يجيب الأستاذ ومدير معهد الخوارزميات الموزعة بالمدرسة متعددة التقنيات بلوزان (سويسرا)، السيد رشيد الكراوي، الذي عينه صاحب الجلالة الملك محمد السادس عضوا باللجنة الخاصة بالنموذج التنموي، عن خمسة أسئلة لوكالة المغرب العربي للأنباء بخصوص دور البحث العلمي في بلورة النموذج التنموي الجديد، وتأثير تجربته في ميادين من قبيل الذكاء الاصطناعي، على توجهات ورؤية هذا اللجنة. 1- ماهي بواعث انخراطكم في اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي؟ يتمثل الباعث للانخراط في هذه اللجنة في الإسهام على قدر المستطاع في جعل المغرب بلدا يتمتع بمساواة أكثر ورفاه أكبر. صحيح أنني لا أقطن بالمغرب، لكن المغرب يسكنني. 2- ما هي قراءتكم لتشكيلة اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي؟ وهل يعكس تنوع مشارب أعضائها فعلا تنوع شرائح المجتمع المغربي؟ لا أعلم إن كانت تعددية مشارب وتكوينات أعضاء اللجنة تعكس مختلف شرائح المجتمع المغربي. ألتزم بواجب التحفظ بخصوص ما يتم التداول بشأنه داخل اللجنة، لكنها تضم حساسيات متعددة، ومشارب اجتماعية شتى، وكفاءات مختلفة، وتمثيلية نسوية مهمة، بالإضافة إلى مغاربة ينحدرون من جهات مختلفة، بمن فيهم المقيمون بالخارج. وباختصار، فمما لا يمكن إنكاره، هو كون جلسات الاستماع التي تعقدها اللجنة متعددة، ولا أودعكم سرا إن قلت بأن الآراء التي يجري التعبير عنها حرة وتنبع من كل شرائح المجتمع. 3- يعد البحث العلمي أساس التنمية المحوري، كيف تقيمون هذا العنصر بالمغرب وما هي أدواره المفترضة في النموذج التنموي الجديد؟ يشكل البحث العلمي شرطا أساسيا لتحقيق تنمية أية أمة. ليس شرطا كافيا، لكنه ضروري. البلدان التي تحقق النمو هي التي يكون بمستطاعها خلق الثروة والتحكم في محيطها: التطور العلمي حاسم في هذا. وفي ما يتعلق بالمغرب، فإن غياب سياسة علمية طموحة وفعالة في بعض الميادين قد يكون قاتلا. قد يبدو أنني راديكالي، لكني صريح. نجابه مدين جارفين: الاحتباس المناخي والثورة الرقمية. الأول قد يدمر بيئتنا ويتسبب في عطشنا خصوصا. بعض البلدان استطاعت الرهان على الوعي الإيكولوجي العالمي وأضحت "موئلا أخضر" تفده جموع أكبر فأكبر من السياح. لست خبيرا في المجال لكني أطمح لرؤية المغرب محافظا أكثر على بيئته ومستثمرا أكثر فأكثر في تكنولوجيا المياه والطاقات المتجددة. وتبدو لي المبادرات الأخيرة في المجال مشجعة جدا. المد الجارف الثاني هو الثورة الرقمية. بإمكانها القضاء على مناصب للشغل والتسبب في تجويعنا. الأتمتة اليوم تغير عالم الشغل وعديد مناصب الشغل المحدثة في السنين الأخيرة قد يتم تعويض أصحابها بروبوتات خارج المغرب. فضلا عن كون الإنترنت ووسائط التواصل الاجتماعي قد تستغبي شبابنا. الترياق الوحيد أمام هذا هو ركوب موجة الرقمنة لما فيه فائدة للتنمية من خلال الإفادة من جميع المزايا الممكنة عوض تحمل عبء المخاطر والآثار الوخيمة. 4- هل تؤثر تجربتك الممتدة في الميادين التقنية من قبيل الذكاء الاصطناعي على توجهاتك ورؤاك في ما يتعلق بعمل اللجنة؟ بالتأكيد، لا شك أن لي حساسياتي باعتباري مواطنا تجعلني أدافع عن قضايا أراها مهمة من قبيل البيئة والحريات الفردية، لكن رؤيتي تشكلت بشكل جلي من خلال تجربتي المهنية في البحث العلمي، لا سيما في المجال الرقمي. هذا المجال بإمكانه تجويعنا كما قلت آنفا، كما بمستطاعه إثراء وتيسير حياة المواطن. سجلوا أني أستعمل مفردة "الرقمي" عوض لفظ "الذكاء الاصطناعي" رغم أن اللفظ الأخير شائع جدا. الذكاء الاصطناعي يعني قدرة العنصر الرقمي، عن طريق الآلة، حل مشاكل نعتقد أن حلها حصري بالبشر. فمسمى الذكاء الاصطناعي يتغير تبعا للمفاجأة، أما الرقمي فيظل وفيا لنهج الخوارزمي وقواعد تورينغ. 5- كيف يمكن للمواطن المغربي الاستفادة من التنمية الرقمية دون تحمل تبعاتها؟ أقول دائما إن المواطن المغربي يمتلك اليوم بطاقة أهم من بطاقة التعريف الوطنية، وهي شريحة الهاتف. هاته الأخيرة تعد بمثابة بوابة ولوج للعالم الرقمي. وهذا العالم بمستطاعه تثقيف الشخص وتوفير علاجه الطبي بشكل شخصي (الخوارزميات تكشف سرطان الجلد أحسن من أفضل أطباء الجلد بالعالم)، وضمان تأقلم الزراعة، وجني ثمار سياحة أكثر استدامة (سوق إيجاد السكن إلكترونيا بالمغرب يوثر الإقامة لدى أحد سكان المناطق الخلابة عوض المجمعات الكبرى)، وبيع منتجاته (من خلال تقليص عدد الوسطاء)، وتجويد تنقله (نظام بلابلاكار للذهاب إلى السوق)، والولوج إلى الوثائق الإدارية دون تجشم عناء التنقل إلى مقر الإدارة، وتدبير أداءاته دون استعمال المال نقدا. لأجل كل هذا، يتعين التدخل على ثلاث مستويات. أولها البحث في المجال الرقمي مع التوجه نحو المعلوميات المتنقلة والموزعة. وثانيها نقل نتائج هذه البحوث إلى المواطن عبر صناعات الرقمنة وفاعلي الاتصالات. وأخيرا، دعم المواطن ومواكبته حتى يستوعب هذا العالم الرقمي. والغاية هي المواطن في نهاية المطاف.