الدكتور محمد وراضي منذ أعوام، وعلى متن جريدة مستقلة صامدة قلت: "إن الكتابة مسؤولية". فما تخطه أقلام الكتاب يصبح عرضة للأخذ والرد، بحيث إنهم يحاسبون ويحاكمون على ما يعد من زلات قلم، أو من زلات لسان! فإن ادعيت شخصيا بأن الحلاج وابن عربي والتجاني زنادقة، فلأنني أملك من البراهين ما أؤيد به ما ادعيته. فليراجع من يرغب في الوقوف عليها مفصلة الكتب التي صدرت لي على التتابع من عام 2008م إلى عام 2010م: "عرقلة الفكر الظلامي الديني للنهضة المغربية" و"رؤية الرسول يقظة في الدنيا بعد وفاته. ممكنة أم إنها مستحيلة" و"خريج المدرسة البودشيشية المشبوهة: عبد السلام ياسين". ومتى اتضحت البراهين التي أدعم بها مقولتي في الأذهان. اصبح لزاما على أي راغب في الرد علي تفنيذها، والإتيان بأخرى مؤيدة لكون الثالوث المشار إليه، من أبرز المدافعين عن عقائد أهل السنة والجماعة من جهة، ومن ابرز خصوم البدع والمبتدعين من جهة ثانية! أما أن يسرع أحدهم إلى اتهامي بالزندقة، ويسرع آخر إلى إدراج التجاني ضمن لائحة المظلومين، لمجرد فضحي لصنم هذين المندفعين بلا لجام العقل وراء مجرد عاطفة، فطريقة في الجدل غير علمية، وغير أخلاقية، وغير دينية. وقديما قال علي بن أبي طالب "من أخلاق الجاهل: الإجابة قبل أن يسمع. والمعارضة قبل أن يفهم. والحكم بما لا يعلم". وحتى يكون جمهور المهتمين بالتصوف على عهدنا هذا الذي كثرت فيه الدعوة إليه، والإقبال عليه من طرف الإعلام المكتوب والمسموع والمشاهد داخل المغرب وخارجه،، إلى حد دخول الغرب كله على الخط للمساهمة في إحيائه، ومد أتباعه ومعتنقيه بالدعم المادي والمعنوي! وحتى يكون أنصار الطرق الصوفية ومريدوها ومشايخها على بينة من الحجج التي تجعل من هؤلاء ضلاليين، ومن أولئك ظلاميين زنادقة أفاكين. سوف أسوق جملة من التساؤلات التي تحمل بين طياتها تهما صريحة أو مضمرة لكل من ثبت بأنه عن نهج المختار في التدين منحرف، كان انحرافه في مجال المعتقدات، أو في مجال العبادات، أو في مجال الأخلاقيات والمعاملات. بحيث تلزمهم الإجابة عنها واحدة تلو أخرى، ليتضح الحق من الباطل. في وضح النهار،،، والشمس ساطعة لا تخفيها عن الأعين غيوم: 1- هل اكتمل الدين أم إنه لم يكتمل بعد؟ وإن هو اكتمل – والنصوص النقلية تؤيد اكتماله – فهل من حق أي كان أن يضيف إليه من عنده أو أن ينقص منه؟ 2- إن قال سيد الناس في حجة الوداع: "اللهم إني قد بلغت، اللهم فاشهد". فهل نعتقد بأنه ص سوف يقوم بعد وفاته بتبليغ معاني دينية أخرى جديدة لبعض من أتباعه إن في المنام وإن في اليقظة؟ 3- ما يبلغه لبعض من أتباعه في اليقظة بعد وفاته – كما يزعم الزاعمون – أو ليس سنة من سننه، ما دامت السنة لدى العلماء هي أقواله وأفعاله وتقريراته؟ فقد أملى على الشاذلي "حزب البحر"! وقدم لابن عربي "فصوص الحكم" وأمره أن ينشره في الناس! وأملى على التجاني يقظة "جوهرة الكمال". وأخبره يقظة بأن قارئ "صلاة الفاتح لما أغلق" مرة واحدة، سوف يحصل على أجر من قرأ القرآن ستة آلاف مرة! أو ليست أقوال المختار التي ادعى التجاني تلقيها عنه في اليقظة من سننه؟ وإذا كانت كذلك، فمن أين لنا التسليم بكونه ص سوف يستمر في تلقين السنن يقظة لمن يزعمون بأنهم من تلامذته ومن أصحابه؟ يدعي التجاني بأنه ص قال له في اليقظة: "أنا شيخك ومربيك وكافلك. ولا منة لأحد عليك من أشياخ الطريق"! مما يعني صراحة بأن الرسول يتناقض بعد وفاته مع ما جاء به! فقد ورد في القرآن قوله تعالى: "وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله". فإذا به ص لا يرى مانعا من وجود سبل أو طرق عدة! فأشياخ الطريق معترف بهم من طرفه. وهو نفسه شيخ من ضمن هؤلاء بصريح ما نطق به؟؟؟ فليتقدم إذن حماة الزنادقة بالرد على الأسئلة المحورية المطروحة قبله، وإلا فليتشبثوا بعكس ما أثبته الواقع! أي أن الدين لم يكتمل! وأن الرسول لم يبلغ كل ما أمر بتبليغه! وأن ما يلقنه لمريديه الذين يقابلهم في اليقظة، لا يمكن عده من سننه! وإذا لم يكن كلامه من سننه،، فليبينوا لنا ما الذي نسميه! وماذا بعد؟ لنفترض جدلا بأن استفتاء جرى في العالم برمته، موضوعه البحث عن إجابة على سؤالين يتم توجيههما إلى كل مسلم، وإلى كل مسلمة. والسؤالان هما: ما الأفضل في الدين: قول الرسول وفعله وتقريره؟ أم قول وفعل وتقرير غيره فيه؟ فإن كانت الإجابة المتوقعة سلفا معروفة. طرحنا تساؤلات أخرى كامتداد للتي سبقتها: هل كان الرسول يعقد حلقات للذكر الجماعي؟ وهل الطرقيون الدائبون على عقدها مقتدون به؟ أم إنهم باستدراكهم عليه أفقه في الدين منه؟ وهل كان يردد في جلسات للذكر مع صحبه الكرام لفظ الجلالة: "الله.. الله" لعشرات ،، أو لمآت المرات؟ قال تلميذ لشيخه الشبلي الصوفي: لم تكثر من تكرار: "الله، الله"؟ والحال أن المطلوب منا نقلا هو الإكثار من ذكر "لا إله إلا الله"؟ فأجاب الشيخ بأنه يخاف أن يموت بين "النفي والإثبات"! أو أنه يخاف – بعبارة أخرى – أن لا يخرج من "الجحود إلى الإقرار". فلو قال: "لا إله" ثم مات قبل قوله: "إلا الله". لمآت على الكفر لأنه نفى وجود الله! فكأنه بتعليله العقلي لما يشتغل به يقول للرسول : "أنا أعلم ما يلزمني القيام به وأنت لا تعلم"! فإن أمر المختار أتباعه بتلقين "لا إله إلا الله" للمحتضرين. اعترض الشبلي مخافة أن يموت المحتضر على الكفر لأنه اكتفى بقوله: "لا إله". فيلزم أن يكون الشبلي متبوعا يأخذ عنه الصوفية الطرقيون وغير الطرقيين، بل وكافة المؤمنين بدلا من أخذهم عن الرسول الذي أمروا باتباع سنته! فصح أن الذين يعقدون مجالس للذكر الجماعي قياما وقعودا مبتدعين بعيدين عن سنة المختار من وجهين: لعقدهم لتلك المجالس ولممارستهم للذكر الجماعي – وهو فعل اليهود والنصارى – أولا. ولتكرارهم للفظ الجلالة "الله الله"ثانيا. إلى حد أنهم طالما انتهى بهم تكراره إلى اللحن في اسمه عز وجل كأن يقولوا: "اللا اللا" أو "هلا، هلا". أو "أح، أح"! فضلا عن كون تكرار لفظ واحد – حتى ولو كان هو لفظ الجلالة – لا يشكل جملة مفيدة. فالكلام هو اللفظ المركب المفيد، كما يعرف هذه القاعدة صغار التلاميذ المبتدئين! فبالصدفة وحدها سألت حفيدتي – وهي تلميذة بالقسم الثاني الابتدائي – عن الجملة فأجابتني: الجملة المفيدة هي كل كلام يفيد فائدة، أي معنى تاما. وعليه، فإن قولنا: "الإمام فوق" ليس جملة مفيدة بالرغم من كونه مركبا من كلمتين! وكيف يكون كذلك إن هو مركب من كلمة واحدة مثل "الله" و"هو" و"سعيد" و"محمد"؟ فإن لم يصح كون الرسول يعقد حلقات للذكر على هيأة الاجتماع. ولا صح تعبده بذكر لفظ الجلالة "الله، الله" لمرات في جماعة أو حتى بمفرده. فهل صح أنه كان يعرف "الحضرة" أو "العمارة" حيث تتناغم الأذكار مع اهتزاز الأجساد طلبا للحال "الاصطناعي" حتى سمي طالبوه ب"أهل الحال"؟؟؟ سئل أبو بكر الطرطوشي المالكي عن مذهب المتصوفة الذين يجتمعون على الذكر والصلاة على المختار فأجاب: "مذهب هؤلاء بطالة وضلالة وجهالة. وما الإسلام إلا كتاب الله وسنة رسوله ص. وأما الرقص والتواجد، فأول من أحدثه أصحاب السامري لما اتخذ لهم عجلا جسدا له خوار. فقاموا يرقصون حوله ويتواجدون. فهو دين الكفار وعباد العجل. وأما التوقيع، فأول من اتخذه الزنادقة ليشغلوا به المسلمين عن كتاب الله. وكان النبي ص يجلس مع أصحابه كأنما على رؤوسهم الطير من الوقار"! وقال ابن عقيل المالكي كذلك مثل الطرطوشي: "وهل هناك شيء يزري بالعقل ويخرج عن سمت الحلم والأدب أقبح من ذي لحية يرقص. فكيف إذا كانت شيبة ترقص وتصفق على توقيع الألحان والقضبان"! وبما أن المغاربة مالكيون. ومالك في طليعة "أهل السنة والجماعة". فعليهم أن يقفوا على ما ورد في الجزء الثاني من ترتيب المدارك الذي طبعته وزارة الأوقاف منذ أعوام – وهو للقاضي عياض السبتي- فسوف يتأكدون من كون إمامهم ينعث الممارسين للذكر الجماعي في حلقات وهم يرقصون بأنهم إما صبيان وإما مجانين!!! ثم أضاف: "ما سمعت بمثل هذا في الإسلام"! فإن كنا حقا من أتباع مذهب مالك، ومالك لم يقتد في مذهبه إلا بالرسول، فكيف نقبل على الاشتغال بما يستنكره ويستغرب من وجوده، ويضحك حتى ممن يمارسونه؟ فكأننا ندعي الانتماء إلى مذهبه بالأقوال، بينما نحن نخالف هذا المذهب بالأفعال؟ ثم يقف أمامنا من يدعي بأن الطرقيين قديما وحديثا هم على نهج النبي يسلكون! ومتى ادعوا بأنهم كذلك نعتناهم فورا بالكذب والافتراء! وماذا بعد؟