بإعلان إلترا «وينرز»، المساندة لفريق الوداد البيضاوي، عن قراره الأخير بمقاطعة لقاء الديربي، تعود قضية الألتراس من جديد إلى سطح الأحداث، ويعود النقاش حول ضرورة انضباط هذه الفصائل من الجماهير المغربية للقانون، وانخراطها ضمن إطارات معترف بها، حتى يسهل التعامل معها، وهذا موقف غالبية المتتبعين، الذين يرون في تعنت الألتراس، وتوحدها وراء مطلب عدم الحل، هو ابتزاز للسلطة، التي كانت قد أعلنت سابقا، وعقب أحداث السبت الأسود، عن حل كافة فصائل الألتراس المغربية. فصحيح أن الألرتاس كانت تضفي على المدرجات جمالية ورونقا واحتفالية كبيرة، وتفوقت في كثير من الأحيان عما يقدمه اللاعبون فوق البساط الأخضر. وكثيرة هي المرات، التي يبدي فيها اللاعبون انبهارهم بما تجود به ملكات فصائل الألتراس من إبداع على المدرجات، في مشاهد تعبيرية، فاقت كل التوقعات، بيد أن الفكر المتطرف لكثير من المجموعات، وكذا أحداث العنف، التي ارتبطت بالعديد من الفصائل، والتي وصلت حد القتل، بعد التناحر الذي اندلع بين انصار الرجاء، مباشرة بعد لقائهم بشباب الريف الحسمي، خلال بطولة الموسم الماضي، والتي أزهقت روح شخصين، فضلا عن العديد من الجرحى، فرض تدخل وزارة الداخلية، التي تعاملت مع الوضع بقسوة، وفرضت حظر دخول الألترات إلى المدرجات، ما جعل هذه الأخيرة تنتفض ضد الأمر، وتقرر بشكل جماعي مقاطعة المباريات، إلى أن يتم التراجع عن هذا القرار، الذي وصفته بالجائر. وتعبأت فصائل الألتراس ضد قرار أم الوزارات، ووظفت كل وسائل الضغط، من أجل دفعها إلى التراجع عن المنع، وتبنت عبارة « الألتراس لن تحل»، التي غزت العالم الافتراضي، وانتشرت في كل الأماكن العامة والخاصة. ويرى البعض أن خروج ألترا «غرين بوز» عن القاعدة، وإعلانها عن حضور لقاء الديريي البيضاوي، المقرر يوم غد الأحد بمركب أكادير، ضربا لوحدة صف الألتراس، وهو ما اعتبرته باقي الفصائل، وفي مقدمتها الوينرز، خروجا عن الإجماع على «المقاطعة الشاملة للمباريات لأجل غير مسمى، مع اتخاذ «خطوات نضالية تصعيدية مرافقة للمقاطعة الشاملة». وكان فصيل «الوينرز» قد عاد، عقب مباراة الجيش الملكي والوداد، برسم الجولة السادسة من الدوري الاحترافي، لقرار المنع الذي طال أنشطة الأولتراس، معتبرا أن «الشغب الحقيقي هو شغب القيادات والمسيرين، ممّن يعيثون فسادا في الرياضة المغربية»، مستدلا بالفشل الذريع الذي كان عنوانا للمشاركة المغربية في أولمبياد ريو دي جانيرو، معتبراً أنه «دليل صارخ على أن هناك العديد من الجامعات التي يجب أن تحل، وأن العديد من المسيرين يجب أن يحاسبوا على تبذيرهم لأموال الشعب، دون أي نتائج تذكر، سوى تشويه راية المملكة على المستوى العالمي». وعبر الفصيل عن رفضه اعتبار «الأولتراس» الشماعة التي تخفي مصائب الرياضة، ولا يمكن تحميلها فشل منظومة التربية والتعليم، لكن بالمقابل، يقول «الوينرز» إن الفصائل على استعداد تام لتنوير الشباب الشغوف والمساهمة في رفع مستوى الوعي، في إطار دورها التأطيري في أسلوب الحياة وليس فقط في المدرجات. ومن جانبها انضبطت مجموعة إلترا إيغلز، المساندة لفريق الرجاء البيضاوي إلى جانب قرار الأغبيلة، بتفعيل المقاطعة، لكنها اختارت أن تدعم ناديها باقتناء تذاكر الديربي. في هذا الملف نقترب أكثر من طريقة تفكير هؤلاء الألتراس، كما نحاول أن تبحث في تبعات قرار الحل. ماهية الألتراس الألتراس أو الأولتراس كما جاء في موسوعة «ويكيبيديا» هي كلمة لاتينية تعني المتطرفين، وتظهر بصورة مجموعات مشجعي الفرق الرياضية والمعروفة بانتمائها وولائها الشديد لفرقها، وتتواجد بشكل أكبر بين محبي الرياضة في أوروبا وأمريكا الجنوبية وحديثا في دول شمال أفريقيا. وقد أُنشئت أول فرقة أولتراس عام1940 بالبرازيل، وعرفت باسم «Torcida»، ثم انتقلت الظاهرة إلى أوروبا وبالضبط إلى يوغوسلافيا ثم كرواتيا وبالتحديد جمهور «Hajduk Split» ، والذي كان أول من أدخل هذا النوع. وتميل هذه المجموعات إلى استخدام الألعاب النارية أو «الشماريخ» كما يطلق عليها في دول شمال إفريقيا، وأيضا القيام بالغناء وترديد الهتافات الحماسية لدعم فرقها، كما يقومون بتوجيه الرسائل إلى اللاعبين. وتقوم هذه المجموعات بعمل «دخلات» خاصة في المباريات الهامة، وكل ذلك يضفي البهجة والحماس على المباريات الرياضية وخاصة في كرة القدم. ولا يتوقف الغناء أو التشجيع خلال المباراة، ومهما كانت النتيجة، كما يمنع الجلوس أثناء اللقاءات، التي ينبغي على المحب أن يحضر العدد الأكبر منها، بغض النظر عن التكاليف أو المسافة. ويظل الولاء قائماً للمجموعة المكونة، ولا يمكن الانضمام لأخرى. ومجموعات الأولتراس عادة ما يكون لها ممثل، يتولى الاتصال مع أصحاب الأندية على أساس منتظم، ومعظم هذه الاتصالات تكون من أجل التذاكر، وتخصيص مقاعد معينة بمكان جلوس المجموعة أو ما يسمى الانعطاف أو (الكورفا أو الفيراج)، وأماكن لتخزين الأعلام والرايات (الدخلات في تونس و الجزائر والطلعات في المغرب). وبعض النوادي توفر للأولتراس أرخص التذاكر وأماكن تخزين اللافتات والأعلام، والوصول المبكر إلى الملعب قبل المباريات من أجل الإعداد للعرض. غير أن بعض المشجعين الذين لا ينتمون للأولتراس ينتقدون هذا النوع من العلاقة. كما ينتقدهم آخرون لعدم الجلوس على الإطلاق خلال المباريات وإشهار الرايات والأعلام، حيث يمنع ذلك رؤية المباراة من قبل المشجعين الذين يقفون وراءهم. وانتقدهم آخرون لقيام بعضهم باعتداءات جسدية أو تخويف من لا ينتمي للأولتراس. وتعتمد مجموعات أولتراس على التمويل الذاتي، ولا يجوز بأي حال من الأحوال أن تقبل الأولتراس أي إعانة من أي مصدر، ويتم التمويل الذاتي عبر بيع المنتوجات، بالإضافة إلى مداخيل العضوية، والتي يتم تجديدها مرة في السنة. ولكل مجموعة أولتراس اسمها ورمزها الخاصين بها، ويُطبع الاسم والرمز على الباش، الذي هو قطعة من القماش لا يمكن تقطيعها بسهولة، وله أهمية قصوى، وينقسم إلى نوعين: الباش الرسمي وباش الترحال. فالباش الرسمي ،لا يخرج من المدينة التي يوجد بها الفريق، ويتم تعليقه فقط في الملعب الخاص بالفريق، وعملية إدخال وإخراج الباش الرسمي تتم بمنتهى الحذر، حيث غالبا ما يتم إدخاله من طرف عدة أشخاص يعتبرون ذوي مكانة خاصة في المجموعة، ولا يعرف بالضبط من يحمله ومن يخرجه من الملعب، بغاية الحفاظ عليه من السرقة، لأن قانون أولتراس، يفرض حل المجموعة التي تتم سرقة باشها الرسمي، ويتحول أعضاؤها إلى مجرد مشجعين عاديين. أما باش الترحال فهو يرافق المجموعة في ترحالها داخل أو خارج أرض الوطن، ولا يقل أهمية عن الباش الرسمي. ويتعين على المنخرط احترام مبادئ وقوانين الأولتراس، والحفاظ على منتجات المجموعة، التي اقتناها بكل حذر، لأن أعضاء المجموعات الأخرى يتربصون به. وعندما تتم سرقة منتوج مجموعة ألتراس من طرف أعضاء مجموعة أخرى، يتم تصويره مقلوبا رأسا على عقب ويتم نشر الصورة لما فيها من مذلة وسخرية. وتجدر الإشارة إلى أن سرقة المنتجات شيء جائز ومتفق عليه في قوانين أولتراس، بشرط عدم استخدام أسلحة مهما كان نوعها، والحرص على استخدام الأيدي فقط. الفصائل تتحدى وتتوعد سجلت مباريات كرة القدم في السنوات الأخيرة حالات عنف كبير، حيث خلف تطاحن الفصائل المساندة للفرق المغربية العديد من المصابين، بل إنها أزهقت أرواح البعض ممن قدر لهم التواجد في المكان غير المناسب وفي الوقت غير المناسب. فضلا عن تعريض الممتلكات العامة والخاصة للتخريب. وتبقى الأحداث التي رافقت مباراة الرجاء البيضاوي شباب الريف الحسيمي، يوم 19 مارس 2016 الأخطر في تاريخ صراعات فصائل الألتراس، ذلك أن صدامات بين فصيلين مساندين للفريق الأخضر كانت عنيفة للغاية، حيث خلفت وفاة شخصين، وإصابة أزيد من 50 آخرين بجروح متفاوتة الخطورة، الأمر الذي استفز وزارة الداخلية، التي أعلنت عن قرارات صارمة، بعدما لم تنفع الحملات التحسيسية، التي تمت مباشرتها قبل حوالي عقد من الزمن. وتباينت ردود الأفعال، بعد صدور القرار القاضي بتجميد حركة «الألتراس» بالمغرب لافتقادها الصفة القانونية، وتسببها في تسجيل العديد من الوفيات وإلحاق أضرار بالممتلكات العمومية. لقد وجدت وزارة الداخلية نفسها مجبرة على التدخل، بعدما تعالت أصوات تطالب بوضع حد لكل تجمع جماهيري غير قانوني، حيث باتت مباريات كرة القدم تقض مضجع سكان الأحياء المتاخمة للملاعب، وقد سجلت حالات اعتداء على السكان بكل من طنجة وسلا والرباط والدار البيضاء، بل امتد يد العنف حتى مدينتي أكادير والعيون. وعممت ولايات المغرب بلاغا على الفرق يقضي «بمنع كافة أنشطة المجموعة المسماة الألتراس المساندة للفرق». وأضاف البلاغ «نظرا لكون المجموعة المسماة «الألتراس» تعد غير موجودة من الناحية القانونية، لكونها غير مصرح بها طبقا لمقتضيات الظهير الشريف، والمتعلق بحق تأسيس الجمعيات، وبالتالي تبقى كافة أنشطتها غير مشروعة وخاضعة للعقوبات المقررة بمقتضى القانون». وتابع «واعتبارا لكون العامل هو الساهر على تطبيق القوانين والأنظمة والمكلف بالحفاظ على النظام العام بتراب المملكة أو الإقليم، وله أن يتخذ تدابير ذات صبغة تنظيمية أو فردية، فقد تقرر منع كافة أنشطة المجموعة المسماة «الألتراس»، وكذا أنشطة جميع أعضائها كيفما كان شكلها وطبيعتها». وبالقدر الذي استبشر فيه الكثيرون بهذا القرار، الذي يرون فيه اجتثاث جذور الشغب والقضاء عليه، علما بأن كافة مكونات المجتمع المغربي كانت تنظر بعين الرضى إلى الأولتراس، وعبرت في كثير من الأحيان عن انبهارها بهذه الظاهرة، التي أعطت طعما خاصا لمباريات كرة القدم، نجد أن بعض الأصوات عابت على وزارة الداخلية هذه الخطوة، التي وصفت بغير الصحية، وقصيرة النظر، لأنه كان يتعين على الوزارة أن تبادر إلى احتواء هذه ظاهرة الألتراس، وأن تعتمد مقاربة تشاركية مع فصائلها، تفاديا لكل أعمال العنف. واعتبرت هذه الفئة المعارضة أن الأندية ستكون هي المتضرر الأكبر من قرار الحل، لأن هذه الفصائل اختارت رد فعل عقابي، تجلى في مقاطعة المباريات، وبالتالي ضعف الحضور الجماهيري بالمدرجات، الأمر الذي سيزيد من محنة الأندية المغربية. ومن المتوقع أن يستمر التحدي بين الألتراس ووزارة الداخلية إلى غاية الدورة الأخيرة، لأن شعار كافة أعضاء الأولتراس هو « موعدنا الدورة 30» في إشارة إلى اعتقادهم بأن وزارة الداخلية ستكون مجبرة على الرضوخ في النهاية، والتراجع عن قرار الحل، لأن الفرق سوف لن تقبل باستمرار المقاطعة، وستضغط من أجل عودة الجماهير إلى المدرجات، لأنها هي الممول الرسمي للأندية المغربية. ويرى بعض الباحثين في مجال السياسات الرياضية أن تطبيق قرار حل الألتراس بالمغرب سيكون صعبا، لأن المنخرطين فيها ليست لديهم قاعدة بيانات، بحكم انتمائهم إلى جماعات، وليست لديهم جمعيات معترف بها قانونيا. وقد لاحظنا خلال بعض المباريات مواجهات عنيفة بين الأمن وبعض الألتراس، كما حدث في لقاء أولمبيك خريبكة والرجاء البيضاوي، يوم الأحد الماضي، كما لاحظنا أن بعض الفصائل أصرت على إدخال شعاراتها في غفلة من الأمن، متحدية قرار الحظر. ماذا بعد المنع؟ إن أحداث ما بات يعرف بالسبت الأسود، والتي جاءت نتيجة مشاحنات بين فصيلي الإيغلز والغرين بويز المساندين لفريق الرجاء، والتي أسفرت عن مقتل شخصين وجرح واعتقال العشرات، كانت نقطة مفصلية في تاريخ الأولتراس بالمغرب، حيث أن قرار وزارة الداخلية سرعان ما تجلت ملامحه في الملاعب الوطنية، فغابت الاحتفالية، عبر الأهازيج والتيفوهات، التي كانت يتنافس فيها إبداع الفصائل، فغدت الملاعب مهجوة بلا طعم ولا نكهة. واعتبر بعض الباحثين في علم الاجتماع أن قرار منع فصائل الالتراس غلب عليه طابع المزاجية وردة الفعل المتسرعة، حيث أشار الأستاذ عبد الرحيم غريب، الباحث في المجال الرياضي في حوار مع موقع القناة الثانية، إلى أن القرار قد يؤدي إلى نتائج وخيمة على الكرة المغربية. ففي ظل ضعف تنافسية الأندية، استطاعت روابط الالتراس، يقول غريب، إنقاذ ماء وجه الكرة المغربية وخلقت فرجة حقيقية ساهمت في إشعاع المنتوج الكروي المحلي على الصعيد الدولي. ونفى الأستاذ الجامعي أن يكون كل المنتمين لفصائل الالتراس المغربية من ذوي الميول العدوانية أو النزعات العنيفة، مضيفا أن ثقافة الالتراس نجحت في سنواتها الأولى من وصولها للمغرب في استقطاب شباب متعلم قادر على خلق القيمة المضافة، لكن الأمور تغيرت في السنوات الأخيرة، حيث فقدت النواة المسيرة للألتراس السيطرة على المنضمين الجدد. ويعتبر غريب أن استشراء مظاهر الطبقية وارتفاع معدلات الفقر والتهميش في المجتمع تعد من أسباب ظاهرة الشغب في الملاعب المغربية، حيث أنتجت هذه الظواهر فئة من الباحثين عن الانتقام وتخريب الممتلكات العامة، كرد فعل عن احساسها بالإقصاء وظلم السياسات لها. لكل هذه الأسباب يطالب الباحث في المجال الرياضي عبد الرحيم غريب بسن سياسة عميقة على المدى البعيد، حيث يتعين على الدولة تبني استراتيجية شاملة وحساب المعادلة رياضيا وسياسيا، بحيث تجد فيها تخصصات من قبيل علم النفس والاجتماع موطئ قدم، مشددا على ضرورة عدم الاقتصار على المقاربة الأمنية لمعالجة شغب الملاعب. «فالظاهرة ليست مسألة تقنية تحتاج لحلول تقنية، بل المشكل أعمق بكثير من ذلك.»