أحمد بن الصديق نشر موقع فبراير.كوم مؤخرا مقالا اختار له عنوان : "حسن طارق يعطي دروسا لحكومة بنكيران في تنزيل الدستور" و قدم له هكذا : يقدم حسن طارق عضو المكتب السياسي لحزب الاتحاد الإشتراكي في مقال خص به "فبراير.كوم" مجموعة من الملاحظات حول التنصيب البرلماني للحكومة، ويقف عند ما وصفه بالحكومة بين المسؤولية المزدوجة والتنصيب المزدوج. نفس المقال نشره موقع هسبريس ثم نشرته جريدة الاتحاد الاشتراكي بتاريخ الأربعاء 18 يناير 2012 الصفحة 8 بعنوان " ملاحظات حول مسألة التنصيب البرلماني للحكومة ". هذا النص تضمن فقرات قيمة تستحق التوقف والتأمل لأنها تذكر بمبادئ بسيطة ولكنها عميقة في نفس الوقت، نكتفي منها بأربعة لا تنطبق فقط على مسألة التنصيب الحكومي و لكنها تنطبق على مفهوم الدستور و دوره في تنظيم السلط و مصداقية المؤسسات : الأولى : "هنا لابد من التأكيد أن الدساتير توضع لكي تحترم، وان الدفوعات الشكلية في المادة الدستورية تعتبر بالتعريف دفوعات في الجوهر، نعم تنهض الدساتير على التاريخ كما تتأسس على الأفكار والمبادئ الكبرى، إنها ترجمة قانونية لفكرة المشروعية، لمبدأ فصل السلط، لكن سمو الوثيقة الدستورية يقتضي احترام شكلانيتها، مساطرها، إجراءاتها، آجالاتها، جزئياتها، هذا الاحترام هو ما سيضمن التقدير الواجب للأفكار والقيم والمبادئ والمرجعيات." .... الثانية : "إن المشرِّع عموما منزه عن العبث، وإذا تعلق الأمر بالمشرع الدستوري فإن كلمة واحدة أو علامة تنقيط واحدة قد تحمل معها رهانات سياسية ودستورية كبرى". الثالثة : "إن الدفاع عن الدستور ليس قضية أغلبية ومعارضة، إنه ليس دستور الأغلبية ولا دستور المعارضة، إنه دستور كل المغاربة بكل مؤسساتهم وانتماءاتهم، لذلك فالدفاع عنه هو قضية مبدأ تهم كل الديمقراطيين. " الرابعة و بها اختتم المقال : "دون ذلك ،فإن الجدل السياسي والقانوني حول الصلاحيات المخولة للحكومة بين محطة التعيين الملكي ولحظة التنصيب البرلمانين، يبقى غير ذي معنى، إذ أن الأمر لا يتعلق كما ذهب بعض الزملاء بصراع بين تأويلات مختلفة للنص الدستوري، ولا حتى بمسألة تنزيل أو أجرأة مقتضى من مقتضيات الدستور، إننا ببساطة أمام واحدة من حالتين: إما خرق الدستور أو التطبيق السليم لمنطوقه، وليس أبعد من ذلك". السؤال الأول: انسجاما مع هذا المنطق و خاصة الفقرة الثانية المخصصة للعبث و التنزيه عن العبث، كيف يفسر لنا الأستاذ حسن طارق صمته بعد التغيير الذي حصل للنص الدستوري ليلة الاستفتاء عليه ؟ وللتذكير فإن النص الأصلي لمشروع الدستور نشر في 17 يونيو 2011 في الجريدة الرسمية رقم 5952 مكرر، و هو النص الذي دار حوله النقاش بين من يدعو للتصويت بنعم كالأستاذ طارق ومن يدعو للتصويت بلا و من يدعو للمقاطعة. إلا أن هذا النص طرأ عليه تغيير مفاجئ ودون سابق إنذار يوم 30 يونيو 2011، أي عشية الاستفتاء بل إنه لم يصبح متناولا في الموقع الرسمي للأمانة العامة للحكومة على الإنترنت إلا يوم الأربعاء 6 يوليوز 2011 أي بعد الاستفتاء على الصيغة الرسمية الأولى، و القصة معروفة و هنا صورة ما سمي آنذاك باستدراك خطأ مادي : بعد هذا الاستدراك أصبح للملك فجأة الصلاحية في تعيين رئيس المحكمة الدستورية بظهير يوقعه وحده، بينما النص الأول كان يمنحه صلاحية التعيين ولكن ظهير التعيين كان يستلزم التوقيع بالعطف من طرف رئيس الحكومة، هذا الإجراء اختفى مع الصيغة المتأخرة والتي لم يصوت عليها أحد و لم يصوت عليها السيد طارق و لكنها فُرضت عليه فرضا، مع ما يترتب عن ذلك من نتائج لكون رئيس الحكومة و هو منتخب، قد فقد إمكانية إبداء الرأي و ربما التحفظ قبل توقيعه بالعطف على الظهير. السؤال الثاني : انسجاما مع الفقرة الأولى، و خاصة كون الدساتير وضعت لكي تحترم، ما معنى الغموض الذي تتعامل به الجريدة الرسمية مع ظهائر تعيين مستشاري الملك ؟ لقد نشرت الجريدة الرسمية عدد 6010 بتاريخ 11 صفر 1433 موافق 05 يناير 2012 الصفحة 164 على اليسار خبرا مقتضبا عن تعيين السيد ياسر الزناكي مستشارا للملك بموجب الظهير الشريف 1.12.02 و السيد الطيب الفاسي الفهري بموجب الظهير الشريف 1.12.03 و لكن الجريدة لم تنشر الظهيرين كاملين كعادتها مما يستحيل معه التأكد هل وقع السيد رئيس الحكومة بالعطف على الظهيرين أم لا. هنا الصورة أيضا : قبل ذلك بيومين نشرت الجريدة الرسمية عدد 6009 مكرر بتاريخ 09 صفر 1433 موافق 03 يناير 2012 ظهير تعيين أعضاء الحكومة تحت رقم 1.12.01 وهو الظهير الذي وقعه بالعطف السيد رئيس الحكومة عبد الإله بن كيران كما يتبين بوضوح، الرابط و الصورة هنا : http://www.sgg.gov.ma/BO/bulletin/AR/2012/BO_6009-bis_Ar.pdf وعلما أن الفصل 42 من الدستور، في الصيغة النهائية، ينص على أن " تُوقع الظهائر بالعطف من قبل رئيس الحكومة، ماعدا تلك المنصوص عليها في الفصول41 و44 (الفقرة الثانية) و47 (الفقرة الأولى والسادسة) و 51 و57 و59 و130 (الفقرة الأولى و الرابعة ) و174 "، و بما أن كل الاستثناءات الواردة بعد لفظة "ما عدا" لا تهم تعيين المستشارين الملكيين الغير منصوص عليهم أصلا في الدستور، (وهذا نقاش آخر) فإن احترام الدستور يفرض أن يوقع رئيس الحكومة بالعطف على ظهائر تعيين المستشارين و هو ما لم تكشف عنه الجريدة الرسمية. ليس المراد مناقشة جدوى تدخل رئيس الحكومة في اختيار أو عدم اختيار المستشارين، و لكن فقط مدى التقيد بالوثيقة الدستورية دون انتقاء. إن حرص الأستاذ والنائب البرلماني حسن طارق على احترام الدستور من طرف الحكومة موقف وجيه، و لكن الدساتير وضعت لكي تحترم من طرف الجميع، أو كما ختم المقال المشار إليه : إننا ببساطة أمام واحدة من حالتين: إما خرق الدستور أو التطبيق السليم لمنطوقه، وليس أبعد من ذلك.