كل المعطيات تنذر ببداية موسم دراسي ساخن، فقبل أيام من انطلاق السنة الدراسية الجديدة تفجرت فضيحة من العيار الثقيل في ردهات وزارة التربية الوطنية، فقد نشرت بعض المواقع الالكترونية تقارير مسربة يوم السبت 3 شتنبر، تفيد أن مسؤولين في وزارة التربية الوطنية قاموا بتنقيل مجموعة من المحسوبين عليهم من المقربين عائليا أو من العائلة السياسية في شهر غشت، أي في فترة العطلة دون احترام للقوانين والمساطر المنظمة للحركة الانتقالية، وفي غياب تام للشفافية، وفي إقصاء متعمد للشركاء النقابيين وممثلي اللجان الثنائية، مما يشي بوجود نية مبيتة "للتدويز الدكاكة" على الآلاف من رجال ونساء التعليم، ويؤشر على حالة الفساد التي صارت تعيشها الوزارة منذ تسلم الأخوين "اخشيشن والعابدة" لمقاليدها، إذ صارت الزبونية والمحسوبية والولاءات الحزبية والوظيفية هي اللغة السائدة، وهي المعيار في إسناد المناصب مركزيا وجهويا.أو الإعفاء منها في قطاع حيوي كالتعليم. ولعل ملف الفضيحة" الحركة الانتقالية" يعتبر من الملفات البالغة الحساسية عند رجال ونساء التعليم -مثلا عدد طلبات الانتقال سنة 2010 هو 51521-، إذ إنه يمس الجانب الاجتماعي بشكل مباشر لفئات عريضة منهم، إذ على نتائج الحركة الانتقالية تتوقف مشاريع العديد منهم في الزواج أو الإنجاب أو السكن أو دراسة الأبناء، وعلى ضوء نتيجة الحركة الانتقالية، التي تمثل كابوسا سنويا يعيشونه، تتحدد مجموعة من القرارات المصيرية، فالحركة هي الأمل الوحيد للتخلص من جزء من المعاناة والمرارة، خاصة في صفوف رجال التعليم المنسيين في الفيافي والجبال والصحاري دون أدنى شروط الحياة من طرق وماء وكهرباء واتصالات. ولا شك أن هذا الإحساس بالمرارة والمعاناة سيتفاقم بحدة بعد هذه الفضيحة التي ستقبر أي أمل في الانتقال المحلوم به، فرجال التعليم كانوا يقبلون على مضض بعض الامتيازات، ويقبلون على مضض بطء الحركة، ويقبلون على مضض بعض التفريغات النقابية، لكن أن يصل الأمر إلى المحسوبية وبدون سند قانوني "عيانا بيانا"، فهذا غير مقبول على الإطلاق، إذ كيف يعقل أن يعين المحظوظون من الخريجين الجدد، أو زوجة وبنت فلان، أو قريب أو قريبة علان قرب مقرات سكناهم منذ سنتهم الأولى، ويترك من قضوا عشرات السنين في شعاب الجبال وأقاصي البلاد أين المساواة؟ أين الشفافية؟ أين العدالة؟ أين تكافؤ الفرص؟.ففي الوقت الذي يعاني فيه القطاع من خصاص مهول في الأطر يكرس هذا القرار مبدأ تكديس الفائض إلى الفائض وخلق المزيد من الأشباح وتفريخهم، لأن أغلب الانتقالات تمت إلى جهات لا تعرف خصاصا أصلا، بل على العكس تعاني من فائض تضطر معه الأكاديميات إلى إعادة الانتشار أي توزيع المدرسين كل سنة. إن أقل ما يجب على الوزارة أن تقوم به أمام هذه الفضيحة، بعد أن أكد أكثر من مصدر صحة المعطيات، أن تباشر بفتح تحقيق قضائي وإداري شفاف وواضح ونزيه، تحدد فيه الجهات المسؤولة عن إصدار هذا القرار الذي يحمل توقيع "شفيق أزبة" مدير الموارد البشرية، زميل السيدة الوزيرة والإطار السابق في وزارة المالية، لتتم معاقبتها بكل حزم، وأن تكشف التفاصيل التامة لرجال ونساء التعليم ولعموم المواطنين بكل شفافية، كما على النقابات أن تجعل من هذه الفضيحة مناسبة لتبني مقاربة شمولية وجذرية لملف الحركة الانتقالية، فالأساليب العتيقة والحلول الروتينية القديمة لم تصبح كافية فهي تساهم في تأزيم الأوضاع أكثر وتراكم مشاكل الانتقال على مدى سنوات، كما على رجال التعليم وعبر شبكات التواصل الاجتماعي وعبر تكتلات مستقلة، أن يشكلوا مجموعات للضغط على الحكومة القادمة، وأن يقوموا باقتراح حلول ناجعة لملفات التعليم العالقة رغم تعاقب الوزراء واللجان والبرامج والمخططات، كالترقية والساعات الإضافية والأقسام المشتركة والاكتظاظ والهدر المدرسي وعقلنة تدبير الموارد، ف"أهل مكة أدرى بشعابها" كما يقال، فالمغرب في حاجة إلى المبادرة الشجاعة وإلى ابتكار حلول مبدعة تسهم في الحد من تردي التعليم وتطوير هذا القطاع الحيوي، فأزمة التعليم أكبر من الحكومة وأكبر من النقابات -هذا في حالة حسنت النوايا- فما بالك وأن السياسات المنتهجة تطرح أكثر من علامة استفهام. التعليم قضية أمة ومجتمع يريد أن يتحرر من الضحالة الفكرية ومن التبعية السياسية ومن التخلف الاقتصادي، هذا هو السؤال وهو التحدي. فهل نحن مع الموعد؟ [email protected]