خلق قرار منع فصائل الالتراس وكافة المظاهر الاحتفالية المصاحبة لها بشكل نهائي من ملاعب كرة القدم المغربية عقب أحداث العنف التي شهدتها مباراة الرجاء البيضاوي وشباب الريف الحسيمي بمركب محمد الخامس بالدار البيضاء في مارس الماضي ردود فعل متباينة في أوساط الشارع الرياضي المغربي. فهناك من يرى في القرار خطوة ولا بد منها في اتجاه الحد من ظاهرة شغب الملاعب التي استشرت في السنوات الأخيرة ومن يعتبره منعا في حق شباب مبدع كرس حياته لثقافة التشجيع لكنه يدفع ثمن ما اقترفته أيدي قلة ممن يسمونهم بالمندسين والجاهلين بأعراف ومبادئ الالتراس. أحداث ما بات يعرف بالسبت الأسود التي جاءت نتيجة مشاحنات بين فصيلي الإيغلز والغرين بويز المساندين لفريق الرجاء البيضاوي والتي أسفرت عن مقتل شخصين وجرح واعتقال العشرات كانت النقطة التي أفاضت الكأس ودفعت وزارة الداخلية إلى إصدار تعليمات صارمة بمنع أي مظهر يوحي بظاهرة الالتراس كما قامت بتكليف الولاة والعمال بتبليغ الأندية الكروية التابعة لنفوذها الترابي بالقرار. منع سرعان ما تجلت ملامحه في الملاعب الوطنية التي غابت عنها صنوف الاحتفال واللوحات الأخاذة أو التيفوهات التي لطالما أنست عشاق الكرة المغربية رتابة الكثير من المباريات التي تجري فوق المستطيل الاخضر، خاصة لقاءات الديربي، واستطاعت لفت انتباه المتفرجين لمباريات أخرى أكثر إثارة تجري على المدرجات. والان وبعد مرور أزيد من ثلاثة أشهر على قرار المنع وأسابيع قليلة على بداية الموسم الكروي الجديد، يتبادر إلى ذهن المتابع الرياضي بالمغرب مجموعة من الأسئلة: ما مدى نجاعة هذه الخطوة في احتواء ظاهرة شغب الملاعب خاصة أنها ظاهرة معقدة ومتشعبة و لا تقتصر بالضرورة على سلوكيات أفراد من الالتراس؟ وهل هناك بدائل متوفرة لاستمرار المظاهر الاحتفالية التي تخلقها هذه الجماعات التشجيعية وذلك في أجواء حضارية بعيدة عن العنف؟ عبد الرحيم غريب يرى أن منع فصائل الالتراس قرار "خطير" غلب عليه طابع المزاجية وردة الفعل المتسرعة، إذ اعتبر الباحث في المجال الرياضي في حوار مع موقع القناة الثانية أن القرار قد يؤدي إلى نتائج وخيمة على الكرة المغربية. ففي ظل ضعف تنافسية الأندية، استطاعت روابط الالتراس، يقول غريب، إنقاذ ماء وجه الكرة المغربية وخلق فرجة حقيقية ساهمت في إشعاع المنتوج الكروي المحلي على الصعيد الدولي. ونفى الأستاذ الجامعي أن يكون كل المنتمين لفصائل الالتراس المغربية من ذوي الميول العدوانية أو النزعات العنيفة، مضيفا أن ثقافة الالتراس نجحت في سنواتها الأولى من وصولها للمغرب من استقطاب شباب متعلم قادر على خلق القيمة المضافة، لكن الأمور تغيرت في السنوات الأخيرة حيث فقدت النواة المسيرة للالتراس السيطرة على المنضمين الجدد. طرح يتفق معه أنور من ألتراس ريد ريبلز المساند لنادي حسنية أكادير. الطالب القاطن بعاصمة سوس يرفض الصاق فكرة العنف ضد الالتراس، مؤكدا أن غالبية المنتمين للالتراس يمارسون التشجيع بطرق متحضرة وأنهم يحرصون على توجيه رسائلهم داخل الملاعب بشكل سلمي. فبالنسبة لأنور وزملائه ممن يعتبرون ثقافة الالتراس نمط حياة، فالملعب هو ذلك المكان الذي يمارسون فيه حرية التعبير و تفريغ الشحنات الزائدة وتفجير الطاقة والسخط على الأوضاع العامة. أدوار التعبئة والتأثير المتعاظم لمدرجات الملاعب التي تجاوزت قدرة الأحزاب والتنظيمات السياسية يرجعها غريب إلى ما أسماه بتردي مؤسسات التنشئة الاجتماعية و انسحاب الحكومات المتعاقبة من الأدوار المنوطة بها والمتمثلة في تأطير الشباب ومواكبة واحتضان أحلامهم و مشاريعهم. فحسب الباحث الرياضي فإن استشراء مظاهر الطبقية وارتفاع معدلات الفقر والتهميش في المجتمع يعد من أسباب ظاهرة الشغب في الملاعب المغربية، حيث أنتجت هذه الظواهر فئة من الباحثين عن الانتقام وتخريب الممتلكات العامة كرد فعل عن احساسها بالإقصاء وظلم السياسات لها. لكل هذه الأسباب يطالب الباحث في المجال الرياضي عبد الرحيم غريب بسن سياسة عميقة على المدى البعيد. ويقول غريب بهذا الخصوص في حوار هاتفي مع موقع القناة الثانية أنه على الدولة تبني استراتيجية شاملة وحساب المعادلة رياضيا وسياسيا بحيث تجد فيها تخصصات من قبيل علم النفس والاجتماع موطئ قدم، مشددا على ضرورة عدم الاقتصار على المقاربة الامنية لمعالجة شغب الملاعب. "فالظاهرة ليست مسألة تقنية تحتاج لحلول تقنية بل المشكل أعمق بكثير من ذلك،" يضيف غريب.