"نحن منفتحون على الحوار، ونقبل بأي مقترح يستجيب لمطالب أطر الأكاديميات لكن دائما في إطار التوظيف الجهوي" تؤكد وزارة التربية الوطنية، بالمقابل تعلن التنسيقية الوطنية "للأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد" أنها لن تتنازل عن مطلب "الإدماج المباشر في الوظيفة العمومية". بين هذا الموقف وذاك يستمر المسلسل الاحتجاجي للتنسيقية من خلال خوض إضرابات وطنية وتنظيم وقفات احتجاجية. فكيف جاءت فكرة اعتماد نظام التعاقد في التعليم العمومي بالمغرب؟ ما هو السبب وراء اندلاع هذه الأزمة بين "أساتذة التعاقد" ووزارة التعليم؟ وما هي الحلول الممكنة لإنهاء هذه الازمة؟ اعتماد نظام التعاقد يعود ملف "أساتذة التعاقد" إلى سنة 2016، حيث قررت وزارة التربية الوطنية اعتماد نظام التعاقد لتوظيف الأطر التربوية، من أجل سد الخصاص الذي كانت تعرفه المؤسسات التعليمية ببلادنا. وأوضح عزيز تاجيتي، مدير مساعد بمديرية الموارد البشرية وتكوين الأطر بوزارة التربية الوطنية أن "المناصب المالية التي كانت مخصصة لوزارة التربية الوطنية منذ سنوات، لم تكن تتجاوز 7 آلاف منصب في أحسن الحالات، وهو الأمر الذي لم يكن كافيا لسد حاجيات القطاع"، مشيرا إلى أنه خلال سنة 2016 "كان قطاع التعليم في حاجة ملحة لأزيد من 36 ألف أستاذ". وأضاف تاجيتي في تصريح لموقع القناة الثانية أنه أمام هذا الوضع تم التفكير في اعتماد نظام التعاقد في التعليم "حيث تم عقد جلسات حوار مع الأطراف المعنية، خاصة وزارة الاقتصاد والمالية، وتمت صياغة مقرر مشترك ما بين وزير الاقتصاد والمالية آنذاك ووزير التربية الوطنية يوم 7 أكتوبر 2016". "لم نوافق على هذا المقترح منذ البداية، لأن مهنة التعليم يجب أن تكون موحدة ولا يجب التنويع في طرق توظيف الأطر التربوية، وهذا الأمر ليس في صالح المنظومة التعليمية" يؤكد الإدريسي عبد الرزاق، الكاتب العام الكاتب العام للجامعة الوطنية للتعليم FNE في تصريح للموقع. وأشار الإدريسي إلى أن اعتماد نظام التعاقد ليس بالأمر الجديد، إذ أن "ميثاق التربية والتكوين منذ سنة 2000 كان ينص على تنويع العرض التربوي من قبيل التوظيف بالمناولة"، مضيفا : "التجأت الوزارة مرارا إلى الاستعانة مؤقتا بما سمي بالأساتذة العرضيين، الذين كان يتم الاستعانة بهم خاصة في المناطق النائية لسد الخصاص، والذين تم ادماجهم فيما بعد". الفوج الأول من "أساتذة التعاقد" المقرر المشترك لسنة 2016، والذي كان ينظم وضعية الأساتذة المتعاقدين مع الأكاديميات، بناء عليه تم توظيف 11 ألف أستاذ، كفوج أول، ثم الفوج الثاني 24 ألف أستاذ "وتم تكوينهم بالمصاحبة في الميدان، بحكم الخصاص الكبير الذي كانت تعرفه المؤسسات التعليمية" يوضح تاجيتي. وأشار تاجيتي إلى أن المقرر كان يؤكد على أن العقود الموقعة غير محددة المدة، إذ تجدد بطريقة تلقائية فور النجاح في امتحان التأهيل المهني، ويضمن تمتيع الأساتذة بجميع الحقوق مع اختلاف جوهري "وهو أنهم تابعين لمؤسسات عمومية جهوية، أي الأكاديميات، ولا يخضعون للصندوق المغربي للتعاقد، ولكن للنظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد إلى جانب أنهم لا يستفيدون من الحركة الانتقالية الوطنية"، مضيفا : "التعاقد كان لموسمين دراسيين، 2016- 2017، وموسم 2017- 2018". اندلاع الأزمة وبداية مسلسل الاحتجاجات في سنة 2017، اندلعت الأزمة بين "أساتذة التعاقد" ووزارة التربية الوطنية، حيث "تم طرد أستاذ بشكل تعسفي وتوقيفه عن العمل، الحادث تكرر مرة أخرى، ليتم تشكيل التنسيقية الوطنية للأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد سنة 2018". يوضح الإدريسي. بعد مراسلات وإصدار بينات استنكارية، بدأت التنسيقية في مسلسل تصعيدي تضمن خوض إضرابات وطنية، اعتصامات، مسيرات ووقفات احتجاجية، لتقرر بعدها الوزارة اعتماد نظام التوظيف وفق نظام أساسي خاص سنة 2018. وأوضح تاجيتي أن هذا النظام الذي تم التوقيع عليه يوم 10 يوليوز 2018 " تضمن 55 مادة بعد أن كان المقرر المشترك يتضمن فقط 21 مادة، لكنه حافظ على نظام العقدة من أجل تحديد الحقوق والواجبات، وفي هذه المرحلة تم توظيف 20 ألف أستاذ، التحقوا بالمراكز الجهوية للتربية والتكوين، وتلقوا تكوينا لمدة سنتين، سنة داخل المركز وسنة في الميدان". وأضاف تاجيتي أن "النظام الأساسي، نص على مجموعة من الحقوق من قبيل الحماية الاجتماعية، الاستفادة من مختلف الحقوق التي ترتبط بمؤسسة محمد السادس، تقديم الاستقالة وغيرها، إلى أن وصلنا إلى المرحلة الثالثة وهي التي تمت مع الوزير الحالي سعيد امزازي، حيث تم القطع نهائيا مع التعاقد وأصبحنا نتحدث عن أطر الأكاديميات، من خلال اعتماد نظام أساسي صدر يوم 15 مارس 2019". وبناء على النظام الأساسي لسنة 2019 تم "توظيف 3 أفواج بما مجموعه 47 ألف إطار أكاديمي، وتم تطبيقه بأثر رجعي ابتداء من فاتح شتنبر 2018". "وقعوا على العقد بمحض إرادتهم" في الوقت الذي يؤيد فيه البعض ملف أساتذة التعاقد، يعارض البعض الآخر إضرابهم على اعتبار "أنهم وقعوا على العقد بمحض إرادته وليس من حقهم اليوم الاحتجاج، كما أنه بمجرد الإعلان عن مباراة التوظيف، نجد الآلاف يترشحون لها". في هذا الإطار يشير الإدريسي : "نعم الأساتذة وقعوا على عقود التوظيف بمحض ارادتهم لأنهم لم يجدوا بديلا، ظروفهم الاجتماعية والاقتصادية هي التي أجبرتهم على القبول بذلك العقد الذي صيغ من طرف واحد، الشخص يصل لسن 45 سنة ولم يجد وظيفة تحفظ كرامته، من الطبيعي أن يقبل بأي فرصة تتاح له، وهو ما يجعلها عقود إذعان، لأن الوزارة لم تضع له خيارا سوى القبول بالعقد ". وأكد الإدريسي "نحن لسنا ضد الجهوية، لكن مع ضمان جميع حقوق الأساتذة كما حدث مع الأساتذة المتدربين سنة 2015، أن يكون التوظيف مركزيا تابعا للوزارة حتى لا يكونوا خاضعين لسلطة مديري الأكاديميات فيما يخص فسخ عقودهم، وضمان حقهم في الاستفادة من الحركة الانتقالية الوطنية، لأن التبادل الآلي ليس ناجعا، وحظوظ الاستفادة منه ضعيفة". بالمقابل أوضح تاجيتي أن "الأساس في التوظيف الجهوي هو ضمان الاستقرار ليس فقط للأساتذة، ولكن أيضا إعطاء الفرصة لما يسمى بالعدالة المجالية باعتبار أن التوظيف العمومي التقليدي كانت تسيطر عليه فقط المدن الكبرى". وأكد تاجيني " أن الوزارة منفتحة على باب الحوار، والوضع القانوني الحالي هو وظيفة عمومية جهوية، وأي مراجعة أو تعديل يستجيب لمطالب هذه الفئة سيكون في هذا الإطار، لا يمكن أن نعود إلى الوراء، فالمغرب يسير نحو جهوية متقدمية ولاتمركز موسع"، مشيرا إلى أن " الاستفادة من الحركة الانتقالية الوطنية ولاستفادة من الصندوق المغربي للتقاعد، بدلا من النظام الجماعي تعمل على الوزارة مع شركائها الخارجيين على إيجاد حل لها".