فضلا عن دخول البلاد سنة سادسة من جفاف حاد أقرت بها السلطات المختصة، تستمر تداعيات موجات البرد والصقيع (الجْريحة) الحالية في رفع أسعار الخضر وعدد من المنتجات الفلاحية التي تشكل موائد معظم المغاربة. وبعدما كانت أسعار الخضر الأساسية قد عرفت ارتفاعا لافتاً ألهب جيوب المواطنون، ليس فقط في أسواق البيع بالتقسيط بل حتى في أسواق الجملة، حسب ما أفاد به مهنيون أرجعوا في تصريحات متطابقة هذا الارتفاع إلى "التغيرات المناخية (حرارة مفرطة أو برد قارس) وسنوات الجفاف المتتالية"، اتجهت الأسعار نحو "الانخفاض" بشكل "طفيف"، حسب ما تم رصده. وكان بعض منتجي الخضر في جهة سوس-ماسة (إقليم اشتوكة آيت باها تحديدا) قد أعلنوا بدورهم، ضمن إفادات سابقة ، "توقف مياه السد الذي يعد مصدرا لسقي زراعتهم"، وهو ما يؤثر بقوة على الثمن النهائي لمعظم الخضر التي يُقبِل عليها المستهلك المغربي. أما على الموقع الإلكتروني الرسمي المخصص لنشر أسعار المنتوجات والمواد الفلاحية والغذائية، التابع لوزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، فقد طالعنا معطيات وبيانات مدققة تكشف "تذبذبا واضحا وعدم انتظام في أسعار بيع الخضروات"، سواء البيع بالجملة أو البيع بالتقسيط أو البيع في الأسواق الأسبوعية طيلة الأشهر الثلاثة الماضية. استقرار الأثمان مصدر مسؤول بأكبر سوق للجملة في المغرب، الواقع بمدينة إنزكان (جهة سوس-ماسة)، أكد أن "الأسعار عرفت في المجمل استقراراً منذ بداية شهر يناير، مع اتجاه واضح نحو الانخفاض في علاقة بالمعروض من الخضر الأكثر استهلاكا من طرف المغاربة". وأفاد المصدر ذاته، الذي رفض الكشف عن هويته للعموم، بأن "سوق الجملة بإنزكان شهد يوم الإثنين 8 يناير 2024 عمليات بيع صندوق الطماطم بسعر يتراوح بين 80 و180 درهما (2,70 إلى 6 دراهم للكيلوغرام الواحد)"، مؤكدا أن السعر يتفاوت "بحسب الجودة ونوعية الطماطم، وغير ذلك". أما البطاطس، فقال المتحدث إن ثمنها يظل "مستقرا" وفي انخفاض من أسبوع لآخر، مشيرا إلى أن "البصل (الأخضر) هو الآخر يبقى في المتناول"، وفق توصيفه. وفسر المصدر المسؤول بأكبر سوق للجملة أن "الثمن النهائي يرتفع كنتيجة طبيعية لغلاء النقل والمرور إلى البيع والشراء بنصف الجملة (demi-gros)، ثم منها إلى التقسيط فالمستهلك النهائي"، وهي سلسلة البيع والتوزيع العادية، التي لا تشمل تدخلات الوسطاء والمضاربين المتعلقة بالخضر رغم أن الطماطم (مثلا) "منتوج سريع التلف غير قابل للتخزين"، إلا أنها في هذه الفترة من العام تصير "مَلِكة الخُضَر". في سياق متصل، أفاد مصدر مسؤول بسوق الجملة بالعاصمة الرباط بأن "المراقبة الدورية تتم بشكل يومي لمختلف أصناف المنتجات، لا سيما جودة وأسعار الخضر الأكثر استهلاكا، وذلك كيْ تُحترم الأثمنة"، وفق توصيفه. وقال إنها "مراقبة على مستويات عدة، داخلية وخارجية"، مشددا على كونها تشمل أيضا الوكيل المسؤول على استخلاص العمليات التجارية. وصرح المصدر ذاته (رفض ذكر اسمه) بأن "الطماطم بلغت بالجملة يوم الاثنين 8 يناير الجاري سِعرا بين 9 و12 درهما للكيلوغرام"، مؤكدا أنها "تمر حاليا من فترة نقص في المعروض بسبب موجات الصقيع القاسية"، بينما بيعت البطاطس ب 4 إلى 6 دراهم، والبصل (اليابس) تراوح ثمنه بين 5 و6.5 دراهم. واعتبر المتحدث المتابع لتقلبات الأسواق الفلاحية أن "زائد درهمين إلى 3 دراهم التي تصل بها الخضر إلى المستهلك، يتحكم فيه أساسا عامل غلاء المحروقات ومصاريف النقل"، مستحضرا أثر "ظواهر المناخ المتطرفة التي تحالف فيها البرد مع الجفاف وموجات حرّ قياسية"، مثيرا أيضا تأثيرا محتملا ل"دينامية التصدير إلى الخارج". بخصوص الوسطاء، أقر المتحدث بوجود "شبكات للمضاربين في الخضر والمنتجات الفلاحية" طيلة سلاسل التوزيع والبيع قبل وصولها إلى المستهلك، مؤكدا "تكثيف مراقبة المواد الفلاحية والغذائية الأكثر استهلاكا لضمان تموين مستمر وكاف للأسواق" مع اقتراب شهر رمضان. البرد وقانون السوق اعتبر الحسين أضرضور، رئيس الفيدرالية البيمهنية لمنتجي ومصدّري الخضر والفواكه بالمغرب، أن "موجة البرد المستمر عامل أساسي في الأسعار الحالية، لا سيما بالنسبة لمنتوج الطماطم"، مشددا على تأثير فترة "الليالي" على نمو المحاصيل الفلاحية. وذكر أضرضور، ضمن تصريح ، أن "الأثمنة بالنسبة للخضر تظل مستقرة رغم نقص طفيف في المعروض"، الذي يخضع لقانون السوق (العرض/الطلب)، وهو ما يستدعي "عدم التهويل". "بحلول بداية فبراير المقبل، قد تنخفض الأسعار أكثر"، يطمئن الفاعل المهني في مجال إنتاج الخضر بالمغرب، مبرزا أهمية "تكثيف وتعزيز مراقبة الأسواق بالجملة وكذا بالتقسيط؛ لأن شبكات الوسطاء تنتهز ارتفاع الأسعار في فترات ما كي لا تخفضها لاحقا رغم انخفاض السعر المعمول به في الجملة".