الوزير قيوح يدشن منصة لوجيستيكية من الجيل الجديد بالدار البيضاء    حقائق وشهادات حول قضية توفيق بوعشرين مع البيجيدي: بين تصريحات الصحافي وتوضيحات المحامي عبد المولى المروري    دراسة تكشف آلية جديدة لاختزان الذكريات في العقل البشري    الدورة ال 44 لمجلس وزراء الشؤون الاجتماعية العرب بالمنامة .. السيد الراشيدي يبرز الخطوط العريضة لورش الدولة الاجتماعية التي يقودها جلالة الملك    حصيلة سنة 2024.. تفكيك 123 شبكة لتنظيم الهجرة غير النظامية والاتجار في البشر    الدكتور هشام البوديحي .. من أحياء مدينة العروي إلى دكتوراه بالعاصمة الرباط في التخصص البيئي الدولي    التجمع الوطني للأحرار يثمن المقاربة الملكية المعتمدة بخصوص إصلاح مدونة الأسرة    فرض غرامات تصل إلى 20 ألف درهم للمتورطين في صيد طائر الحسون بالمغرب    الدفاع الحسني يهزم الرجاء ويعمق جراحه في البطولة الاحترافية    38 قتيلا في تحطم طائرة أذربيجانية في كازاخستان (حصيلة جديدة)    رحيل الشاعر محمد عنيبة أحد رواد القصيدة المغربية وصاحب ديوان "الحب مهزلة القرون" (فيديو)    المهرجان الجهوي للحلاقة والتجميل في دورته الثامنة بمدينة الحسيمة    انقلاب سيارة على الطريق الوطنية رقم 2 بين الحسيمة وشفشاون    المغرب الرياضي الفاسي ينفصل بالتراضي عن مدربه الإيطالي غولييرمو أرينا    رئيس الرجاء يرد على آيت منا ويدعو لرفع مستوى الخطاب الرياضي    الإنتاج الوطني من الطاقة الكهربائية بلغ 42,38 تيراواط ساعة في متم 2023    تنظيم الدورة السابعة لمهرجان أولاد تايمة الدولي للفيلم    الندوة 12 :"المغرب-البرتغال. تراث مشترك"إحياء الذكرىالعشرون لتصنيف مازغان/الجديدة تراثا عالميا. الإنجازات والانتظارات    حركة حماس: إسرائيل تُعرقل الاتفاق    أخبار الساحة    الخيانة الزوجية تسفر عن اعتقال زوج و خليلته    روسيا: المغرب أبدى اهتمامه للانضمام إلى "بريكس"    عبير العابد تشكو تصرفات زملائها الفنانين: يصفونني بغير المستقرة نفسياً!    السعودية و المغرب .. علاقات راسخة تطورت إلى شراكة شاملة في شتى المجالات خلال 2024    برلماني يكشف "تفشي" الإصابة بداء بوحمرون في عمالة الفنيدق منتظرا "إجراءات حكومية مستعجلة"    الريسوني: مقترحات مراجعة مدونة الأسرة ستضيق على الرجل وقد تدفع المرأة مهرا للرجل كي يقبل الزواج    التنسيق النقابي بقطاع الصحة يعلن استئناف برنامجه النضالي مع بداية 2025    تأجيل أولى جلسات النظر في قضية "حلّ" الجمعية المغربية لحقوق الإنسان    بعد 40 ساعة من المداولات.. 71 سنة سجنا نافذا للمتهمين في قضية "مجموعة الخير"    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    ابتدائية الناظور تلزم بنكا بتسليم أموال زبون مسن مع فرض غرامة يومية    جهة مراكش – آسفي .. على إيقاع دينامية اقتصادية قوية و ثابتة    برنامج يحتفي بكنوز الحرف المغربية    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها بأداء إيجابي    مصرع لاعبة التزلج السويسرية صوفي هيديغر جرّاء انهيار ثلجي    نسخ معدلة من فطائر "مينس باي" الميلادية تخسر الرهان    لجنة: القطاع البنكي في المغرب يواصل إظهار صلابته    ماكرون يخطط للترشح لرئاسة الفيفا    بطولة إنكلترا.. ليفربول للابتعاد بالصدارة وسيتي ويونايتد لتخطي الأزمة    نزار بركة: 35 مدينة ستستفيد من مشاريع تنموية استعدادا لتنظيم مونديال 2030    مجلس النواب يصادق بالأغلبية على مشروع القانون التنظيمي المتعلق بالإضراب    مجلس النواب بباراغواي يصادق على قرار جديد يدعم بموجبه سيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية    باستثناء "قسد".. السلطات السورية تعلن الاتفاق على حل "جميع الفصائل المسلحة"    تقرير بريطاني: المغرب عزز مكانته كدولة محورية في الاقتصاد العالمي وأصبح الجسر بين الشرق والغرب؟    تزايد أعداد الأقمار الاصطناعية يسائل تجنب الاصطدامات    مجلس النواب بباراغواي يجدد دعمه لسيادة المغرب على صحرائه    ضربات روسية تعطب طاقة أوكرانيا    وزير الخارجية السوري الجديد يدعو إيران لاحترام سيادة بلاده ويحذر من الفوضى    السعدي : التعاونيات ركيزة أساسية لقطاع الاقتصاد الاجتماعي والتضامني    ارتفاع معدل البطالة في المغرب.. لغز محير!    طبيب يبرز عوامل تفشي "بوحمرون" وينبه لمخاطر الإصابة به    ما أسباب ارتفاع معدل ضربات القلب في فترات الراحة؟    "بيت الشعر" يقدم "أنطولوجيا الزجل"    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جدلية العلم والدين في الخطاب الإسلامي..1/4
نشر في أريفينو يوم 29 - 11 - 2012


( متابعة الحوار مع الأستاذ الحقوني مرزوق)
توضيح لابد منه:
قبل أن أبدأ حديثي هذا أرجوك – أيها القارئ الكريم – أن تشك في كل كلمة وجملة تأتي على قراءتها في السطور الموالية وأن تحاول بكل هدوء أن تجد البراهين التي تعدل وتضيف لما أقوله أو تثبت خطأي. كما أرجوك أن تعتمد العقل بدل العاطفة في قراءتك لمحتويات هذا المقال النقدي المتواضع الذي يحمل وجهة نظر شخصية تدعي أنها محايدة وموضوعية ، وهي بذلك – ربما – ستكون مخالفة تماما لقناعاتك وتصوراتك حول القضايا والإشكالات التي نطرحها عليك من أجل البحث وإعادة التفكير بشأنها. كما نرجوك أن لا تكن سريعا في إصدار أحكامك التي سوف لا تغير شيء من واقع الحقيقة التاريخية والدينية التي يحملها هذا المقال، ومن هنا نرجو منك عدم إصدار أي حكم مهما كان نوعه( يوافق أو يعارض) إلا بعد قيامك بالأمور التالية، وبعد ذلك فقط يحق لك أن تقول ما تشاء.
أولا: قراءة حلقات هذا المقال بكاملها، حيث سيتم نشره على شكل أربعة حلقات متتابعة.
ثانيا: تأكد من صحة المراجع التي تم اعتمادها في إعداد وكتابة هذا المقال / الرد، التي هي بالمناسبة مراجع سنية معروفة ومتداولة ، ماعدا مرجعين فقط : الأول هو كتاب ” الإسلام وإيران ” لصحابه أية الله مرتضى المطهري، والثاني هو كتاب ” الإسلاميون وأمريكا تحالف ضد أوربا ” لصحابه أليكساندر ديل فال/ ترجمة مصطفي أعراب . ونشير هنا إلى أن مسألة المراجع لها أهمية قصوى لمعرفة مصدر المعلومات والمعطيات التي يتم تقديمها واعتمادها في تقييمنا ونقدنا للمواضيع التي نقترحها للتداول والنقاش الفكري العمومي. فعندما نقرأ مثلا في كتب التراث الإسلامي على أن الإسلام دين الحرية والمساواة ، أو نقرأ أيضا إن الإسلام يعترف بالحرية الدينية حيث يتم في هذا السياق ذكر العديد من الآيات القرآنية التي تنص على ذلك دون أن يتم تناول أسباب وظروف نزولها، ولا حتى مرحلة نزولها( هل هي مكية أم مدنية؟)، بل ونقرأ كذلك عن الجرائم التي ارتكبها المسلمون في حق الشعوب التي استعمروها بذريعة نشر الدين الجديد، حيث مارسوا أبشع أنواع القتل والتعذيب في حق هذه الشعوب، ومنها الشعب الأمازيغي. هذا بالإضافة إلى ممارستهم لمختلف أشكال وأنواع التمييز الديني ضد النصارى، واليهود، والمشركين، وغيرها من الجماعات والفئات التي تعتقد بمعتقدات أخرى غير الإسلام. عندما نقرأ هذه الأمور كلها نصاب بالحيرة والدهشة أمام فداحة التناقضات التي يحويها التاريخ والفقه الإسلاميين ، حيث لا ندري أين تكمن الحقيقة: هل تكمن في الرأي الأول أم في الرأي الثاني؟ كما لا ندري من هو المسؤول عن الجرائم التي ارتكبت باسم الإسلام؟
وحينما نقول أن التاريخ الإسلامي هو تاريخ التناقضات والمواجهات الدموية بين المسلمين والغير المسلمين من جهة، وبين المسلمين أنفسهم أيضا ( الحروب الأهلية مثلا) من جهة ثانية ، ونقول أيضا أن الفقه الإسلامي هو تاريخ صراع المذاهب والفرق الإسلامية، حينما نقول رأينا هذا نتهم بمناهضة الإسلام وغيرها من التهم السخيفة التي لا أساس لها من الصحة أطلاقا. لكن الغريب في الأمر هو أن هذين الرأيين، المذكورين سابقا ( الرأي المدافع عن وجود الحرية والمساواة في الإسلام والرأي القائل بالعكس)، ينتميان إلى نفس المرجعية( القرآن والسنة)، بل إلى نفس المذهب والتيار كذلك (أهل السنة والجماعة )، والسؤال المطروح هنا هو التالي : إذا كان الإسلام يقر بالمساواة والحرية الدينية فلماذا مارس المسلمون التمييز الديني ضد الديانات الأخرى؟ ولماذا لا يسمح للمسلمين بتغيير مذاهبهم ودينهم؟
لهذه الأسباب وغيرها نضم صوتنا إلى الأصوات المطالبة بتجديد قراءة الفقه الإسلامي عامة، والفقه السياسي خاصة، باعتبارها ضرورة دينية وحضارية استوجبتها ظروف العصر وراهنية المسلمين المتربعين على قمة التخلف والتطرف الديني. وذلك لكون أن العديد من الأحكام التشريعية والتفسيرات الفقهية التي وضعها علماء الإسلام مند قرون خلت أصبحت غير مناسبة لظروف وسياقات عصرنا، وبالتالي فإنها متجاوزة وغير صالحة لهذا العصر بتاتا. عندما نقول هذا الكلام نتهم بالكفر ومعاداة الإسلام وغيرها من التهم المجانية، لكن السخيف في الأمر هو أن الذين يتهموننا بالكفر ومعاداة الإسلام يجهلون التاريخ الحقيقي للإسلام والفقه الإسلامي( لا نتحدث على عامة الناس فقط وإنما على المتعلمين والداعين للإسلام كذلك). فالكثير منهم مثلا يصابون بالهستريا عندما يعلمون أن الرسول (ص) قد تزوج عائشة وهي طفلة في السادسة من عمرها ونكحها وهي في التاسعة من عمرها حسب مختلف الروايات التاريخية، ومنها رواية الدكتورة عائشة عبد الرحمان ( بنت الشاطئ) في كتابها الشيق” نساء النبي ” الصادر عن دار المعارف الطبعة الثانية، ص 78 . وأيضا رواية الدكتور أحمد بن شعبان بن أحمد التي أصدرها في كتاب تحت عنوان ” نساء حول الرسول (ص) ” عن دار الصفا سنة 2006 (انظر ص 87). أو عندما يعلمون مثلا أن أحد ” المجرمين ” الذين قتلوا الخليفة الثالث عثمان بن عفان هو ابن الخلفية الأول، أو عندما يعلمون مثلا أن عمر بن الخطاب قد أوقف العمل بالنص القرآني عدة مرات أثناء فترة توليه الحكم ، أو عندما يعلمون كذلك أن احد الفقهاء السنة الأربعة المشهورين قد أباح شرب الخمر ..، وهكذا دواليك.
والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة هو: كيف يمكن لنا الانسجام مع تطورات العصر في ظل استمرار العمل بالفقه الإسلامي الموجود حاليا؟
فإذا كان الرسول (ص) قد تزوج عائشة وهي ماتزال طفلة صغيرة، فهل يمكن الاستمرار الآن في إصدار فتاوى ” المفاخذة ” وتزويج الصغيرات كما يحصل في اليمن والمغرب( فتوى الشيخ المغراوي مثلا) وغيرها من مناطق العالم الإسلامي؟ وإذا كان عمر بن الخطاب قد اجتهد مع وجود النص وهو مازال قريبا من عهد الرسول، كما أن ظروف حكمه لم تتغير كثيرا عما كانت عليه إبان أيام وجود الرسول(ص)، فلماذا لا نجتهد نحن الآن علما أن المسافة الزمنية التي تفصلنا عن زمن عمر بن الخطاب تجاوزت أربعة عشر قرنا؟
ثالثا: تأكد من انحيازك التام للعقل وليس العاطفة أثناء قراءتك للمقال، الذي نحاول من خلاله استفزاز عقلك من أجل أن تبدأ النبش والبحث في تاريخك وفقهك الإسلاميين وان لا تظل أسير خطب الفضائيات أو خطب أئمة السلطة.
ومن القضايا التي ينبغي، في تقديرنا الخاص، مراجعتها في الوقت الراهن هي قضية العلاقة بين الدين والسياسية، نظرا لما لهذا الموضوع من الأهمية البالغة في حياتنا اليومية، فإذا أردنا التغيير بالفعل، وأردنا كذلك خيرا لديننا فلا مناص لنا من الفصل بين السياسي والديني. طبعا، هناك قضايا أخرى يجب أن يتم إعادة النظر فيها، وهي القضايا التي سنحاول في الصفحات القادمة طرحها ومناقشتها بالعقل والحجة، سواء عبر فحصها وتحليلها أو عبر طرح الأسئلة بشأنها، حيث أننا سنسعى إلى طرح الأسئلة أكثر مما سنسعى إلى تقديم الإجابات، لكنها أسئلة شائكة ، أسئلة تستوجب إجابات واضحة وحاسمة أيضا. وذلك من اجل تصحيح – قدر الإمكان – بعض المعتقدات والتصورات السياسية التي يقدمها الخطاب السياسي الإسلامي على شكل حقائق ومسلمات دينية يحرم الاقتراب منها ، فكل من يقترب منها يتم الطعن في شرفه ودينه، وبالتالي قطع الطريق على كل من يستعمل الدين لأغراض سياسية دنيوية.
انطلاقا مما سبق ذكره سنحاول – قدر المستطاع – عرض محاور ومواضيع هذا المقال بشكل هادئ وبعيدا عن لغة التعصب والتهجم والتخوين، وذلك لما لها من الأهمية في حياتنا العامة والخاصة. وبالتالي فإننا نرجوك أيها القاري الكريم أن لا تصرع في إصدار حكمك كما قلنا، وإنما ندعوك إلى البحث في الأفكار والمواقف التي يحملها هذا المقال قبل أن تصدر أي حكم قد لا يفيدنا في شيء ، كما أنه سوف لا يغير شيء من بعض الحقائق التي يتضمنها هذا المقال، حيث أن الكثير من الأفكار التي ستكتشفها بعد حين – ربما – هي أفكار تتناقض كليا مع قناعتك وثقافتك الدينية تجاه المحاور التي سنعرضها عليك للنقاش الهادئ والحوار الديمقراطي.
1: حول المنطلقات الفكرية:
في سياق الحوار الدائر بيني وبين الأستاذ الحقوني مرزوق حول جملة من القضايا الفكرية والتاريخية، نرى أنه من المفيد، دون ريب، أن نقدم في مستهل هذا الحديث بعض التوضيحات الضرورية حول المنطلقات الفكرية التي تؤثث لتصوراتنا ومواقفنا تجاه مجمل القضايا الفكرية التي نتعرض لها بالتحليل والنقد في حوارنا الفكري الهادئ مع ضيفنا وزميلنا الحقوني. وذلك نظرا لأهميتها القصوى في صياغة وتحديد نظرتنا ورؤيتنا للقضايا التي نود مقارعتها بالحجة والدليل.
وبعد استئذانه (= الحقوني) سنحاول في الصفحات الموالية من هذا المقال تقديم بعض الملاحظات الأساسية حول ما جاء في مقال الضيف(= الحقوني) تحت عنوان ” الإسلام والعلمانية بين الذاتية والموضوعية” المنشور على الموقع الإخباري ” دليل الريف”. لعلها؛ أي التوضيحات والملاحظات التي نروم إلى تقديمها لاحقا ، ستحيلنا – ربما – على فهم الكثير من الأمور والقضايا المثيرة للجدل والنقاش بيني وبين الكاتب، التي غالبا ما أسيء فهمها، وبالتالي، ستجلى الكثير من الغموض والالتباس الذي لف الأفكار والمواقف التي نعبر عنها بكل مسؤولية وموضوعية. وقبل أن نشرع في تقديم ما اشرنا إليه، نود أولا الوقوف عند نقطتين أساسيتين في مسألة الحوار الدائر بيني وبين الحقوني، الأولى تتعلق بطبيعة ونوعية هذا الحوار ، والثانية تتعلق بمضمونه، أو بعبارة أخرى تتعلق بنوعية النقد الذي يجب أن نمارسه حتى يكون الحوار هادئا وعقلانيا يستفيد منه الجميع، وهي الغاية التي نرجوها أولا وأخيرا.
فعلى مستوى النقطة الأولى نؤكد على أن الحوار الدائر بيني وبين الحقوني هو في الأساس حوار في التاريخ والسياسة والفكر وليس حوار في الدين والإيمان والعقيدة. هذا بالرغم من التداخل والتشابك الشديد بين هذه المواضيع التي تصل أحيانا إلى حدود التمازج والانصهار الكلي، حيث عادة ما ينتج عنه الاضطراب وسوء الفهم، لهذا نجد أن المرء عادة ما لا يفرق بين الدين والتاريخ مثلا. فحول هذا الموضوع يقول المفكر والباحث الإسلامي المستشار محمد سعيد العشماوي أن الإسلام غير التاريخ، حيث نقرأ في كتابه القيم ” الخلافة الإسلامية ” ما يلي (( الإسلام هو المبادئ والتعاليم التي بشر بها النبي (ص) والكائنة في القرآن الكريم أو القائمة في السنة الثابتة الصحيحة. أما تاريخ الإسلام فهو التاريخ السياسي – من مناظير مختلفة، والتاريخ الاقتصادي – من رؤى متباينة، وتاريخ الحركات الثورية السرية – من كتابات متنوعة، وتاريخ المذاهب – من زوايا عدة، وتاريخ الفكر – من اتجاهات متغيرة..وهذا التاريخ وقع من بشر، وسجله بشر، له أفكاره ومطامعه ومطامحه ودوافعه وأغراضه وأسبابه؛ فهو قد يخطئ، وقد يصح وقد لا يصح؛ ذلك أنه عمل بشري يختلف عن الإسلام ذاته.. )).(1)
ومسألة الخلط بين الدين والتاريخ، أو بين الدين والسياسة ، أو بين الإيمان والقعيدة، أو بين الدين والفكر، أو بين الشريعة والفقه، أو بين الاجتهاد والبدعة، أو بين العلمانية والإلحاد، أو حتى بين الشريعة وأحكامها (= الحدود) ..الخ، هو خلط ناتج – أساسا – عن التفسير والتأويل السياسي للدين الذي تم توظيفه لأغراض سياسية، وهو الأمر الذي نتج عنه دمج السياسة في الدين والعكس كذلك، فكل نظام سياسي يستمد شرعيته من الدين هو نظام دكتاتوري بالضرورة، وكل من خضع الدين للسياسية فهو منافق ومخادع، حيث يكفي أن نلقي نظرة على التاريخ السياسي للدولة الإسلامية مند عهد الخلفاء الراشدين إلى يومنا هذا، لنعرف مدى الخراب والدمار الذي تسبب فيه دمج السياسة بالدين، بمعنى ممارسة السياسة في الدين وممارسة الدين في السياسة (2)، فمن المعروف أن الصحابة والفقهاء، ورجال السلطة لم يختلفوا مثلا في أصول الدين. كما لم يختلفوا كذلك في أركان الإسلام التي أوجدها الأمويين إبان توليهم الحكم لأهداف سياسية محضة(3)، لكن ورغم ذلك اقتتلوا فيما بينهم اشد الاقتتال نتيجة دمج السياسة بالدين، والدين بالسياسة ( حروب الفتنة مثلا)، ولهذا السبب أيضا تعرض فقهاء المسلمين لشتى أنواع التعذيب، كما تعرضوا للقتل والنفي..الخ، سواء في العصور القديمة أو الحديثة، ومنهم على سبيل المثال فقط: أبو حنيفة، واحمد ابن حنبل، وأبو حيان التوحيدي، وابن الراوندي، وابن رشد، وابن سنا، وفرج فودة، وحسين مروة ونصر حامد ابوزيد وغيرهم كثيرون.
وعندما نقول أن سبب الاقتتال الداخلي بين المسلمين، أو أن ما تعرض له فقهاء المسلمين من التعذيب والقتل والسجن عبر مختلف عصور الدولة الإسلامية كان بسب دمج السياسة في الدين، والدين في السياسية، فإننا نعي جيدا أمرين جوهريين في الموضوع، أولهما هو أن الإسلام دين وعقيدة، وليس دين ودولة كما يشاع في أدبيات الحركة الإسلامية الرامية إلى الحكم والهيمنة على الدولة والمجتمع باسم الدين، ولو كان غير هذا لما اقتتل المسلمون فيما بينهم حول أمور الحكم والسلطة. ومن هنا يمكن القول أن ما حدث في التاريخ الإسلامي من الحروب الأهلية بين المسلمين، ومنها: حروب ” الردة ” بقيادة أبي بكر الصديق الخليفة الأول، والحروب التي اندلعت بين علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان، ( معركة صفيين) (4)، وبين علي بن أبي طالب وطلحة والزبير بقيادة عائشة (معركة الجمل) (5)، ومعركة كربلاء وحروب الطوائف بالأندلس وغيرها من الوقائع التاريخية، وأيضا ما تعرض له الفقهاء/ العلماء من التعذيب والقتل عبر مختلف عصور الإسلام، هذه الأحداث كلها كانت نتيجة دمج السياسية بالدين ، والدين بالسياسة، وليست نتيجة خلاقات دينية/ إيمانية كما يشاع في بعض الكتب التراثية.
حول هذا الموضوع يقول المفكر والباحث المصري محمود سيد القمني ما يلي ” في النهاية فإن كل هذا الصراع كان على دنيا وجاه وسياده ومناصب لا على دين. لأننا لو قلنا انه كان صراعا حول الإسلام، فإن فريقا من الفريقين المتصارعين يكون كافرا بينما هو من المبشرين بالجنة”(6).
وتنبغي الإشارة هنا إلى عدم وجود تصور سياسي في الإسلام بالمعنى المتعارف عليه الآن في العلوم السياسية، فكل ما هو موجود في هذا الشأن هو اجتهاد بشري فقط. ففي هذا الموضوع يقول علي عبد الرزاق (( والحق أن الدين الإسلامي بريء من تلك الخلافة التي يتعارفها المسلمون، وبريء من كل ما هيأوا حولها من رغبة ورهبة، ومن هز وقوة. والخلافة ليست في شيء من الخطط الدينية، كلا ولا القضاء ولا غيرهما ومن وظائف الحكم ومراكز الدولة. وإنما تلك كلها خطط سياسية صرفة، لا شأن للدين بها، فهو لم يعرفها ولم ينكرها/ ولا أمر بها ولا نهى عنها، وإنما تركها لنا، لنرجع فيها إلى أحكام العقل، وتجارب الأمم، وقواعد السياسية)) (7). ونقرأ نفس الكلام – تقريبا – للكاتب المغربي عبد الإله بلقزيز حيث قال في كتابه ” السلطة والمعارضة ” (( فليس في نص القرآن الكريم ما يقطع بأن نظام الدولة في الإسلام إنما ينبغي أن يقوم على مقتضى الشريعة، بل ليس فيه ما ينص على شكل ذلك النظام ومضمونه..)) (8). وفي نفس الإطار يقول سعد الدين العثماني (( أن الإسلام لم يضع شكلا محددا للحكم ولا لمشاركة المواطنين فيه، بل ترك ذلك للإبداع البشري وتطوره بحسب ما تمليه مسيرة الإنسان الحضارية..)) (9). ونفس الكلام يقوله أيضا زميله في حزب العدالة والتنمية عبد العلي حامي الدين حيث أورد يقول (( توفي الرسول عليه الصلاة والسلام ولم يترك وصية بمن يخلفه، ولم يترك كتابا يحدد فيه شكل الدولة وطبيعة النظام السياسي الذي ينبغي أن يسير عليه المسلمون من بعده، ومن تم ليس في الإسلام تحديد لنظام الحكم الواجب اتباعه، وكل نظام سياسي يحقق العدل والشورى والحرية والمساواة والكرامة والتقدم، فهو ينسجم تماما مع مقاصد الإسلام وشريعته )) ( انظر كتاب ” دستور 2011 بين السلطوية والديمقراطية ” ص 90).
وثانيهما هو أن الدين يحثنا على الاجتهاد والبحث في أمور الدين والدنيا، وبالتالي فإنه قد ترك لنا مساحة للاختلاف والتنوع، ففي القرآن مثلا هناك العديد من الآيات التي تحث الإنسان على الاجتهاد والبحث، ومنها الآية 9 :122 من سورة التوبة حيث يقول تعالى في كتابه الحكيم { فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين}، فكلمة (( ليتفقهوا )) تفيد الاجتهاد والبحث في أمور الدين والدنيا. وفي السنة النبوية هناك أيضا العديد من الأحاديث التي تحث على الاجتهاد، وخاصة في أمور الدنيا. ففي حديث رواه مسلم في صحيحه، قال، قال الرسول (ص) (( إذا أمرتكم بشيء من دينكم فخذوا به، وإذا أمرتكم بشيء من رأيي فإنما أنا بشر))، ثم أن الآية الكريمة { وشاورهم في الأمر } (10)، تفيد وتؤكد أمرين، الأول هو ضرورة الاجتهاد في أمور الدنيا، والثاني هو أنها تؤكد بما لا يدعى مجالا للشك بأن أمور السلطة والحكم هي من أمور البشر وليست من الدين، فلو كان وحيا لما قال الله لنبيه الكريم ” شاورهم في الأمر” حيث أن الأمور الدينية/ الوحي لا يشاور فيها الأنبياء وبالأحرى عامة البشر. ومن هنا نستطيع القول أن لا القرآن ولا الرسول (ص) قبل موته حدد شكلا خاصا للخلافة وبالتالي فإن كل الأحاديث التي تتعلق بالسياسة هي أحاديث غير صحيحة ومنها الحديث القائل ” عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين” وكذلك الحديث القائل ” الإمامة في قريش “.
هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى هو نتيجة كذلك اعتماد أغلبية فقهاء الإسلام على المنهج النقلي الاستنباطي وليس المنهج العقلي الاستقرائي في تعاملهم مع الدين عموما، والتشريع على وجه الخصوص، وهو المنهج القائم – أساسا – على استنباط أحكام ومقاصد النصوص الدينية ( القرآن والحديث) دون أن يسعى إلى استقراء الواقع الاجتماعي والتاريخي للمسلمين، وبالتالي معرفة الظروف والمشاكل الاجتماعية والاقتصادية والحضارية التي يعيشها الإنسان المسلم، حيث أن المجتمع في تطور مستمر لا يعرف التوقف والانتظار، وهنا يكمن الفرق بين الفقيه والمفكر، وبين الدين والفكر.
لقد كان عمر بن الخطاب هو أول قائد وزعيم عربي إسلامي انتبه إلى مسألة تطور وتحول المجتمع ” الإسلامي ” عقب توليه الحكم بعد وفاة أبي بكر الصديق( الخليفة الأول)، حيث لاحظ أن بعض الأحكام الواردة في القرآن لم تعد ملائمة للتطبيق قي سياق الظروف التي كان يتولى فيها الحكم؛ أي أن الزمن تجاوزها ولم تعد صالحة للعمل بها، ومن ثم لم يطبقها أثناء فترة حكمه، ومنها مثلا: دفع الأموال إلى المؤلفة قلوبهم، وتطبيق حد السرقة وغيرها من الأمور التي خالف فيها هذا الصحابي الجليل أوامر القرآن، ومن ثم فإنه لم ينصاع لكلام الله الذي يوصينا بالطاعة له ولرسوله الأعظم، حيث قال في كتابه العزيز { قل أطيعوا الله وأطيعوا الرسول }(11)، وفي ظل هذه الحقيقة التاريخية هل يمكن اعتبار عمر بن الخطاب كافرا لكونه لم يطبق ما جاء في القران من الأحكام الشرعية القطعية التي لا تقبل التأويل والجدل وفق قواعد الفقه الإسلامي؟
في هذا المستوى من التحليل نلاحظ أن الإسلام السياسي الساعي إلى الحكم والهيمنة على الدولة والمجتمع باسم تطبيق الشريعة، سواء عبر العنف أو الانتخابات، لا يقوم بتحرير الوعي من عوائق التقليد والتأخير، بحيث أن شروط وقواعد الفقه تختلف من مرحلة إلى أخرى، أو هكذا يجب أن يكون عليه الأمر، وذلك لسببن رئيسين، الأول هو أن القرآن جاء للعالمين، والثاني هو أنه لا يمكن الحديث عن صلاحية القرآن لكل زمان ومكان إذا ما لم يتم تغيير قواعد وشروط الفقه، أو بالأخرى تغيير الفقه الإسلامي بفقه جديد يناسب ظروف العصر الذي نعيشه. وذلك لكون أن الفقهاء الذين أنتجوا الفقه الإسلامي خلال العصور الأولى لظهور الدولة الإسلامية أنتجوه وفق شروط وظروف عصرهم، وفي سياق بيئة ومجتمع عربي صحراوي قبلي بامتياز، بالرغم أن القرآن يتحدث عن الأمة وليس الجماعة، ويتحدث عن العالم وليس القبيلة ، فمجتمع مكة أو الشام آنذاك ليس هو مجتمع كندا أو برلين الآن.
إن الظروف الموضوعية التي شهدت ولادة الفقه الإسلامي لم تعد قائمة وموجودة الآن، كما أن البيئة التي شهدت ولادة الفقه الإسلامي تغيرت هي أيضا ( مجتمع مكة آنذاك ليس هو مجتمع مكة اليوم)، وبالتالي ما كان جائزا ومقبولا آنذاك لم يعد كذلك الآن، الم يقل النبي صلوات الله عليه ” انتم أدرى بشؤون دنياكم “، فالرسول (ص) يؤكد هنا على مبدأ الاجتهاد وفق مبدأ تطور حياة الإنسان ومجتمعه، وهذا المبدأ من أبرز سنن الحياة على الإطلاق.
سبق الإشارة إلى إن الإسلام السياسي الساعي إلى الحكم والهيمنة على الدولة والمجتمع لا يقوم بتحرير الوعي من عوائق التقليد والتأخير، حيث عادة ما نجده ينادي بتطبيق أحكام الشريعة(= الحدود) ولا ينادى مثلا بتطبيق الشريعة التي هي بدون شك أعظم شانا من مسألة تطبيق الحدود فقط، حيث أن الحدود هي جزء من الشريعة وليست هي الشريعة نفسها، وبالتالي فإنه يسعى إلى تطبيق حدود الشريعة كما هي موجودة في النص مند أزيد من أربعة عشر قرنا دون أي اجتهاد يذكر في هذا المجال. هذا بالإضافة إلى ضرورة توفر الشروط الموضوعية الملزمة دينيا لتطبيق حدود الشريعة التي لا نختلف حولها من حيث المبدأ، حيث أن الإسلام السياسي عادة ما ينادي على سبيل المثال بتطبيق حد السرقة دون أن يبحث في أسباب انتشار السرقة داخل المجتمعات ” الإسلامية”، ودون أن يفكر أيضا في تجربة وقف عمر بن الخطاب العمل بحد السرقة أيام توليه الخلافة الإسلامية رغم أن هذه العقوبة تعتبر من الأمور القطعية في مجال التشريع الإسلامي. كما نجده يطالب أيضا بتطبيق حد الزنا ويتغاضى عن موضوع ملكت الإيمان ، بل أنه لا يبحث حتى في أسباب عزوف الشباب عن الزواج وبروز ظاهرة العنوسة في المجتمع ” الإسلامي”، وهكذا دواليك.
وكنتيجة لما سبق ذكره حول مسألة الخلط بين المواضيع التي ذكرناها سابقا، وخاصة بين الدين والثقافة وبين الدين والتاريخ وبين الشريعة وأحكامها، وغيرها من المواضيع التي اشرنا إليها سابقا، وبالتالي عدم التمييز بين هذه المواضيع رغم أهميتها القصوى، و كذلك حول دمج السياسة في الدين، والدين في السياسة، وبالتالي شرعنة الجرائم التي ارتكبتها الدولة الإسلامية في حق مواطنيها أولا، وفي حق الشعوب الأخرى ثانيا. في ظل هذا الواقع نلاحظ أن المسلم العادي، بل حتى الذين يجهلون حقائق التاريخ من المثقفين التقليديين (12)، لا يميز (ون) على سبيل المثال بين التاريخ والدين، أو بين السياسة والدين، أو بين الدين والفكر، أو بين الإيمان والقعيدة، أو بين العلمانية والإلحاد، وغيرها من الأمور المرتبطة بهذه المواضيع المستعصية على الفهم والاستيعاب لدى عموم الجماهير المسلمة، التي عادة ما تعتمد في معرفة دينها على الاستماع والنقل وليس القراءة والبحث.
ونتيجة لهذا الواقع نجد أن كل من يتناول التاريخ الإسلامي، بالنقد يتعرض للتكفير والتهديد، وكل من يتعرض لسلطة النص أو الفقه الإسلامي يتعرض للتكفير والتشكيك في عقيدته، كما هو الأمر مع كل من الدكتور طه حسين، وعلي عبد الرزاق، وصادق جلال العظم، ومحمد عابد الجابري، ومحمد أركون، ومحمد شحرور، وجمال البنا، وعدنان إبراهيم، واحمد منصور وغيرهم من المفكرين المعاصرين. بل ويتعرض كذلك للقتل والاغتيال كما هو الشأن مع الدكتور فرج فودة، وحسين مروة وغيرهم، تماما كما كان عليه الأمر إبان العصور القديمة حيث تعرض معظم المفكرين وفلاسفة الإسلام إلى التعذيب والتكفير حيث نقرأ في الكتب الصفراء الموروثة عن عصور الانحطاط العبارات التالية (( كان يتفلسف لعنه الله”))، أو (( من تمنطق فقد تزندق ))(13).
من كل ما تقدم يتضح وجود علاقة جدلية بين المواضيع التي ذكرناها سابقا، خاصة أن موضوع التاريخ والفكر والسلطة في الحضارة العربية الإسلامية مرتبط بشكل وثيق بموضوع الدين والإيمان والقعيدة، فلا وجود للحضارة العربية الإسلامية دون وجود الإسلام، والأمة الإسلامية لا وجود لها دون الإسلام حيث هو من أسس الأمة الإسلامية. وعلى أساس هذا التحليل لا يمكن لنا الحديث مثلا عن الفكر الإسلامي دون التطرق إلى الدين ( قرآن أو حديث)، أو مسألة الحكم (= السلطة) في الإسلام دون أن نقف عند موضوع التاريخ الإسلامي وعلاقتهما مع النص الديني.. الخ. وبما أن الأمر على هذا النحو شئنا أم أبينا، نظرا لكون أن الخلافة والتاريخ والفكر لدى المسلمين هي قضايا مرتبطة أساسا بالدين كما قلنا، فمن الأهمية بمكان التمييز هنا بين النص الديني، سواء كان قرآنا أو حديثا، الذي هو نص مقدس صادر عن الله، وخاصة القرآن ، وبين سلطة هذا النص. فالأول هو نص مقدس مصدره الله الذي لا نعترض عليه ولا نناقشه هنا بتاتا، والثاني هو غير مقدس حيث أنتجه البشر، وبالتالي فعندما نتحدث عن سلطة النص؛ أي التأويل البشري للنص الديني، فإننا نتحدث – أساسا- عن استعمال النص الديني في السياسة، وهو التأويل الذي قد نختلف معه أو قد نتفق معه حسب قناعاتنا وتوجهاتنا الفكرية والسياسية.
يتبع…
محمود بلحاج لاهاي / هولندا
للتواصل [email protected]
هوامش الجزء الأول:
1: انظر كتاب ” الخلافة الإسلامية” للمفكر المصري الدكتور المستشار محمد سعيد العشماوي – ص 47 – مؤسسة الانتشار العربي – الطبعة الخامسة
2: انظر كتاب ” الإسلام والسياسة ” للدكتور عبد الإله بلقزيز – منشورات المركز الثقافي العربي
3: حول هذا الموضوع يمكن مراجعة كتاب المفكر الليبي الصادق النيهوم ” الإسلام في الأسر ” منشورات مؤسسة رياض الريس للكتاب والنشر – ص 51 – 61 .
4: انظر كناب ” البداية والنهاية ” للشيخ الحافظ ابن كثر، – ص 231- 251 من الجزء السابع ، منشورات مكتبة المعارف- بيروت.
5: المرجع السابق ابن كثير – ص 253 -278
6: محمود سيد القمني ” السياسة والدين في خلافة الراشدين ” العدد 3563 من الحوار المتمدن.
7: انظر دفاتر سياسية ” الحداثة وانتقادها : من إعداد وترجمة محمد سبيلا وعبد السلام بنعبد العالي – ص 22
8: انظر عبد الإله بلقزيز ” السلطة والمعارضة ” منشورات المركز العربي – ص 89 ، الطبعة الأولى 2007
9: سعد الدين العثماني ” الدين والسياسة تمييز لا فصل ” منشورات المركز الثقافي العربي – الطبعة الأولى 2009 – ص 38
10 : انظر سورة آل عمران، الآية 59
11: انظر سورة النور – الآية 54
12: انظر عبد الله العروي ” العرب والفكر التاريخي ” منشورات المركز الثقافي العربي ، الطبعة الخامسة 2005 ، ص 205.
13: انظر كتاب محمد أركون ” نحو تاريخ مقارن للأديان التوحيدية ” منشورات دار الساقي .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.