تواصل الشركات الأجنبية عمليات التنقيب عن الغاز الطبيعي بالمملكة في ظل أزمة الطاقة العالمية، وسط مساعٍ داخلية لتأمين الاحتياجات الوطنية من هذه المادة الحيوية، بالنظر إلى تزايد الاستهلاك الفردي والجماعي في الفترة الماضية. ويصل الاستهلاك الداخلي من الغاز الطبيعي، حسب المعطيات الرسمية، إلى نحو مليار متر مكعب في السنة الواحدة، لكن الإنتاج الوطني من هذه المادة لم يتعد 110 ملايين متر مكعب خلال 2021، مقابل 98 مليون متر مكعب في 2020. واستغلت الرباط أنبوب الغاز المغاربي-الأوروبي لسد احتياجاتها المحلية طيلة العقود الماضية، لكن الأزمة الدبلوماسية بين المغرب والجزائر دفعت إلى عدم تجديد عقد توريد الغاز إلى إسبانيا عبر الأنبوب، ما جعل البلاد تبحث عن مصادر بديلة للغاز الطبيعي. ويكافح المغرب من أجل تحقيق سيادته الطاقية في ظل المتغيرات الدولية التي تنبئ ب"سنوات صعبة" فيما يتعلق بهذه المادة الحيوية، ما دفعه إلى تشجيع الشركات البريطانية على تسريع وتيرة التنقيب عن الغاز الطبيعي بجل ربوع التراب الوطني. وأعلنت العديد من الشركات البريطانية، قبل أشهر، عن بعض الاكتشافات الغازية بالعرائش وتندرارة وأكادير، لكنها ما زالت قيد الدراسة، وهو ما يسائل مدى قدرة تلك الاكتشافات على تأمين احتياجات المملكة من مادة الغاز الطبيعي التي تسببت في أزمة عالمية. وبالنسبة إلى مصطفى لبراق، خبير في مجال الطاقة، فإن "حقل تندرارة الذي تستغله شركة ساوند إنيرجي يصل معدله الاحتياطي إلى 10 مليارات متر مكعب، بينما تُقدر احتياطات حقل ليكسوس الذي تستغله شركة شاريوت أويل آند غاز ب40 مليار متر مكعب. وقال لبراق إن "تلك الإمكانيات الواعدة إذا أضفناها إلى الاحتياطي الحالي، سوف يحقق المغرب أمنه الطاقي بكل تأكيد"، مبرزا أن "الاستهلاك المغربي من الغاز لم يتعد مليار متر مكعب سنة 2021". وأضاف الخبير الطاقي أن "الاستهلاك المغربي يعود بالأساس إلى المحطتين الحراريتين بالمملكة، إلى جانب بعض الصناعات المحلية"، لافتا إلى أن "الاستهلاك السنوي لن يتعدى 3 مليارات متر مكعب بحلول 2030، وبالتالي، سيتجاوز الاحتياطي الداخلي الاستهلاك المرتقب". وواصل بأن "المغرب سيتجه إلى تصدير الغاز الطبيعي إلى الخارج، ما من شأنه تخفيف الفاتورة الطاقية"، مؤكدا أن "التصدير إلى أوروبا سيتم عبر أنبوب الغاز المغاربي، بعد بناء مصانع متخصصة في تنقيته بدءاً من 2025′′، خاتما بأن "المغرب سيستفيد من السوق العالمية التي يتزايد عليها الطلب في ظل الأزمة الأوكرانية". من جانبه، أوضح الحسين اليماني، خبير في مجال الطاقة، أن "الأهم حاليا هو التأكد من حقيقة تلك الاستكشافات الغازية، بعيدا عن الدعاية المجانية التي تقوم بها الشركات الأجنبية حتى لا نكرر السيناريو الذي حصل مع قضية تالسينت"، مبرزا أن "المغرب في أمس الحاجة إلى هذه الاحتياطات لتحقيق أمنه الطاقي". وأورد اليماني، أن "المغرب يحتاج إلى موارد غازية جديدة لتحقيق اكتفائه الذاتي، ما سيضمن تأمين المحطتين الحرارتين بالبلاد، ولمَ لا تشييد محطات جديدة"، مردفا بأن "الفاتورة الطاقية يتوقع أن تصل إلى 150 مليار درهم هذه السنة، الأمر الذي يسلط الضوء على أهمية الاحتياطات الغازية بالمملكة".