تعتبر ظاهرة التحرش بين الجنسين من أبشع مظاهر التمييز والعنصرية الممارسة ضد المرأة، المغربية سواء كفتاة او امرأة متزوجة و أنا تعمدت أن اسميها بظاهرة التحرش بين الجنسين عوض “التحرش الجنسي” التي قد يفهم منها ان المقصود بالتحرش الجنسي هو نفسه العنف الجنسي والحال أن العنف الجنسي غير التحرش لأن العنف الجنسي الغاية منه هو المساس بحرمة المرأة لأغراض جنسية بينما التحرش هو عنف نفسي فقط يمس بكرامة المرأة و حريتها و طمأنينتها او يتسبب لها في التخويف والترهيب . وقد حاول المشرع المغرب وضع استراتجيات وطنية و مجموعة من الخطط الحكومية من اجل مناهضة التمييز والعنف ضد النساء، وفي هذا الصدد لن نتطرق إلى العنف ضد المرأة بصفة عامة لان ذلك يتطلب تفصيلا دقيقا لكننا سيوف نقتصر فقط على جانب التحرش كجريمة معاقب عليها بمقتضى القانون الجديد 103.13 المنشور في الجريدة الرسمية عدد 6655 بتاريخ 23 جمادى الآخرة 1439 (12 مارس 2018)، ص 1449 لما يشكله التحرش من ضرر فاضح بحرية وحقوق الفتاة و المرأة المغربية. حيث جاء نص القانون رقم 103.13 المتعلق بمحاربة العنف ضد المرأة، سنة 2018 بمقتضيات جديدة لم تكن من قبل بعد مخاض عسير من “البلوكاج” و النقاش بين الحكومة صاحبة المشروع والأمانة العامة للحكومة، كجهة مدققة للنص التشريعي ومجلسي البرلمان، كجهة مكلفة بالمناقشة والتصويت على القوانين وتجدر الإشارة ان هذا القانون تم وضعه للنقاش منذ سنة 2013. ليبقى السؤال كيف عالجت مقتضيات القانون 103.13 ظاهرة التحرش بين الجنسين؟ وهل استجاب لتطلعات المرأة المغربية في هذا الشأن؟ و هل التدابير الزجرية وحدها هي الكفيلة للحد من هذه الظاهرة الخطيرة؟ حيث في البداية تطرق القانون 103.13 في الباب الأول إلى تعريف أنواع العنف ضد المرأة بدءا من العنف ضد المرأة بصفة عامة بأنه كل فعل مادي أو معنوي أو امتناع أساسه التمييز بسبب الجنس، يترتب عليه ضرر جسدي أو نفسي أو جنسي أو اقتصادي للمرأة؛ ثم باقي أنواع العنف كالجسدي وهو كل فعل أو امتناع يمس، أو من شأنه المساس، بالسلامة الجسدية للمرأة، أيا كان مرتكبه أو وسيلته أو مكان ارتكابه؛ والعنف الجنسي وهو كل قول أو فعل أو استغلال من شأنه المساس بحرمة جسد المرأة لأغراض جنسية أو تجارية، أيا كانت الوسيلة المستعملة في ذلك؛ و العنف النفسي وهو كل اعتداء لفظي أو إكراه أو تهديد أو اهمال أو حرمان، سواء أكان بغرض المس بكرامة المرأة وحريتها وطمأنينتها، أو بغرض تخويفها أو ترهيبها؛ واخيرا العنف الاقتصادي وهو كل فعل أو امتناع عن فعل ذي طبيعة اقتصادية أو مالية يضر، أو من شأنه أن يضر، بالحقوق الاقتصادية أو الاجتماعية للمرأة. كما استعرض الباب الثاني من نص القانون 103.13 مجموعة من المقتضيات الزجرية التي رامت تغيير أو تتميم بعض نصوص القانون الجنائي، وأخرى أضافت إلى نصوصه فصول جديدة، من أهم ما ورد في هذه المقتضيات فيما يخص التحرش ما يلى: – حسب الفصل 1-444 من القانون الجنائي فانه يعاقب على السب المرتكب ضد المرأة بسبب جنسها بغرامة مالية من 12.000 إلى 60.000 درهم. – والفصل 2-444 يعاقب على القذف المرتكب ضد المرأة بسبب جنسها بغرامة من 12.000 إلى 120.000 درهم. – و الفصل 1-447 يعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات وغرامة من 2.000 إلى 20.000 درهم، كل من قام عمدا، وبأي وسيلة بما في ذلك الأنظمة المعلوماتية، بالتقاط أو تسجيل أو بث أو توزيع أقوال أو معلومات صادرة بشكل خاص أو سري، دون موافقة أصحابها. كما يعاقب القانون الجنائي بنفس العقوبة، من قام عمدا وبأي وسيلة، بتثبيت أو تسجيل أو بث أو توزيع صورة شخص أثناء تواجده في مكان خاص، دون موافقته وليس مكان عام . – الفصل 2-447 يعاقب بالحبس من سنة واحدة إلى ثلاث سنوات وغرامة من 2.000 إلى 20.000 درهم، كل من قام بأي وسيلة بما في ذلك الأنظمة المعلوماتية، ببث أو توزيع تركيبة مكونة من أقوال شخص أو صورته، دون موافقته، أو قام ببث أو توزيع ادعاءات أو وقائع كاذبة، بقصد المس بالحياة الخاصة للأشخاص أو التشهير بهم.” – الفصل 3-447 يعاقب بالحبس من سنة واحدة إلى خمس سنوات وغرامة من 5.000 إلى 50.000 درهم، إذا ارتكبت الأفعال المنصوص عليها في الفصلين 1-447و2-447 في حالة العود وفي حالة ارتكاب الجريمة من طرف الزوج أو الطليق أو الخاطب أو أحد الأصول أو الكافل أو شخص له ولاية أو سلطة على الضحية أو مكلف برعايتها أو ضد امرأة بسبب جنسها أو ضد قاصر. – الفصل 1-480 يعاقب بالحبس من شهر واحد إلى ثلاثة أشهر وغرامة من 2.000 إلى 5.000 درهم، عن الطرد من بيت الزوجية أو الامتناع عن إرجاع الزوج المطرود من بيت الزوجية، وفقا لما هو منصوص عليه في المادة 53 من مدونة الأسرة، وتضاعف العقوبة في حالة العود. – الفصل 1-481 في الحالات المنصوص عليها في الفصول 479 و480 و1-480 من القانون الجنائي ، فإن تنازل المشتكي عن الشكاية يضع حدا للمتابعة ولآثار المقرر القضائي المكتسب لقوة الشيء المقضي به في حالة صدوره.” من اهم المستجدات كذالك ما جاء في الفصل 1-1-503 الذي ينص على انه يعتبر مرتكبا لجريمة التحرش الجنسي ويعاقب بالحبس من شهر واحد إلى ستة أشهر وغرامة من 2.000 إلى 10.000 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من أمعن في مضايقة الغير في الحالات التالية: – في الفضاءات العمومية أو غيرها، بأفعال أو أقوال أو إشارات ذات طبيعة جنسية أو لأغراض جنسية؛ – بواسطة رسائل مكتوبة أو هاتفية أو إلكترونية أو تسجيلات أو صور ذات طبيعة جنسية أو لأغراض جنسية. تضاعف العقوبة إذا كان مرتكب الفعل زميلا في العمل أو من الأشخاص المكلفين بحفظ النظام والأمن في الفضاءات العمومية أو غيرها. – الفصل 2-1-503 يعاقب بالحبس من ثلاث إلى خمس سنوات وغرامة من 5.000 إلى 50.000 درهم، إذا ارتكب التحرش الجنسي من طرف أحد الأصول أو المحارم أو من له ولاية أو سلطة على الضحية أو مكلفا برعايته أو كافلا له، أو إذا كان الضحية قاصرا. – الفصل 1-2-503 دون الإخلال بالمقتضيات الجنائية الأشد، يعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى سنة وغرامة من 10.000 إلى 30.000 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط، من أكره شخصا على الزواج باستعمال العنف أو التهديد. تضاعف العقوبة، إذا ارتكب الإكراه على الزواج باستعمال العنف أو التهديد، ضد امرأة بسبب جنسها أو قاصر أو في وضعية إعاقة أو معروفة بضعف قواها العقلية. لا تجوز المتابعة إلا بناء على شكاية الشخص المتضرر من الجريمة. يضع التنازل عن الشكاية حدا للمتابعة ولآثار المقرر القضائي المكتسب لقوة الشيء المقضي به في حالة صدوره. – الفصل 1-526 يعاقب بالحبس من شهر واحد إلى ستة أشهر وغرامة من 2.000 إلى 10.000 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين، أحد الزوجين في حالة تبديد أو تفويت أمواله، بسوء نية وبقصد الإضرار أو بالزوج الآخر أو الأبناء أو التحايل على مقتضيات مدونة الأسرة المتعلقة بالنفقة أو السكن وبالمستحقات المترتبة عن إنهاء العلاقة الزوجية أو باقتسام الممتلكات. لا تجوز المتابعة إلا بناء على شكاية الزوج المتضرر من الجريمة. يضع التنازل عن الشكاية حدا للمتابعة ولأثار المقرر القضائي المكتسب لقوة الشيء المقضي به في حالة صدوره كما فرض المشرع إلى جانب كل هذه العقوبات تدابير مسطرية حمائية ووقائية اتجاه مرتكب العنف لفائدة الضحية، أهمها : – منع مرتكب العنف من الاتصال بالضحية أو الاقتراب من مكان تواجدها أو التواصل معها بأية وسيلة، إلى حين بت المحكمة في القضية، أو لمدة لا تتجاوز خمس سنوات ابتداء من تاريخ انتهاء العقوبة المحكوم بها عليه، أو من تاريخ صدور المقرر القضائي؛ – إنذار المعتدي بعدم الاعتداء، في حال التهديد بارتكاب العنف، مع تعهده بعدم الاعتداء؛ – إشعار المعتدي بأنه يمنع عليه التصرف في الأموال المشتركة للزوجين – إخضاع المحكوم عليه لعلاج نفسي ملائم؛ – لإيداع بمؤسسات الإيواء أو مؤسسات الرعاية الاجتماعية للضحية المعنفة التي تحتاج إليها وترغب في ذلك. وفي نفس السياق فان القانون رقم 103.13 المتعلق بمحاربة العنف ضد المرأة، جاء بمستجدات و مقتضيات إيجابية إلا أنه رغم إيجابياته فإن هناك مجموعة من الملاحظات و مجموعة من المؤاخذات من طرف الباحثين و الحركات النسائية نجمل أهمها فيما يلي: – المشرع أخطأ لما وضع تعريفا للعنف وقيده بضرورة ترتب ضرر جسدي أو نفسي أو جنسي أو اقتصادي للمرأة، مما يعني إبقاء العنف المرتكب دون حصول ضرر غير مجرم. – طغيان الجانب الزجري و الغرامات المالية . – تسجيل تخفيض العقوبات. – الأفعال المجرمة في المادة 4 من القانون، والمتعلقة بالفصلين 1-447 و 2-447 من القانون الجنائي لا تتعلق بمحاربة العنف ضد المرأة فقط، وإنما تتعلق بأفعال تهم أفراد المجتمع برمته، ومكانها الطبيعي هو القانون الجنائي أو قانون حماية المعطيات الشخصية. – نصت المادة 8 من القانون 103.13 على تدبير وقائي يتعلق بإيداع المرأة المعنفة بمؤسسات الإيواء أو مؤسسات الرعاية الاجتماعية إذا احتاجت إليها، في الوقت الذي لم توفر فيه الدولة هذه المؤسسات – تقيد المشرع المتابعة في حالة ارتكاب الأفعال المجرمة في القانون 103.13 بضرورة تقديم شكاية من الشخص المتضرر من الجريمة، كما جعل من التنازل على الشكاية سببا يحد من المتابعة ومن آثار المقرر القضائي المكتسب لقوة الشيء المقضي به في حالة صدوره. و رغم جميع هذه الملاحظات حول نص القانون 103.13، فإن صدوره في حد ذاته انجازا يحسب لهذه الحكومة و يحق للوزيرة بسيمة الحقاوي ان تفتخر بذلك. كما يعتبر هذا القانون خطوة تشريعية إيجابية في اتجاه محاربة العنف التي استفحل بشكل كبير في المجتمع المغربي عموما، وخاصة في مواجهة المرأة بشكل أكثر خصوصية. لكن يبقى الأمر الأساسي هو تنزيل مقتضيات هذا القانون وتوفير البيئة لذلك بشكل يضمن انعتاق المرأة من جميع أشكال العنف التي تتخبط فيها بشكل شبه يومي.