العنف الإلكتروني برز بشكل لافت في الآونة الأخيرة ليدفع أصوات الجمعيات الحقوقية، العاملة في ميدان محاربة العنف الممارس على النساء بكل أشكاله، تتعالى في كل وقت وحين من أجل دق ناقوس خطر هذه الظاهرة. آخر الأرقام المتحدثة عن العنف الإلكتروني تشير إلى أن قرابة مليون ونصف امرأة مغربية تقع ضحية لهذا النوع من العنف؛ أي بمعدل انتشار يصل إلى 13.8 في المائة، أغلبهن بالوسط الحضري،. هذه المعطيات كشفتها المندوبية السامية للتخطيط حول نتائج البحث الوطني حول العنف ضد النساء والرجال في2019. وتزداد حدة العنف الالكتروني، حسب المندوبية ذاتها، بين الشابات اللواتي تتراوح أعمارهن بين 15 و24 سنة، وذوات التعليم العالي، والعازبات والتلميذات والطالبات، إذ عزت المندوبية، هذه النسب إلى الاستخدام المتكرر والمتزايد لتكنولوجيا الاتصالات والشبكات الاجتماعية من طرف هذه الفئة، مبرزة أن مرتكبي العنف الالكتروني هم في الغالب رجال ( 86.2 في المائة)، ولا سيما المجهولون منهم ( 72.6 بالمائة). ماذا يقول القانون؟ وفي قراءته القانونية للنصوص الزجرية للعنف الرقمي، أبرز محمد المالكي، المحامي بهيئة الدارالبيضاء، أن القانون رقم 103.13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء، حمل لأول مرة مجموعة من المقتضيات الجديدة، وأعطى تعريفا للعنف الممارس على النساء في مادته الأولى بأنه : "كل فعل مادي أو معنوي أو امتناع أساسه التمييز بسبب الجنس يترتب عليه ضرر جسدي أو نفسي أو جنسي أو اقتصادي للمرأة". وأوضح المالكي، في تصريح هاتفي لموقع القناة الثانية، أن "القانون المغربي لم يتحدث عن العنف الرقمي بصريح العبارة أو أدخله ضمن الأشكال الأربعة للعنف (الاقتصادي، النفسي، الجنسي والجسدي)، وإنما أشار إليه بمجموعة من النصوص القانونية المتفرقة في قانون رقم 103.13 وهي قليلة جدا بالنظر إلى أهمية هذا الموضوع". واعتبر أن العنف الرقمي هو شكل جديد ظهر بحكم الثورة التكنولوجية والتي فرضت معالجة هذا الموضوع انطلاقا من القانون، ونص هذا الأخير عقوبات زجرية جديدة، وذكر أن المشرع المغربي أشار إلى العنف الرقمي بشكل مباشر في الفصل 1-447 من قانون رقم 103.13 والذي يقول: "يعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات وغرامة من 2.000 إلى 20.000 درهم كل من قام عمدا، وبأي وسيلة بما في ذلك الأنظمة المعلوماتية، بالتقاط أو تسجيل أو بث أو توزيع أقوال أو معلومات صادرة بشكل خاص أو سري، دون موافقة أصحابها، ويعاقب بنفس العقوبة، من قام عمدا وبأي وسيلة، بتثبيت أو تسجيل أو بث أو توزيع أو بث أو توزيع صورة شخص أثناء تواجده في مكان خاص، دون موافقته" مبرزا أنه عند وقوع مثل هاته الممارسات فإنها تدخل في خانة العنف الرقمي". وتابع، أن الفصل 2 – 447 يشير إلى أنه:"يعاقب بالحبس من سنة واحدة إلى ثلاث سنوات وغرامة من 2.000 إلى 20.000 درهم، كل من قام بأي وسيلة بما في ذلك الأنظمة المعلوماتية، ببث أو توزيع تركيبة مكونة من أقوال شخص أو صورته، دون موافقته، أو قام ببث أو توزيع ادعاءات أو وقائع كاذبة، بقصد المس بالحياة للأشخاص أو التشهير بهم" ولفت الخبير القانوني، إلى جريمة التحرش الجنسي التي كانت تقع في الفضاءات العمومية وأماكن العمل اليوم انتقلت إلى الفضاء الرقمي والمشرع وضع نصا جزريا في هذا الإطار وهو الذ في الفقرة الثانية من الفصل 1-1-503 والتي تنص على أنه: "يعتبر مرتكبا لجريمة التحرش الجنسي ويعاقب بالحبس من شهر واحد إلى ستة أشهر وغرامة من 2.000 إلى 10.000 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من أمعن في مضايقة الغير بواسطة رسائل مكتوبة أو هاتفية أو إلكترونية أو تسجيلات أو صور ذات طبيعة جنسية أو لأغراض جنسية". كيفية الاثبات.. أقر المحامي المالكي، أن "أدلة الاثبات العنف الرقمي الممارس على المرأة يطرح صعوبة كبيرة لكون أدلة الاثبات سهلة الاندثار؛ وبالتالي تطرح مشكلا وهو كيفية الحفاظ على تلك الرسائل (مكتوبة أو صوتية) أو الصور..". وحول ماهي المسطرة التي يمكن أن تتبعها الضحية لإثبات جريمة العنف الرقمي وكيفية التبليغ عنها؟، رد المحامي بهيئة الدارالبيضاء، أن هناك طريقتين أولها "إذا تعرضت أي امرأة إلى العنف الرقمي عليها أولا أن تقوم بمعاينة بواسطة مفوض قضائي لجميع الرسائل والصور التي تتوصل بها الضحية من طرف المُعنِّف"، مشددا على أن "المفوض القضائي حين معاينته سينجز محضرا وهذا الأخير له قوة قانونية لا يمكن الطعن فيه". وأكد نفس المتحدث في نفس السياق، أن مسطرة المفوض القضائي لها أهمية كبيرة جدا لأنه يمكنه توثيق وتحديد حجم الضرر الذي لحق بالضحية بسبب هذا العنف الإلكتروني مثلا (حين نشر صور شخصية على مواقع التواصل الاجتماعي سيتم الوقوف عند عدد الأشخاص الذين تبادلوها وكذا الذين وضعوا رمز الإعجاب بها وإلى غير ذلك..). أما الطريقة الثانية، يضيف المتحدث، "القيام بلقطة شاشة الهاتف (السكرين شوت) قبل اندثارها والتي تعتبر أدلة قانونية لفعل العنف الرقمي الممارس على المرأة وتقديمها للمصالح الأمنية المختصة بذلك". وخلص المتحدث ذاته حديثه بالقول، إنه "بعد جمع هاته الأدلة يمكن للضحية أن تتقدم بشكايتها إلى النيابة العامة حتى وإن كانت ضد مجهول"، موردا، أنه للحد من العنف الممارس على النساء تم إحداث داخل المحاكم "خلية العنف ضد النساء والطفل" التي تتكلف بدراسة مثل هاته الشكايات.