبَ سقوطهُ من أعلى الشجرة، دونَ أن يُقوَّم الكسر بطريقة طبيَّة صحيحة. يستعرضُ جمال بوشري، البالغ من العمر 37 عاماً، صورَ معاناته ذات التفاصيل المعقدة، حدَّ استغلاقهَا عن الفهم، وعيناه تغرورقان بدموعٍ تشكُو، ضعفَ الصحة، وضيقَ ذات اليد، والطردَ من وظيفة، ولجَ إليهَا بعدمَا طلبَ منه المسؤولونَ مغادرة وظيفته الأولَى بالتعاون الوطني. نعيدُ ترتيبَ حكايةٍ جمال، الساعي اليوم إِلى استرعاءَ انتباهِ المسؤولين أملاً في إيجاد حلِّ عاجل لوضعيته الاستثنائية، سيمَا أنهُ متزوج وأبٌ لطفل، ويعاني من إعاقةٍ. بحثاً عن وظيفة.. لم يكنْ فقدان اليد في سنٍّ مبكرة، لَيثنيَ ابن مدينة أوطاط الحاج عن المضيِّ قدماً في تحصيله العلميَّ، وتمكنَ بقوة الإرادة وثبات العزيمة، أنْ يحصلَ علَى البكالوريَا، ومن ثمَّ شهادة الإجازة في الأدب الإنجليزي، من كلية الآداب والعلوم الإنسانيَّة سايس بفاس عام 1999. ليسافرَ إثرهَا إلَى فرنسا بدعمٍ من إحدَى الشركاتِ التي كانَ يشتغلُ بها في المغرب، حيثُ حصلَ على الماستر في المعهد العالي للتجارة بكرونوبل، وأقفلَ راجعاً إلَى البلاد، آملاً أن تشفعَ لهُ شهادة الماستر في الظفرِ بوظيفة تنهِي معاناته مع التنقل واللاستقرار. في سنة 2011، سُرَّ جمال أيما سرور بورودِ اسمه بين لائحة الموظفين في إطار الفوج 4303 من حملة الشواهدِ العُليَا، وخالَ أنَّ مكابدتَهُ البطالةَ قد بلغت متمَّهَا، وراحَ ينتظرُ قرارَ التعيين رفقة زوجته وابنه الصغير، بيدَ أنّ المفاجأة كانتْ تأخذُ طريقَهَا إليه بتؤدة، وتلقَّى بعد ردح من الزمن اتصالاً أُخبرَ فيه أنَّ توظيفه متعذٍّرٌ بسبب عدم معادلة شهادة الماستر التي حصلَ عليهَا فِي فرنسَا، وتخفيفاً للضرر نُودِيَ عليه لاجتياز مقابلة يقررُ إثرها المشرفون، إذا ما كانَ أهلاً للتدريس داخل القسم، أم يتمُّ إرسالهُ إلى الإدارة، فكانَ أن أسندت إليه مهمة التدريس. بارقةُ أملٍ جديدة.. لاحَ بصيصُ أملِ جديد في حياة جمال، وراحَ ينتظرُ الموسمَ المقبلَ كيْ يباشرَ عمله، بيدَ أنّ اتصالاً آخر جاءهُ في شهر يوليُو، أخبرهُ فيه المسؤولونَ أنَّ لا مجالَ للحصول على وظيفة في التعليم بسببِ مشكلٍ في الشهادة، ليعيشَ الرجلُ وقعَ صدمةٍ أخرَى، لم يخففْ من وقعْهَا إلا تمكنهُ من الحصولِ على وظيفة جديدة في التعاون الوطني، بالسلمِ العاشر في تمارة حيثُ عملَ لشهرين. التعليم مرة أخرى.. بعدَ عمله لمدة شهرين في التعاون الوطني، سيعودُ توظيفهُ في التعليم مجدداً إلى الواجهة، وستنادي عليه الوزارة للاشتغال بحكم وجود خصاص. سيعتذرُ جمال لأنهُ أوجدَ عملاً وما عادتْ هناكَ حاجة إلى ما سبقَ وأن رفضَ فيه، بيدَ أنَّ المسؤولينَ أخطروهُ بأسبقيَّة منصب وزارة التربيَّة، حاثينَ إياهُ على تقديم استقالته من التعاون الوطني، وهوَ ما امتثلَ له، ليرسلَ عقبَ ذلك إلى أكاديميَّة الجهة الشرقيَّة، حيثُ عينَ أستاذاً للغة الإنجليزيَّة بفرخانة في الناظور.. وحتَّى هذه اللحظة لا تزالُ الأمورَ سائرة بشكلٍ عاديٍّ. قرار الفصل من العمل.. عملَ الأستاذ جمال طيلَة الموسم الدراسي 2011-2012، دونَ أن يتلقيَّ أيَّ أجر، وعادَ في الموسم الحاليِّ إلى العمل بالرغمِ من مشكلته الماديَّة، ممنياً النفسَ بالحصولِ يوماً مَا على أجره كاملاً، بحكم توفرهِ على جميعِ الأوراق ذات الصلة بتعيينه، إلى غايةٍ يومٍ جاءهُ فيهِ قرارٌ موقع من لدن وزير التربية الوطنيَّة محمد الوفا، فحواهُ، تعثرُ توظيفهِ في قطاع التعليم بسببِ عدمِ استيفاء الشروطِ المطلوبة. لتغدُوَ الحياة إذ ذاكَ حالكةً أمامَ جمال، الذي لم يستطعْ حتَّى اليوم أنْ يخبرَ أسرته بمَا حصل، فبعدَ أن طُلبَ من منهُ تقديمُ الاستقالة للالتحاق بالتعليم يجدُ نفسه مفصولاً بسببِ مشكل الشهادة، التي قيلَ لهُ قبل التحاقه إنَّ أمرها قد تمَّ تداركه. نداء.. منذُ توصله بالقرار، يعيشُ جمال على إيقاعِ أملٍ واحد، هوَ تسوَّية وضعيته، وهوَ لا يستنكفُ عن المجيء إلى الرباط، حيثُ تمكنَ مؤخراً بحي الليمون من التقاءِ رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران، الذي أبدَى استغرابه وَوعدهُ خيراً، فيما لا يزالُ هوَ متجولاً في شوارعِ العاصمةِ بين المؤسسات والمسؤولينَ، وأسرة في البيت تنتظرُ من يعيلُها، وجسدٌ أنهكته سنون البطالة، يرجُو حلاً عاجلاً كيْ لَا يخرجَ بخُفَّيْ حنين، بعدما تقاذفته توجيهات المسؤولين المتناقضةِ.