مع تنصيب الرئيس الجديد لموريتانيا محمد ولد الشيخ الغزواني، تتطلع دول الجوار إلى اكتشاف معالم التوجهات الخارجية الخاصة بالرئيس، ومواقفه من عدة قضايا خارجية على رأسها قضية الصحراء المغربية، التي تلعب موريتانيا دورا مهما فيها. وأثار ولد الغزواني جدلا بالمغرب بعد استدعاءه زعيم جبهة البوليساريو لحضور حفل تنصيبه كرئيس جديد لموريتانيا. توجيه الحكومة الموريتانية دعوة رسمية إلى "البوليساريو" من أجل حضور حفل تنصيب الرئيس الموريتاني الجديد، جاء على هامش القمة الإفريقية بالنيجر، حيث سلم وزير الشؤون الخارجية الموريتاني إسماعيل ولد الشيخ، دعوة إلى محمد سالم ولد السالك، موجهة إلى زعيم الجبهة ، من أجل المشاركة في مراسيم واحتفالات تنصيب الرئيس الجديد. الباحث في قضية الصحراء نوفل البعمري يعتبر أن هذه الدعوة جاءت ك "إجراء بروتوكولي" ولا ترقو لتعبر عن موقف سياسي للرئيس الجديد من نزاع الصحراء. التفاصيل في الحوار بعد أن طبعت العلاقات بين نواكشوط والرباط فترات فراغ وتخللتها أزمات خلال فترة حكم ولد عبد العزيز، هل من الممكن أن تتحسن العلاقات بين البلدين مع ولد الغزواني؟ العلاقة المغربية-الموريتانية لم تكن بالسوء الذي قد يذهب إليه البعض، و لا يمكن أن تصل للقطيعة لأسباب تاريخية مشتركة و سياسية رغم أنه كان يتم استغلال ملف الصحراء للتشويش على العلاقة بينهما وكاد يدفع هذه العلاقات التاريخية نحو القطيعة، لكن هذا لم يحدث. بالفعل، كانت هناك لحظات جزر. لكن هذا أمر يحدث عادة في العلاقات الدولية بين دول الجوار. ما يؤشر على قوة الروابط هو سرعة احتواء الأزمات للصالح المشترك بين البلدين. يكفي الإشارة هنا إلى أن العاهل المغربي محمد السادس كان أول المهنئين لولد الغزواني، وأكد في رسالة التهنئة على حرص الملك الشديد على العمل سويا مع ولد الغزواني " من أجل إعطاء دفعة قوية لعلاقات التعاون المثمر، القائم بين بلدينا، وتعزيز سبل الاستغلال الأمثل للفرص والمؤهلات المتاحة لهما، تجسيدا لما يشد شعبينا الجارين من وشائج الأخوة، والتضامن والتقدير المتبادل، وتحقيقا لما ينشدانه من تقارب، وتكامل، واندماج جدير برفع مختلف التحديات، التي تواجههما” و هو خطاب واضح يعكس رؤية مغربية على أهمية العلاقة بين المغرب و موريتانيا و على مستقبلهما المشترك.
ولد الغزواني أبدى نوعا من التناقض في إشاراته الخاصة بالعلاقات مع المغرب. فمن جهة، طالب بمراجعة منح ساكنة تندوف أوراق الإقامة بموريتانيا، ومن جهة أخرى أصبح ولد الغزواني أول رئيس موريتاني يوجه دعوة رسمية لزعيم البوليساريو من أجل المشاركة في نشاط رسمي بموريتانيا، ويتعلق الأمر بحفل تنصيب الرئيس الجديد. ما هي قراءتك لهذه الإشارات؟ من تابع الانتخابات الرئاسية بموريتانيا التي أوصلت ولد الغزواني للرئاسة سيلاحظ أن خطابه الانتخابي يلتقي مع المغرب في عدة قضايا، ضمنها رؤيته لطبيعة تواجد ساكنة المخيمات بموريتانيا و منحها الجنسية الموريتانية. فولد الغزواني أعلن صراحة عن رفضه لهذا الإجراء لما له من تأثير على تركيبة المجتمع الموريتاني، وبسبب تأثيره السياسي أيضا، إذ أن ولاء المجنسين من المحسوبين على البوليساريو يبقى للنظام الجزائري، حتى بعد حصولهم على الجنسية الموريتانية. هذا الأمر قد يكون له انعكاس سياسي على الوضع الداخلي الموريتاني. ولد الغزواني يلتقي أيضا في آرائه مع المغرب في محاربة الإرهاب، إذ ركز في خطابه على هذه النقطة، و هو ما يجعل من المغرب الخيار الأفضل له للاستفادة من تجربته، والرفع من القدرات الأمنية لموريتانيا لمواجهة التهديدات الإرهابية و الأمنية الداخلية والإقليمية. وبالعودة لحضور ابراهيم غالي لمراسيم تنصيب الرئيس الموريتاني، فإن دعوته من طرف الحكومة الموريتانية كانت إجراء بروتوكوليا اكثر منه موقفا سياسيا. ولا يمكن اعتماده كمعطى سياسي ثابت في علاقة موريتانيا بالبوليساريو. يكفي فقط الإشارة الى الموقف الموريتاني الذي عبرت عنه من العملية السياسية لحل النزاع المفتعل حول الصحراء قبل استقالة المبعوث الأممي السابق للصحراء هورست كوهلر، إذ تبنت موريتانيا موقفا فيه الكثير من الحياد الإيجابي و دعمت المسار السياسي للعملية التي أطلقتها الأممالمتحدة بالمرجعية التي وضعتها هي الوصول لحل سياسي واقعي عن طريق دينامية جديدة. و هذا الموقف في حد ذاته موقف إيجابي لا يروق خصوم المغرب، الذين كانوا يراهنون على تشنج العلاقة بين البلدين. مع التذكير أن الأمر يتعلق بمرحلة ولد عبد العزيز الرئيس السابق، مما قد يكون مؤشر على أن تحول الموقف الموريتاني ليس وليد اللحظة بل تم إنضاجه وهو ما يتطلب من المغرب تفهم التحولات التي تحدث في موريتانيا بنفس الروح الإيجابية التي عبرت عنها الرسالة الملكية.
من المرتقب أن تدخل موريتانيا والسينغال إلى أندية الدول المصدرة للغاز خلال السنتين المقبلتين، بعد اكتشاف كميات مهمة من الغاز على المياه المشتركة بين البلدين. ولأن تدبير الحقول سيكون مشتركا بين البلدين، أصبحت موريتانيا تسعى إلى تحسين علاقاتها مع داكار. ومن جهة أخرى، تسعى موريتانيا إلى تصدير الغاز إلى أوروبا، وهو أمر لن يتم إلا عن طريق المغرب. فهل من المرجح أن تغلب نواكشط مصالحها الإقتصادية على مواقفها السياسية وأن تبادر في التقارب بشكل أكبر مع المغرب أيضا؟ تحسين مورتيانيا لعلاقاتها مع المغرب ليس مرتبط فقط بموضوع الغاز الذي تم اكتشافه في الحدود بين السنغال و موريتانيا، بل مرتبط بكل القضايا، ضمنها والروحية و الاقتصادية ثم السياسية. ولا يجب أن ننسى هنا علاقة المغرب بالسنغال التاريخية و القوية ،مما يجعل من العلاقة الثلاثية بين هذه البلدان خاصة تجاريا واقتصاديا رهانا جماعيا نحو التكامل والتنمية المشتركة.