إضرابات بالمكاتب الجهوية للاستثمار الفلاحي احتجاجا على تأخر إخراج القانون الأساسي    "الجمعية" تحذر من تحول "بوحمرون" لحالة وبائية وتستنكر استمرار قمع حرية الرأي والتعبير وتدهور القدرة الشرائية    إبراهيمي: الحكومة المتغولة تمرر أي قانون دون التفاعل مع تعديلات المعارضة أو احترام الشارع    تحت شعار "نحن اليوم التالي" "القسام" تطق سراح الأسرى الإسرائيليين.. وبدء الإفراج عن 183 أسيرا فلسطينيا    "العدل والإحسان" تدين الأحكام القاسية ضد الغنوشي وسياسيين وصحفيين في تونس    طنجة تتصدر مقاييس التساقطات المطرية المسجلة بالمملكة.. وهذه توقعات الأحد    فاس: لحسن السعدي يزور عددا من المشاريع المنجزة في مجال الصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني    ترامب يجمد المساعدات لجنوب إفريقيا    خبراء "نخرجو ليها ديريكت" يناقشون موضوع قانون الإضراب وتداعياته    انتشال ثاني جثة بسبتة خلال فبراير الجاري والسابعة منذ مطلع سنة 2025    مرحلة الإياب تنطلق بمواجهات حارقة تتقدمها قمة المتصدر أولمبيك الدشيرة ومطارده رجاء بني ملال    مانشستر سيتي يتقدم بدعوى جديدة ضد رابطة الدوري الإنجليزي الممتاز    الدرهم يتراجع أمام الأورو والدولار    النقابة الوطنية للعدل تدين "انتهاك الحريات النقابية" وتعلن عن تصعيد احتجاجي    تحقيق يكشف أبرز المتأثرين بسياسات ترامب الداخلية والخارجية    الأهلي يعلن تعافي بن شرقي وداري وعودتهما إلى التدريبات    حماس تسلم الصليب الأحمر ثلاثة أسرى إسرائيليين    "أليوتيس" 2025 : انعقاد اللجنة المشتركة المغربية الموريتانية في مجال الصيد البحري وتربية الأحياء المائية    السعودية توقف التأشيرات المتعددة للعمرة والزيارة لمواطني 13 دولة بينها المغرب    جامعة محمد الخامس بالرباط في صدارة الجامعات المغربية والمغاربية    الصين: انطلاق دورة الألعاب الآسيوية الشتوية بهاربين    الأمير مولاي رشيد يترأس حفل عشاء أقامه جلالة الملك بمناسبة الدورة ال 49 لجائزة الحسن الثاني للغولف والدورة ال 28 لكأس صاحبة السمو الملكي الأميرة للا مريم    تصفيات المونديال..الفيفا يلغي مباراة الأسود ضد الكونغو برازافيل    أتلتيكو مدريد يوجه رسالة للحكام قبل الديربي    كيوسك السبت | المغرب يرتقي إلى المركز الثاني إفريقيا في مؤشر الابتكار    تأهيل البنية التحتية والتنمية المستدامة وتجويد الخدمات محور دورة فبراير 2025 لمجلس جماعة مرتيل    دونالد ترامب يعين نفسه رئيسا لمجلس أمناء مركز كينيدي الثقافي    أحلام ترامب بنقل سكان غزة إلى المغرب    بطولة فرنسا: باريس سان جرمان يمدد عقده مدربه إنريكي إلى غاية 2027    أطروحة ترصد تواصل الحكومة بالأزمات    حفل اختتام الدورة التكوينية لدعم أطفال التوحد بطنجة    لقاء بالبيضاء يتناول كفاح آيت إيدر    موريتانيا تمنح للسائقين المغاربة تأشيرة دخول متعددة صالحة لثلاثة أشهر    وفاة شاب بأزمة قلبية مفاجئة أثناء مباراة لكرة القدم في طنجة    التوقيع على اتفاقية إعلان الشارقة ضيف شرف الدورة ال30 للمعرض الدولي للنشر والكتاب بالرباط    أسعار مواد الغذاء تتراجع في العالم    المغرب يلقّح قرابة 5 ملايين طفل لمحاصرة انتشار وباء "بوحمرون"    مطار الحسيمة يسجل رقم قياسي في عدد المسافرين سنة 2024    طفلة طنجاوية تفوز بجائزة أفضل طفلة مسالمة ومتسامحة في إسبانيا    قمة عربية أو عربية إسلامية عاجلة!    انتفاضة الثقافة    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها على وقع التوازن    "فيفا" يجمّد عضوية اتحاد الكونغو.. هل من تأثير على مجموعة المغرب في تصفيات المونديال؟    والأرض صليب الفلسطيني وهو مسيحها..    متى يُسْقِطُ الإطار المسْمار !    «بيرسا كوموتسي» تترجم أعمالا فلسطينية إلى اليونانية    كتابة الدولة المكلفة بالصناعة التقليدية تستهدف تكوين 30 ألف متدرج في مجال الصناعة التقليدية (لحسن السعدي)    الدوزي يشوق جمهوره لجديده الفني "آش هذا"    كاني ويست يعلن إصابته بمرض التوحد    وزارة الصحة تؤكد تعليق العمل بإلزامية لقاح الحمى الشوكية بالنسبة للمعتمرين    إطلاق حملة تلقيح ضد الحصبة بالمدارس وتوزيع استمارة الموافقة على آباء التلاميذ    بنك المغرب: 78 في المائة من المقاولات تعتبر مناخ الأعمال "عاديا"    مجسّد شخصية زاكربرغ: رئيس "ميتا" تحول إلى "مهووس بالسلطة"    ‪ إلغاء لقاح الحمى الشوكية للمعتمرين    جامعة شيكاغو تحتضن شيخ الزاوية الكركرية    المجلس العلمي المحلي للجديدة ينظم حفل تكريم لرئيسه السابق العلامة عبدالله شاكر    أي دين يختار الذكاء الاصطناعي؟    أربعاء أيت أحمد : جمعية بناء ورعاية مسجد "أسدرم " تدعو إلى المساهمة في إعادة بناء مسجد دوار أسدرم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تَمظْهُرات فشل تدبير الاستقلاليين لقطاع الصّحة
نشر في الرهان يوم 30 - 11 - 2011

يرتبط تدبير قطاع الصّحة في مفهوم العديد من السياسيين بتدبير قطاع اجتماعي بحكم طبيعته التي تؤسّس على المتاعب الصّحية السائدة أو المحتملة لعامّة النّاس والتي تكابد وطأتها خاصّة الفئة الضّعيفة من المجتمع.
هذه الخاصّية تجعل من القطاع الصّحي ، وإن كان شأنا يهم الجميع، أكثر القطاعات ذات الإشكاليات الكبرى التي استعصى حلّها بسبب فتور البعد الاجتماعي للسياسات الحكومية المتعاقبة (خلاف ما يروّج له عادة) فتور يبدو بجلاء من خلال رصدنا لثلاث محاور كبرى:
الأول: "تواضع" الإمكانات المالية التي تخصّصها الحكومة سنويا للنهوض بالقطاع الصّحي في إطار الميزانية العامّة للدّولة ؛
الثاني: "هزالة" نسبة النموّ السنوي للمخصّصات المالية للاستثمار في قطاع الصّحة (نسبة سلبية خلال سنة 2011 مقارنة بميزانية سنة 2010) ؛
الثالث: "فشل" السّياسات المنتهجة في تحقيق تدبير أمثل للقطاع الصّحي بشكل زاد من تعميق وتراكم الإختلالات التي يعانيها أصلا.
وإذا كان من شأن المحوريين الأوّلين إثبات عدم تناسب الإمكانات المالية التي تخصّصها عادة الدّولة مع أيّ جهود أو مبادرة فعلية لتحقيق التنمية المستدامة والمندمجة لقطاع حيوي يرتبط بالصّحة العامّة للمواطنين، فإنّ الأكيد أنّ كيفية تدبير الموارد المتوفرة سواء المالية أو البشرية يكشف خللا كبيرا لازم هذا القطاع خلال عدد من الولايات الحكومية التي تعاقبت على تدبيره ليتكرّس أخيرا بشكل جلي في السنين الأخيرة تحت يافطة إدارة الاستقلاليين لهذا القطاع.
فالوضعية المزرية التي يعرفها حاليا قطاع الصّحة في بلادنا تكشف عن تناقضات متعددة لم تستطع معها الإستراتيجية الوطنية للصحة عن الفترة الممتدة من 2008 إلى 2012 التي أرست خطوطها العريضة الوجوه الاستقلالية المستقدمة من خارج القطاع، أن تبعث نفسا جديدا قادرا على تحقيق النّقلة النّوعية المنشودة لمجتمع يحلم بجعل الصّحة حقا مكفولا للجميع عبر إنضاج كافة الشروط المتطلبة لتحسين ولوج السّاكنة للعلاجات الصّحية بموازاة توسيع قاعدة الاستفادة الفعلية لتشمل الشرائح الاجتماعية المحرومة خاصّة.
التدبير الحالي لقطاع حيوي (يرتبط بالصّحة البدنية والنفسية للموطن) واستراتيجي (لتداخله بمستلزمات الأمن الصّحي للبلد وسلامة مجاله) أبان عن هفوات أفرغت المجهودات السابقة لإصلاح منظومته من أي محتوى، وهو بالتأكيد ما زكّاه التقرير الأممي الأخير حول التنمية البشرية بالعالم الصادر خلال شهر نونبر 2011 الذي كشف عن تراجع تصنيف المغرب ب 16 درجة إلى المرتبة 130 عوض المرتبة 114 التي احتلها سنة 2010.
بالطّبع فكلّ مؤشّرات حسن التدبير بقطاع الصّحة عرفت مؤخرا تدنّيا متزايدا لا يمكن إغفاله بمناسبة مقاربة البيانات الحقيقية للتدبير المالي والمحاسباتي المتذبذب لهذا القطاع وملاحظة التعثر الذي يعرفه برنامج الإصلاح الإستشفائي بعدد من جهات المملكة وكذا مخطط التوسيع المتكافئ لعرض العلاجات في إطار الخريطة الصّحية ورداءة الخدمات الصّحية العمومية وضعف تنافسيتها وصعوبات ولوجيتها وخلل تدبير الموارد البشرية للقطاع وعدم جدوى خطة القضاء على الرشوة داخل المؤسسات الصّحية.
على كلّ هذه المستويات سيبدو سوء التسيير حاضرا ما دام تدبير الوجوه الجديدة التي تمت المراهنة عليها لانتشال القطاع الصّحي من أزمته الحادة لم تزد إلا في تعميق مكامن خلله مما سبب العديد من المشاكل والهزّات ترجمت علانية من خلال الاحتجاجات التي تأججت منذ بداية ولاية حكومة عباس الفاسي من طرف العاملين بالقطاع الصّحي إلى جانب تصاعد بيانات التنديد من طرف مختلف المركزيات النّقابية. وقد ترجم كلّ ذلك - بشكل لافت - في شكل أسئلة برلمانية وجهت بحدة شديدة وجرأة قوية للوزيرة الاستقلالية ياسمينة بادو التي عانت الأمرّين ولم تسعفها توسلاتها لرئيس الحكومة من تخفيف الضغط والإحراج الذين كابدتهما تحت قبّة البرلمان طيلة مدة تسييرها للقطاع.
إنّ الوضعية الرّاهنة للقطاع الصّحي - وهي بكلّ تأكيد وضعية فشل تام - قد كانت من بين أهم مطالب الشارع المغربي خلال حراكه الشعبي للاحتجاج والتنديد علانية بخطورة الأزمة الحالية التي تشهد تدني، بل شبه غياب، لعرض الخدمات الصّحية أو صعوبة الولوج إليها خاصّة والمسألة كلّها ترتبط في جوهرها بحقّ من حقوق الإنسان التي لا يمكن التّنازل عنها.
كما سلف، فسوء تدبير المسؤولين الإسقلاليين القادم أغلبهم من خارج القطاع الصّحي والذين تمّ تنصيبهم لإدارة مواقع مسؤولية ذات أهمية إستراتيجية بالنسبة للقطاع تعزّزه المؤشّرات التالية :
1- الخلل الكبير الذي رافق تدبير الميزانية الضخمة التي تخصصها الوزارة لاقتناء الأدوية كمادة حيوية وإستراتيجية بالنّسبة لأهداف الرعاية الصّحية منذ تعيين مسؤولة جديدة، استقلالية، على رأس قسم التموين التّابع مباشرة للكتابة العامّة حيث ارتُكبت خلال سنة 2010 "أخطاء جسيمة" في جلّ ملفات طلبات العروض المتعلّقة بصفقات اقتناء هذه الأدوية ممّا فوّت على وزارة الصّحة الحصول على تأشيرة وزارة المالية في ما يقارب صفقات بملايين الدراهم .
وقد كان من نتائج ذلك حصول خصاص كبير في تموين الوحدات الصّحية والمراكز الإستشفائية بمختلف العمالات والأقاليم بهذه المواد الدوائية مماّ لم تتمكن معه الوزارة من تلبية احتياجات المرضى في الوقت الذي نتحدث فيه عن مخطط للتغطية الصّحية الإجبارية تعتبر الأدوية ابرز ركائز سلّة العلاجات التي يضمنها؛
2- فشل في تدبير عدد من أوراش إحداث مراكز إستشفائية أو تأهيل ما هو متواجد منها ولم يعد يلبّي حاجيات الساكنة في التطبيب والعلاج، حيث عجزت الوزارة، طوال فترة انتداب الوزيرة الإستقلالية وفريقها الذي استقدمته من مشارب شتّى، على إدارة وتسريع وثيرة إنجاز عدد من المشاريع الإستراتيجية والمهيكلة للقطاع على المستويين المحلي والجهوي، لا أدلّ على ذلك التأخّر الكبير لورش الإصلاح الإستشفائي في إطار مشروع "الصّحة بالمغرب III" الذي يموّل عن طريق قرض من البنك الأوروبي للاستثمار والذي لا زال يراوح مكانه بعدما تجاوز مدّة القرض المتعاقد بشأنها دون إيجاد حلول لاختلاف وجهات النّظر حول نوعية الأشغال المزمع القيام بها في عدد من المراكز الإستشفائية إضافة إلى احتدام الصراع بين عدد من المديريات المركزية للوزارة على قيادة عمليات الإصلاح مما أدخلها في نوع من "صراع المواقع" ولجوئها المفضوح إلى استخدام سلاح العرقلة المتبادلة لكلّ مجهود من شأنه تحريك عجلة الأوراش الرّاكدة حيث لا زال عدد منها متوقّفا عند عتبة الدراسات التّمهيدية.
نفس الأمر ينطبق على مخطط الوزارة لتأهيل عدد من مستشفيات الأقاليم الصّحراوية في إطار اتفاق (لم يحز صفة التعاقد) مع وزارة الصّحة بمناسبة انعقاد الدورة العادية للمجلس الاستشاري للشؤون الصحراوية "كوركاس" سنة 2008.
هذا "الاتفاق" لا زال عدد من أوراشه متعثرا دون أن يتمكّن المهندسون " الإستقلاليون الجدد" من إيجاد حلول تقنية تفيد في إخراج المشاريع المتوقفة التي تضمنها إلى حيز الوجود.
من الأكيد أنّ الأمثلة من هذا النّوع لا يمكن حصرها، إذ يكفي ملاحظة تزايد عدد الأوراش التي تمّ فتحها بعدد من المناطق دون أن تواكبها الإمكانات والطاقات البشرية خصوصا في ظلّ التهميش المتعمّد الذي طال الكفاءات الموجودة بعدد من المديريات التقنية للوزارة وتعويضها بالعناصر "الإستقلالية" التي أبانت عن عجز تام في تتبع مخططات تنمية القطاع الصّحي.
3- تصاعد حدّة الانتقادات الموجّهة ضد الصّفقات التي تُمرّرها وزارة الصّحة على المستوى المركزي من خلال مديرية التجهيزات والصّيانة فيما يتعلّق بالصفقات الكبرى لاقتناء التجهيزات الطبية والبيوطبية بميزانية ضخمة وصلت إلى ما يزيد عن 450 مليون درهم سنة 2010.
فجودة هذه التجهيزات أضحت مثار شكّ لدى العديد من مستعمليها بالمراكز الإستشفائبة والوحدات الصّحية المختلفة بسبب تعددّ الأعطاب التي تشكو منها والتي يُرجعها جلّ التقنيين والمهندسين إلى رداءة صنعها مقارنة بالماركات الألمانية والفرنسية المشهود لها بدقة الصّنع وفق المواصفات العالمية والتي تعتبر الشركات المروّجة لها رائدة في سوق بيع هذه التجهيزات.
هذا وممّا لا يمكن إغفاله هنا هو ملاحظة مدى تشبّث مسؤولي وزارة الصّحة المركزيين في احتكار طلبات العروض المتعلّقة بهذه التّجهيزات على المستوى المركزي في وقت تشدّد فيه التّوجهات السّامية ومختلف البيانات الحكومية على وجوب سُلوك سياسة جهوية رشيدة وفعّالة عبر تحويل الإمكانات والوسائل من مركز القرار نحو المجالات الترابية المحلية والجهوية.
الانتقادات التي أصبحت ترافق عمليات تمرير الصفقات الممركزة لاقتناء التجهيزات بوزارة الاستقلالية ياسمينة بادو ترجمتها البيانات الشديدة اللّهجة الصادرة عن عدد من المركزيات النقابية التي شكّكت في الظروف السّليمة التي يتم فيها إعداد ملفات طلبات العروض وتمرير الصّفقات المتعلّقة بها وكذا التحايلات المحتملة لإرسائها على شركات لم تكن في السّابق محلّ إجماع العارفين نظرا لرداءة التجهيزات التي تحتكر توزيعها بالمغرب.
4- فشل كبير في تدبير الموارد البشرية تظهر ابرز تجلّياته في العشوائية والتسرع في عمليات الإعفاء والتعيين بعدد من مناصب المسؤولية دون مراعاة لقواعد التّدرّج الإداري وضرورات تطابق المنصب للتكوين والتّجربة والكفاءة، بل لقد تمّ ذلك في جلّ الحالات في إطار الانتماء والموالات الحزبية والعلاقات العائلية ولا يضير في ذلك أن يتحصّل عدد من الملحقين بديوان الوزيرة (وإن كان معلما أو عاملا بمصالح الأرصاد الجوية أو غيرها) بمناصب مسؤولية مهمّة كمدراء أو رؤساء أقسام بالإدارة المركزية دون التّوفّر على الشروط المطلوبة تيمّنا في ذلك بتعيين سابق لرئيس ديوانها كاتبا عاما للوزارة.
هذا الواقع المرير الذي رافق تدبير الموارد البشرية تحت قيادة إدارة أساءت لوزارة الصّحة ولموظفيها أكثر مماّ اجتهدت في إقرار سياسة تدبيرية حديثة أو بلورة تصوّر استراتيجي لتنمية الطاقات البشرية التي تعتبر عماد القطاع الصّحي. وهو واقع أثار العديد من موجات الاستنكار والاحتجاج خصوصا وقد ترافق ذلك والكشف العلني لعدد من حالات ارتشاء وتزوير لنتائج مباريات التوظيف في أسلاك الوزارة وكذا مباريات الكفاءة المهنية في مسار مفضوح أدى مؤخرا إلى دخول الشرطة القضائية على خط التحقيق في هذه التحرّكات المشبوهة بعد اكتشاف تعيينات مزورة ل 130 فردا في سابقة أحدثت رجّة كبيرة بوزارة الصّحة لا زالت لم تتكشّف خيوطها ومضاعفاتها بعد.
إنّ اختلالات من هذا الحجم في دولة تحترم فيها الحقوق وتقوم على سيادة مبدأ المراقبة والمحاسبة كانت كفيلة بإزاحة مدير الموارد البشرية من مركزه عوض الارتكان إلى تحميل كامل مسؤولية الفساد المستشري في تدبيرها إلى عدد من رؤساء المصالح في محاولة لدرّ الرّماد في العيون واتخاذها ذريعة للإقدام على إجراء تعيينات جديدة "حزبية " بالأساس غداة انطلاق الحملة الممهّدة للانتخابات التشريعية ل 25 نونبر 2011 .
لا مبرّر لإجراء تعيينات خلال فترة الوقت الميّت لنهاية مهمّة الوزيرة الاستقلالية الحالية مع ملاحظة افتقار عدد من حالات هذه التعيينات المتسرّعة للشروط القانونية المطلوبة للتعيين في مناصب المسؤولية بعدد من المديريات كما هو حال مديرية التنظيم والمنازعات المكلّفة بتدبير القضايا ذات الطّبيعة القانونية ومديرية علم الأوبئة ومحاربة الأمراض المسؤولة عن سلامة المجال والأمن الصّحي .
5- فشل في تدبير الصراعات الداخلية سواء على المستوى المركزي أو المحلي والجهوي بعد احتدام الخلاف بين ما تبقى من المسولين القدماء والمسؤولين الإستقلالين الجدد القادم أغلبهم من خارج القطاع والذين حصلوا على دعم الوزارة اللامشروط و"غير المبرّر" أحيانا ممّا أفضى إلى عدم التنسيق والتداخل الكبير في اختصاصات المديريات المركزية مع خلق مزيد من الأقسام وإلحاقها مباشرة بالكتابة العامّة للوزارة بهدف مركزة عدد من المهام كانت حتى وقت قريب مفوضة محليا .
هذا الواقع ترك أثره السّلبي جليا في كل ظروف العمل بمختلف الإدارات التابعة للوزارة وانعكس في شكل تأخرّ كبير في الإعلان عن طلبات العروض وعدم تمكن الوزارة من تحسين نسب الالتزام بالنفقات حيث توقف مؤشّر استهلاك وزارة الصّحة لميزانية الإستثمار برسم سنة 2010 عند حدود 96%، كما أنّ قيمة الإعتمادات المُرَحّلة عن السنوات السّابقة بالنسبة لغالبية الأمرين المساعدين بالصرف قد عرفت تزايدا مهولا إلى جانب ضعف ميزان الأداءات عن الصّفقات التي تبرمها وزارة الصّحة والذي لم يتجاوز حاجز43% ... كلّها مؤشّرات سلبية عن الخلل الكبير الذي طبع تدبير مالية وزارة الصّحة وشكل ورقة ضغط لمسؤولي هذه الوزارة خلال المفاوضات العسيرة التي يجروها بمناسبة إعداد قانون المالية أملا في انتزاع دعم وزارة المالية للقطاع في شكل زيادة مطّردة للموارد المالية المخصّصة له حيث لم ينجحوا طيلة السنتين الأخيرتين، رغم طلبات التحكيم الموجهة للوزارة الأولى، من انتزاع اعتمادات مالية إضافية ومعبّرة برسم ميزانية الاستثمار باعتبارها المؤشّر الحقيقي لتطوّر البرامج والمخططات الهادفة إلى تنمية القطاع الصّحي ببلادنا.
مماّ لا شكّ فيه فإنّ المسؤولية المباشرة عن وضعية التّدني التي آل إليها القطاع الصّحي ببلادنا يتحمل وزرها حزب الميزان، حيث تراجعت كلّ المؤشّرات الداّلة على وجود إستراتيجية حقيقية لتطوير القطاع الصّحي، فكان طبيعيا ألا تنجح جلّ تدابير الخطة الوطنية للصّحة التي راهنت عليها الوزيرة الاستقلالية رفقة فريقها "الحزبي" حيث لم تزد إلا في تعميق أزمة القطاع في مناحي متعدّدة يشهد بذلك المواطن العادي طالب العلاج في المستشفيات والمراكز الصّحية وموظفي الوزارة الذي تبيّنوا مدى الحضيض الذي وصلت إليه وزارتهم مقارنة بالنتائج التي حققتها تحت إدارة وزراء أكفاء سابقين كالدكتور الطّيب بن الشيخ والتهامي الخياري والهاروشي وغيرهم.
فلا تفعيل الخريطة الصّحية التي راهنت عليها الحكومة لتحقيق التوزيع العادل للخدمات الصّحية وتقليص الفوارق بين الجهات قد تمّ كيفما كان مبرمجا له، ولا تخفيض نسبة وفيات الأمهات خلال الحمل إلى 50 حالة في كل 100 ألف حالة قد تحققت، حيث تشير بعض المعطيات إلى عدم استقرار هذه النسبة بالمرّة بل نجدها قد ارتفعت إلى 240 حالة في كل 100 ألف، ولا مجهود القضاء على مظاهر الفساد والرشوة قد أعطى أكله إذ لا زالت هذه الظواهر تنخر القطاع بشكل غير مسبوق لم ينفع معها الخط الأخضر الذي وضع للتبليغ عن هذه الحالات ما دامت تستمدّ قوّتها من الشّعور بغياب المحاسبة وإضعاف أداء المفتشية العامّة للوزارة، ولا محاربة المضاربة في مجال صناعة الأدوية قد أمكن من تخفيض ثمن بيعها بالصيدليات ...إلخ.
كلّ هذا خلق جوا مكهربا وحالة من الغليان داخل العديد من المستشفيات مع تصاعد حدة الاحتجاجات سواء المؤطرة من طرف المركزيات النقابات أو العفوية الصادرة عن المرضى وذويهم ضدّ ظروف الإهمال الكبير الذي أضحت عليه مستشفياتنا ووحداتنا الصّحية الأساسية.
في ظلّ وضعية كهذه كان طّبيعيا جدا أن يتوالى فشل كلّ التّدابير الهادفة إلى تمتيع المغاربة بتغطية صحية إجباربة ما دامت الإدارة الحالية لم تتمكن من إنضاج كافّة شروط تعميمها وخاصّة تطبيق نظام المساعدة الطّبية للفئات المعوزة الذي أعطى الوزير الأول عباس الفاسي انطلاقته منذ نونبر 2008 بل بالمقابل فقد راكمت هذه الإدارة جملة من التجارب السلبية التي لم تزد سوى في تعميق الفوارق بالقطاع الصّحي كما أكدت ذلك مؤخّرا المذكرة التي أنجزتها مؤسّسة الوسيط من أجل الديموقراطية وحقوق الإنسان من خلال وقوفها على عدد من الاختلالات الناتجة عن عدم وفاء الحكومة التي يقودها الاستقلاليون بتعهداتها في الميدان الصّحي خاصة.
الواقع الحالي للقطاع الصّحي بكافة تجليات فشله التام، سيشكّل لا محالة تحديا كبيرا أمام الحكومة القادمة حيث، بالإضافة إلى الإرث الثقيل الذي ستجد نفسها ملزمة على تدبيره، يكون عليها كذلك إظهار جرأة كبيرة في العمل على ردّ الاعتبار للطاقات البشرية التي تشمل عددا من الكفاءات تمّ تهميشها بشكل متعمّد من طرف المسؤولين الإستقلاليين الجدد الذين تم استقدامهم من تنظيمات الحزب وفروعه و"دقّ" عدد منهم ك"المسامير" بمختلف مصالح الوزارة على بعد أيام قليلة من نهاية ولاية الوزيرة الحالية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.