[email protected] إذا كان الصراع بجميع أشكاله ، ومهما بلغت درجة حرارته لايجمد تماما العمل الجماعي ، فان له مع ذلك انعكاسات سلبية كثيرة ، من الخطإ الاستهانة بها والتنقيص من شانها ، وسأقتصر في عمود اليوم على الجوانب الرئيسية منها : 1 انشغال القيادة الإدارية المحلية بإدارة الصراع : المقصود بالقيادة الإدارية المحلية رئاسة المجلس الجماعي التي تقع عليها مسؤولية الإشراف والتوجيه والمراقبة والتنسيق وتأمين الاتصال عموديا وأفقيا بين كل مكونات النظام الجماعي حيث تجد هذه القيادة نفسها في قلب الصراع ، ويتعين عليها بالتالي اكتشاف وتحديد الأسباب الموضوعية والشخصية التي تقف وراء المواقف المتباينة التي يفصح عنها بعض أعضاء الهيئات المنتخبة قبل أن تستفحل وتتسع رقعتها وتشكل تهديدا مباشرا بالنسبة إليها . ومما لاشك فيه أن إدارة الصراع تتطلب من رؤساء المجالس حنكة ودراية كبيرتين بالآليات القانونية ولتدليل الصعوبات المصالحية التي تواجههم بغرض توظيفها في إدارة الصراع ونجاحها يقدموا أقوى المؤشرات الدالة على تمرسها بالعمل السياسي واكتسابها لتجربة وخبرات جديدة يمكن أن تؤهلها لشغل مسؤوليات أوسع ، خصوصا أن اللامركزية مجال مناسب للتعليم والتكوين وليس فقط على صعيد التسيير والإدارة ، ولكن على مستوى تكوين نخب إدارية وقادة سياسيين وقادرين على التفاعل مع الحاجيات السياسية والاقتصادية الجديدة التي يعرفها المغرب في مجال التنمية المتواصلة وبقيادة جلالة الملك . 2 تدهور وضعية المرافق الجماعية : إذا كان من الطبيعي جدا في ظل انشغال القيادة الجماعية بإدارة الصراع أن يتضاءل اهتمامها بتطوير المرافق الجماعية وتحديثها وتكييفها مع الحاجيات المتزايدة للسكان ، فمن المؤسف حقا أن تكون ” الوزيعة ” وراء تدهور الخدمات الإدارية والأشغال البلدية وتراجع الأداء لدى موظفي الجماعة وعمالها ، ذلك أن أي شلل أو عجز يتم تسجيله على صعيد المستوى التقريري إلا وتكون له مضاعفات سلبية وعميقة ومباشرة على مستوى الجهاز التنفيذي المكلف بإدارة المجال الجماعي ، ويتخذ هذا التصرف مظهرين اثنين : المظهر الأول : لجوء الرئيس إلى سياسة توزيع الوزيعة مابين المستشارين لاكتساب ثقتهم ومودتهم ، وبالتالي السيطرة على مواقفهم ويتم له ذلك بطرق شتى أهمها بالطبع غض الطرف عن تصرفات المستشارين المنافية للقوانين المنظمة لسير المرافق البلدية ، المغالاة في استخدام أدوات العمل البلدية ، من سيارات وبنزين وآليات أخرى في قضاء مآرب شخصية وعائلية ، الاستفادة المتكررة من كافة البرامج السكنية التي تشرف عليها البلدية أو غيرها من المؤسسات الوطنية والجهوية ... الخ وتقود هذه الوضعية إلى خلق التنافس الحاد بين أعضاء المجلس في مجال استغلال الوسائل المادية للجماعة ، الأمر الذي يؤدي إلى استنزافها وتحويلها عن الأهداف المرسومة لها . إن الحالة المتردية التي توجد عليها غالبية البنيات التحتية والبنايات والتجهيزات ذات الطابع البلدي ، إنما سببه هو تحويل جزء غير يسير من الموارد والإمكانيات المادية لهذه البلديات – على قلتها – عن مساره الطبيعي مما ينعكس سلبا على الخدمات الإدارية والاقتصادية والاجتماعية المقدمة للسكان . المظهر الثاني : حينما تندلع حرب المواقع والمصالح بين أعضاء الهيئات المنتخبة سرعان مايرخي بذيوله على الجهاز الإداري الجماعي وبرمته ، وينعكس بقوة أكثر على المناصب العليا في الإدارة الجماعية : الكاتب العام والمهندس والمتصرف وباقي رؤساء المكاتب والوحدات التي يتشكل منها الجهاز الإداري والجماعي ، فكلما أحكم الرئيس قبضته على الإدارة الجماعية وتوطدت صلته بالأطر الإدارية العاملة بها إلا وغدت هذه الأخيرة – الإدارة الجماعية – عنصرا أساسيا من عناصر الصراع الدائر بينه وبين باقي الأعضاء ، وبالتالي تغدو مجالا للتفاوت بين الأطراف المتصارعة ، وهكذا عاجلا أم آجلا ، سيضطر الرئيس إلى تليين مواقفه وتمكين باقي الأعضاء من مشاركته في تسيير دواليب الإدارة الجماعية ، الأمر الذي يترتب عنه تحويل الجهاز الإداري الجماعي لمربع يرتاده كل من هب ودب من المستشارين مع ماذلك من انعكاسات سلبية وخطيرة على مصالح البلاد والعباد . والحق يقال : لقد قطعت بلادنا أشواطا لايستهان بها في مجال إرساء دعائم إدارة محلية قوية وفعالة ، وهي كذلك بالفعل في الكثير من نواحي المغرب ، ولكن مع ذلك هناك إحساس صادق وقوي بان ماتحقق في هذا المضمار دون الأهداف المسطرة ، ولايعكس تماما القدرات والكفاءات البشرية والتدبيرية التي تتوفر عليها البلاد .