طوال شهر رمضان الكريم تلتقون يوميا من حكايا سينمائية بقلم المخرج المغربي عز العرب العلوي، والتي ينقلنا من خلالها الى كواليس افلامه الوثائقية والسينمائية. الحكاية الرابعة :
بعد العاصمة الأسبانية مدريد وزيارة المؤرخة- العاشقة للمغرب ولعبد الكريم الخطابي علي الخصوص اندريا مادرياكة - في بيتها.. قررت السفر مباشرة الي مصر ..هناك في القاهرة حيث عقدت موعدا مع طارق حفيد المجاهد المغربي محمد عبد الكريم الخطابي وكذا ابنته خديجة..كنت حينها في أواخر أيام تصوير الفيلم الوثائقي الذي دام اكثر من اربع سنوات .. (عبدالكريم ...ياعاشق الوطن).. في القاهرة وفي جو حار جدا ٬ التقيت بطارق وزوجته وتحدثنا عن احداث كنت اسمعها لأول مرة.. وزرنا جميع الأماكن العامة والخاصة للمجاهد وعندما انتهينا من تصوير المكان الذي يرقد فيه جثمان المجاهد عبد الكريم الخطابي وأخيه محمد بمقبرة شهداء حرب 68 .. ودعت طارق وزوجته وشكرتهما على حسن الضيافة وما قدماه لي لانجاز هذا العمل الوثائقي الهام ... دخلت إلى مطعم قريب من قصر القبة حيث كان يقطن عبدالكريم الخطابي ايام تواجده بالقاهرة ..و أكلت ما تيسر من فول وطعمية و شربت شايا أسودا .. كانت الساعة تشير حينها إلى الثانية عشر زوالا .. كنت مترددا للاتصال به ..حكى لي بعض الأصدقاء المصريين ان له مزاجا متقلبا ..استجمعت ما تبقى من قواي و اتصلت به هاتفيا .. كان صوته يشي بنوع من العياء او قل ربما استيقاظ من نوم عميق ..بصعوبة وبصوت جهوري أخذ يصف لي الطريق ...كنت اكتب في ورقة جانبية كل ما يقوله من أوصاف عامة واسماء شوارع .. وغيرها من الأشياء التي قد تساعدني في الوصول اليه .. لم اكن ادري حينها انه بمجرد الدخول الى الحارة يكفي لكي تصل اليه ان تسأل سؤالا واحد لا غير : أين يقطن العم محمد ؟ ..
على الجانب الاخر من الشارع اوقفت سيارة اجرة وركبت .. أمطرني السائق بوابل من الأسئلة المعتادة ..لينتهي بنا الأمر ونحن في السيارة بان اخرج البوم صور خاصا به ومنحني إياه ..و بدأ يسرد لي تاريخ عائلته من ايام الفراعنة .. سرده الدقيق حول كل أفراد عائلته ارغمني بموجب التضامن ان اكون واحدًا منهم .. فأنا صرت اعرف اكثر مما يعرفون عن أنفسهم .. أو ربما أكثر ..وبالتالي فقد أصبحت ملزما بتحمل جزءا من أعبائهم .. بعد ساعتين من مسار كان يجب ان يقطع في نصف ساعة .. وصلنا الي عين المكان . منحت السائق اجرته وأضفت مساهمة بسيطة علشان العيال .. عين المكان سوق شعبي غير مهيكل ..بائعوا الخضر والفواكه في كل مكان..ضجيج الباعة المتجولين يصم الاذان ..وحرارة الشمس تلفح الوجه والقفا .. سألت احد المارة . : ياسيدي اين يقطن الشاعر محمد احمد فؤاد نجم ؟ ..أجابني متسائلا : أظنك تقصد بيت العم محمد ؟. .. ما ان شاع الخبر باني ابحث عن منزل العم محمد حتى قفز الجميع من مكانه.. كأن الاسم الذي ذكره الرجل ما هو الا كلمة سر لشيء أجهله .. ليتضح لي فيما بعد ان كل من يسأل عن العم محمد فهو حتما: اولا : من الأجانب العرب.. ثانيا : هو من محبي اغاني الشيخ امام المدافع عن المظلومين والفقراء ثالثا : هو من معتنقي الاشتراكية بمفهومها النفعي الا وهو اقتسام الثروات ..والنقطة الاخيرة هي بيت القصيد ...اقتسام الثروات ..وبالتالي فهو من المفروض ان يكون سخي في العطاء وجزل في الكرم ...هكذا كان الكل يراني ..و هكذا كان الكل يود مساعدتي للوصول الى بيت العم محمد .. عبر ازقة السوق الشعبي الضيقة سرنا.. لا ادري عدد الأنفار الذين صاحبوني في تلك المسافة التي لم تتجاوز المائة متر ..حشد كبير من الناس .. حينما وصلنا إلى عمارة في السوق الشعبي نفسه .. لا ابواب لها ولا نوافذ ..عمارة لا طلاء على جدرانها ..كأنها مهجورة تماما ..انطلقت حناجر الحشد الجماهيري المصاحب تنادي : ياعم محمد في ناس عايزيناك .. ياعم محمد في ناس عايزيناك ..... الكل ينادي بطريقته الخاصة وعلى إيقاعه المناسب ... هناك في الطابق الأخير..ومن نافذة ضيقة جدا ..أطلت امرأة في الأربعينات من عمرها ..بيدو انها زوجة العم محمد . ويبدو من صراخها وتهديدها للحشد المرافق لي . انها كانت غير راضية تماما على هكذا تصرفات ..التي على مايبدو قد تكررت كثيرا . بدأ الجميع في الانسحاب وعيونهم ماتزال تراقب تحركاتي..أمرتني السيدة بالصعود ..دخلت فيما يفترض انه باب العمارة ..ومع كل خطوة كنت اخطوها وانا اصعد الدرج ..كنت اسمع صوت الحاجة زوجة العم محمد وهي لاترال تؤنب الحشد على هذه العادة القبيحة .. على اخر الدرج هناك في اخر طبق كان محمد احمد فؤاد نجم ..او العم محمد ينتظرني..بوجه بشوش وبابتسامة عريضة استقبلني.قال وهو يمسك بيدي ويدخلني الي بيت اكثر من متواضع .. انا جد مشتاق الى زيارة المغرب ..قال ذلك في حين امر زوجته لكي تحضر لنا كاس شاي .. جلسنا على أريكة وصرنا نتحدث بود كبيز كاننا نعرف بعضنا من زمان ... تحدثنا كثيرا وفي امور متعددة ومختلفة ..كان كثير الكلام وله روح دعابة تجعلك تستأنس به وبالمكان أيضا كاننا نحتسي شايا في مقهى البرولتاريا بجامعة ظهر المهراز بفاس .. قاطعته و بادرته بسؤال.. ياسيد احمد على مايبدو لي انك زرت المغرب فيما قبل ؟.. قال وهو يضحك ملأ شدقيه ويسأل زوجته من باب المزاح ان كانت تعلم بحكايته مع اول زيارة له إلى المغرب ..ردت هي الاخرى بشكل ملتو كانها تجامله : يمكن بس مش فكرة . التفت الي الرجل وقال : قبلنا دعوة جمعية اشتراكية من المغرب يبدو اني نسيت اسمها ..كان ذلك في بداية الثمانينات او نهاية السبعينات على ما أعتقد.. عقدنا العزم أنا والشيخ امام وأعضاء الفرقة كلهم ..واخذنا طيارة لغاية الدارالبيضاء ..كان هذا أيام الحسن الثاني ..كان الحفل مقرر في قاعة كبيرة تابعة لنقابة او حزب لم اعد اتذكر ..فحضر جمهور رهيب من الطلبة والعمال ولما دخلنا لإحياء الحفل ...أهوببببا هههههه ( قالها وقفز )...السلطات المغربية هجمت على الحفل بحجة عدم الترخيص ... فعمت فوضى عارمة .. الكل كان يتزاحم على بوابة الخروج .. امسكوا بايدينا بعض منظمو الحفل وهربونا من الباب الخلفي للقاعة .. كنت احمل عود الشيخ امام و كان هو ماسك بيد مغربي .. لما خرجنا أركبونا سيارة خاصة واتجهنا بسرعة إلى مكان نواحي الدارالبيضاء لا اعلم مكانه بالضبط لحد الان .. مكان سري على ما يبدو.. وجلسنا في هذا المكان لمدة ثلاثة ايام لغاية ما وجدوا طيارة وطلعونا لبرا ... قال هذا الكلام والسعادة بادية على محياه وبدأ يضحك كثيرا ..دخلت زوجته وهي تحمل شايا وضعته امامنا .. اخذ يصب الشاي وقال بالحرف : سمعت انه لكم الان ملك شاب ومتفتح وبيطلع للناس وهو لابس جينز .. صحيح يا عز الكلام دا ؟.. قلت له وما العيب في بنطلون جينز ؟ ...فقال : لا والله هو كدا كويس جدا ..و اشتراكي مائة في مائة... والله انا لما اسمعتها حبيتو .. لم يكمل حديثه .. رن الهاتف المنزلي ..اعتذر لي عن المقاطعة واتجه نحو الهاتف.. في حين بدات عيناي تتجول في المكان ..من ركن الى اخر ... ولما انتهى من الهاتف قال لزوجته كانه يخبرها ان الراجل الخليجي بتاع التلفزيون زمانو على وصول ... اخرجت كاميرتي المحمولة ..وضعتها علي حامل يدوي ولما جلس الزجل بادرته بالسؤال : من هو محمد عبد الكريم الخطابي في نظرك ؟ محبتي والى حكاية وثائقية أخرى