يحجم الكثير من الناس عن إبداء وجهة نظرهم إزاء أي ظاهرة أوقضية اجتماعية، لأسباب تختلف من شخص لآخر، لكن في المحصلة النهائية فإن هذا الإحجام يؤدي إلى تكوين انطباع بعدم فاعلية وإيجابية المجتمع، ذلك أن من الطبيعي جداً أن يكون لكل منا رأي حول كل مايجري لنا وحولنا، بعيداً عن كون هذا الرأي سلبياً أو إيجابياً، متفائلاً أو متشائماً، حكيماً أو متهوراً، فتلك قضية أخرى، القضية الأكثر أهمية هي قدرة الأفراد على التعبير الحر عن الرأي الذي يحملونه ويؤمنون به، وعلى تبادل هذا الرأي مع الآخرين وإخضاعه للنقاش بوضوح وبصوت عال - الصوت العالي لا يعني الصراخ بطبيعة الحال - بقدر ما يعني عدم الخوف والتردد. إن التعبير عن الرأي تحول في المجتمعات المتحضرة إلى قيمة اجتماعية، وإلى معيار من معايير التحضر والتنمية، من هنا نتعجب من أولئك الذين يتحدثون عن ارتفاع الأسعار عندنا ويتلفتون حولهم خوفاً من شيء ما، هؤلاء - وهم عدد كبير للأسف - واقعون في أوهام الخوف وانعدام الثقة والوعي. كما ينبغي على مؤسسات التربية كافة- الأسرة، التعليم، والإعلام- أن تربي وتنمي هذا التوجه نحو التعبير عن الرأي لدى الطلاب والأجيال الجديدة إذا كان لديها صدق وإرادة حقيقية نحو التغيير والإصلاح، فالطلاب الذين يخشون الوقوع في الخطأ عند التعبير عن وجهات نظرهم، ويعتبرون أن ذلك يحط من شأنهم ويعرضهم للسخرية أو العقاب، لن يتمكنوا فيما بعد من التعبير عن مطالبهم وأفكارهم حين يكبرون، بل سيظلون مترددين يجتنبون المواقف التي تقتضي الحديث والتعبير عن الرأي. في حين أن الطلاب منذ نعومة أظفارهم في الدول المتقدمة يعبرون عن أفكارهم بوضوح ومن دون خوف أو تردد، مما يراكم لديهم شعوراً بالثقة والقدرة على تكوين رأي مستقل يواجهون به الحياة باستقلالية تامة. في الحقيقة فإن توجه إعلام معظم الدول العربية نحو برامج الترفيه والبرامج السطحية قد شكل عائقاً كبيراً باتجاه منع تكوين رأي عام مستنير وناضج، ناهيك عن هامش الحرية المتآكل لأسباب مختلفة في معظم البلدان العربية وما يستتبع ذلك من نقص المعلومات وعدم توافرها بحرية، شأن المجتمعات المتقدمة، فكل الواقع الاجتماعي والسياسي يدفع باتجاه تأخر ظهور رأي عام حقيقي مبني على أسس ومعتمد على آليات علمية ثابتة. لقد جرت أحداث جسام في المنطقة العربية ساهمت في تحريك الشارع العربي، كانتفاضة عام 2000، والحرب على أفغانستان، والحرب على العراق، والحرب على لبنان، وأخيراً العدوان على غزة 2008، لقد كان الشارع العربي، غير المنسجم في توجهاته ومطالبه ومستوياته العلمية، وحتى المذهبية، يثور ويتحرك بشكل عاطفي كردة فعل لا أكثر إزاء المشاهد التي عرضتها شاشات التلفزة، كما حدث بعد قضية صور سجن أبو غريب مثلاً، ولكن سرعان ما يهدأ الثوران وتعود عجلة الحياة إلى سابق عهدها، متناسياً هؤلاء الذين تظاهروا لمصلحة سجناء أبو غريب مقدار الأزمات السياسية والاقتصادية والتعليمية والصحية والمعيشية التي يرزحون تحت ثقلها كل يوم، فلماذا لا يحركون ساكناً كرأي عام تجاه أوضاعهم إذن؟ تاريخ النشر: الأربعاء 29 سبتمبر 2010 http://www.alittihad.ae/columnsdetails.php?category=1&column=14&id=62943&y=2010