تقضي المادة الخامسة والعشرون من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في فقرتها الأولى أن ” لكل شخص الحق في مستوى من المعيشة كاف للمحافظة على الصحة والرفاهية له ولأسرته ويتضمن ذلك التغذية والملبس والمسكن والعناية الطبية …الخ ” وتقضي المادة 12 من الاتفاقية الدولية بشأن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي وافقت عليها الجمعية العمومية للأمم المتحدة في 16 / 12 / 1966 بأن 1 تقر الدول الأطراف في الاتفاقية الحالية بحق كل فرد في التمتع بأعلى مستوى ممكن من الصحة البدنية والعقلية ، 2 تشمل الخطوات التي تتخذها الدول الأطراف في الاتفاقية للوصول إلى تحقيق كلي لهذا الحق ما هو ضروري من اجل : أ العمل على حفظ نسبة الوفيات في المواليد وفي وفيات الأطفال ومن اجل التنمية الصحية للطفل . ب تحسين شتى جوانب البيئة والصناعية . ج الوقاية من الأمراض المعدية والمتفشية والمهنية ومعالجتها وحصرها . د خلق ظروف من شأنها أن تؤمن الخدمات الطبية والعناية الطبية في حالة المرض . هذا بعض من المرجعية الدولية التي تقرر وجوب التزام الدول بتوفير الحق في الصحة ، وهو جزء من منظومة حقوق الإنسان سقناها هنا لنحاكم على ضوئها حالة المغرب ، وهل يتوفر المواطن المغربي على هذا الحق كما أعلنته المواثيق الدولية بل وكما نص عليه الدستور في الفصل 31 الذي نص على أن ” تعمل الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية على تعبئة كل الوسائل المتاحة لتيسير أسباب استفادة المواطنين والمواطنات على قدم المساواة من الحق في : العلاج والعناية الصحية . معاناة المواطنين مع الصحة ونحن نعد هذا الملف نشرت الصحافة الوطنية خبر إقدام احد الأشخاص على طعن طليقته بسيف وإلقاء بنتيه منها من نافذة الطابق الثالث ، والمحزن في هذه الواقعة ما أوردته إحدى الصحف الوطنية في عدد يوم السبت الأحد 10 / 11 نوفمبر 2012 بخصوص هذه الواقعة ، حيث أن الأم الجريحة بطعنة غائرة في جنبها الأيمن لدرجة بروز أحشائها ، بعد نقلها إلى مستشفى ابن رشد بالدار البيضاء تقول الصحيفة لقيت إهمالا كبيرا في المستشفى إذ لم تقدم لها الإسعافات في الوقت المناسب ، ورفض المستشفى تقديم العلاج إلى أن يتم الأداء في الصندوق المالي والحصول على ورقة تثبت ذلك ، وان المصابة ولجت إلى المستشفى حوالي الساعة السادسة مساء ولم يشرع في علاجها إلا في حدود الساعة الحادية عشرة صباحا . إن هذه الحالة تطرح إشكالية الولوج إلى المرافق الصحية ومرونة تلقي العلاج والإسعافات ، وان معاينتنا لقسم المستعجلات لأكبر المستشفيات الجامعية في المغرب وهو مستشفى ابن سينا كون لدينا انطباعا على أن المغاربة أبعد ما يكونون عن نيل الحق في العلاج ، ففي القسم المذكور يداوم الليل احد الأطباء الداخليين طبيب واحد والحالات التي ترد ليلا هي حالات مستعجلة وخطيرة وتحتاج في كثير من الأحيان إلى أطباء مختصين ، ولكن المتاح هو الطبيب الداخلي يقضي الليل في فحص الحالات وتوصيف الدواء على الله والمرضى يقضون الليل كذلك في الانتظار والمعاناة حتى يأتي دورهم وفي وضعية مزرية ، إذ أن مصلحة المداومة لا تتوفر حتى على فضاء وكراسي للانتظار ، وكثير ما قضى المرضى على أبواب المستشفيات ، ناهيكم على الولادات التي تتم على أرصفة الشوارع بسبب امتناع المستشفيات على استقبال النساء الحوامل . المهنية المفقودة داخل القطاعين العام والخاص لكن ما ذا عن داخل المستشفيات ؟ إن المرضى يكابدون للحصول على سرير داخلها ، لكن الإهمال يلاحقهم هناك وتجد من الأطباء من ينصحهم بالانتقال إلى المصحات لتلقي العلاج المناسب وعلى يد من ؟ على يد نفس الطبيب ، وبالمناسبة فان إعلان وزير الصحة الدكتور حسين الوردي ( ويجب التنويه بمعاناة هذا الوزير في سبيل إيقاف التردي داخل قطاع الصحة ) إن الحكومة قررت منع أطباء القطاع العام من الاشتغال في القطاع الخاص وانه سيتم اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة في حق كل من ثبت مخالفته لهذا القرار ، إن هذا الإعلان يمثل نقطة تحول هامة في سبيل تحسين وضعية القطاع الصحي ، وبالمناسبة كلمة يجب أن تقال لتلك الفئة من الأطباء التي تختلس من وقت عملهم في القطاع العام لتمضيه في المصحات الخاصة ” إنكم لصوص ” فهذه الفئة تتقاضى راتبها في القطاع العام من مجموع الضرائب التي يؤديها المواطنون ، ويفرضون على هؤلاء أداء مقابل علاجهم أضعافا مضاعفة في المصحات الخاصة بدلا من أداء الخدمة في المستشفيات مقابل الأجور ، أليست هذه سرقة ؟ علما أن هؤلاء الأطباء لا يقومون بواجبهم على أحسن وجه في أي من القطاعين ، فهو يمارس الإهمال عمدا في المستشفيات حتى يدفع المريض للانتقال غالى المصحات الخاصة وفي هذه الأخيرة يمارس الإهمال تحت ضغط الخوف لعلمه انه يقوم بعمل غير مشروع ، ومن الأمثلة على ذلك استدعت إحدى مصحات الناظور ذات يوم طبيا من القطاع العام ليجري عملية جراحية لامرأة مسنة أصيبت بكسر في فخذها ، وتحت تأثير العجلة وبعد أن أخضع المرأة للتخدير وإدخالها قاعة العمليات ، أجرى العملية على الفخذ السليمة ، وبعد اكتشاف الأمر ، أعاد تخدير المريضة مرة أخرى وهو ما لم تتحمله ، فأسلمت الروح ، ورضخ أهلها للأمر ولم يلجؤوا إلى القضاء ليأسهم من الوصول إلى تحقيق عادل ومنصف . بين يدي العبور الصحفي ملف سيدة قضت بإحدى المصحات بعدما نقلت إليها من اجل وضع مرضي طارئ وبسيط ، دخلت في كامل صحتها وخرجت من المصحة جثة هامدة ، ويقول ذو حقوقها إن سبب الوفاة ناتج عن الإهمال وغياب التأطير البشري المختص عن المصحة ، ويضيفون أن سبب الوفاة راجع إلى خطأ أثناء عملية التخدير التي تكلف بها مجرد ممرضة . وعلى اثر شكاية ذوي حقوق الهالكة ، استمعت الضابطة إلى العديد من الأطر الطبية ومما يلاحظ أن المصحة تستعين بأطباء القطاع العام فكيف سيؤدي هؤلاء عملهم في المستشفى العمومي الذي يتقاضون عليه أجرا على أكمل وجه ؟ . انه وضع مخز أن لا يمتلك أفراد من النخبة يحملون مؤهلا أكاديميا عاليا ضميرا يوجههم نحو الوفاء بواجبهم ، إن هذه الوضعية هي جزء من حالة الفساد التي تعم البلد في كل قطاعاته وخاصة الحيوية منه كالصحة ، والتعليم ، والعدل . كما أن حرمان السواد الأعظم من الشعب المغربي من حقه في الرعاية الصحية هو جزء قمع ، وإذلال هذا الشعب وإخضاعه لنظام استبدادي بالتأكيد ، إن قرار منع أطباء القطاع العام من الاشتغال في القطاع الخاص سيرفع من نسبة حضور هؤلاء في المستشفيات ، ويجب التنبيه إلى أن هذا القرار غير كاف في حد ذاته لتقويم الأوضاع في المستشفيات ، فهؤلاء الأطباء لن يصحو ضميرهم بسبب هذا القرار ، وبالتالي يتعين على إدارة المستشفيات تسجيل حضورها في مراقبة عمل هؤلاء وتوجيهه ، خاصة وان منهم من يبتز المرضى حتى داخل المستشفيات ، ويحدد تسعيرة لعمل يده عبارة عن رشوة يتقاضاها من المريض أو ذويه ، وهذا يحتاج إلى يقظة أكثر ، ثم على المواطنات والمواطنين أن يخرجوا عن سلبيتهم ، ويتخلصوا من حالة النفاق الجماعي ، ويتصدوا حقيقة وبجد لأوضاع الفساد داخل المستشفيات ، وفي كل القطاعات . خطوة متواضعة نحو الإصلاح ومن التطورات الايجابية نسبيا في مجال الصحة هو نجاح وزير الصحة في إقناع شركات الدواء بتخفيض أسعار 320 دواء يتعلق بعلاج الأمراض الخطيرة كأمراض السرطان والقلب والتعفنات والتخدير والإنعاش والجهاز الهضمي والغدد والجهاز العصبي ، وقد ورد في تصريح وزير الصحة ، أن التخفيض الحالي يعتبر بداية تخفيض أسعار هذه الأدوية نظرا لارتفاع أثمنتها ، مضيفا أن بعض الأدوية ستصل نسبة التخفيض فيها إلى 80 بالمائة . إنها خطوات ايجابية لكنها متواضعة بالمقارنة إلى ما وصلت إليه الكثير من البلدان بخصوص تسهيل الولوج إلى مرفق الصحة وكذا تسهيل عملية الحصول على الأدوية ، خاصة من طرف الفئات الهاشة ، ويعود تأخر الوضع الصحي في جانب منه إلى اعتماد نظام للتغطية الصحية متخلف وغير فعال ، وهذا يعود في الدرجة الأولى إلى الجانب السياسي المتردد في تغيير القواعد التنظيمية والأساسية للنظام الصحي ، لأن من شأن هذا التغيير أن يتغير هذا القطاع جوهريا وهذا يحتاج إلى عملية إصلاح جريئة لان عقود الفساد الطويلة أفرزت لوبي يقاوم الإصلاح والتغيير ، ولأن عملية الإصلاح تفتقد إلى مؤسسات ديمقراطية كبرلمان منتخب انتخابا نزيها وديمقراطيا وحكومة تعكس إرادة الشعب وتتوفر على صلاحيات اتخاذ القرارات وتنفيذها ، ويجب كذلك التنبيه إلى الوضع النقابي المتردي ، ويفترض في النقابات أن تؤطر وتوجه منخرطيها إلى رعاية وخدمة المصلحة العامة ولا تكتفي بهم كزبناء يضخمون صفوفها من الناحية العددية . لقد ترك صحة المواطنين طويلا للإهمال ولثقافة الجهل ، المشعوذون والدجالون وأصحاب الخرافة لتقديم الخدمات العلاجية ، وغضت الدولة عنهم الطرف لأنهم يحملون عنها وزر توفير المستشفيات والأطباء ويسجنون فئات عريضة من الشعب داخل هذه الثقافة محصنين من ثقافة الرفض والاحتجاج والمطالبة بالديمقراطية ، وهذا الزمن زمن الاستبداد بدا في الأفول وأزفت نهايته .