تشير الساعة إلى الثالثة زوالا عندما يفتتح الحم الون بسوق الزربية المحلي بخنيفرة المزاد أو "الدلالة"، ويتنقلون بين المحلات التجارية، لبيع منتوج أصيل صمد أمام عوادي الزمن وموجة العصرنة. وفي ساحة السوق، تتراءى للزائر تشكيلة من الزرابي من كافة الألوان، ومجموعة من الحزم التي تنتظر دورها لتفتح في عملية تتكرر كلما حل موعد السوق الأسبوعي. وعلى الدرج تصطف نسوة ترتدين جلابيب، بعضهن مرفوقات بأطفالهن، إنهن نساجات تلك التحف الفنية المصنوعة من الصوف. يتميز السوق ب"فوضى" جميلة ملؤها البهجة والود الذي يطبع العلاقة بين النساجات والحمالين والعارضين وأصحاب المحلات، وذلك راجع إلى العفوية المتأصلة في طباع أهل الأطلس المتوسط، والتي تجعل عقد الصفقات بين النساجات وأصحاب المحلات ال 18 المتواجدة في السوق تمضي في سلاسة تامة. وتعد الزرابي المعروضة في سوق خنيفرة نتاج أسابيع بل شهور عديدة من العمل الشاق لهؤلاء النسوة الصبورات اللواتي يكرسن من وقتهن وجهدهن ومخيلاتهن الكثير. نسوة يأتين من شتى المناطق المحيطة (مريرت، أكلموس، كهف النسور، آيت إسحاق، بجعد) كل سبت لحضور الدلالة وقطف ثمار مجهوداتهم. رابحة، نساجة لا تفارق الابتسامة محياها، أكدت لوكالة المغرب العربي للأنباء أن صناعة الزربية الزيانية والقطيفة تتطلب ذكاء وقياسات دقيقة مثل الرياضيات. وأوضحت السيدة التي تمارس حرفة صناعة الزرابي منذ 25 سنة أن نسج الزربية يشبه إنجاز التمارين الرياضية، حيث أن خطأ واحدا يكفي لإعادة كل شيء من الصفر، مضيفة أن زربية حجمها ستة أمتار يمكن صناعتها في شهر واحد فقط إذا اشتغلت عليها عدة نساء. من جهة أخرى، لا حديث عن السوق دون الحديث عن الحمالين الذين تقوست ظهورهم بفعل السنين الطويلة التي أمضوها في حمل الحزم الثقيلة، والذين يحملون على كواهلهم مسؤولية بائعات ينتظرن ثمرة جهودهن، وأصحاب محلات يجب إقناعهم بفرادة المنتوج، وأسرة يجب إطعامها. إنهم ببساطة قلب السوق النابض، وغياب واحد منهم يكفي للإخلال بموازين السوق لأسبوع كامل. ويفتتح الحمالون الذين يشتغلون كوسطاء المزاد بسعر مبدئي يبلغ ألف درهم، ليرتفع بمقدار خمسة دراهم عند كل مزايدة أو عشرة دراهم إذا بلغ سعر الزربية الأولي ألفي درهم. وقد جرى العرف على أن يحصل الحمال على نسبة ثلاثة في المائة من السعر النهائي للزربية. يقول أحد العارفين بشؤون الصناعة التقليدية بالمنطقة إن هناك أنواع كثيرة من الزرابي تعرض في هذا السوق وتخضع لعملية المزايدة نفسها، من الزربية الزيانية المعروفة بخطوطها الهندسية التقليدية، ومنافساتها مثل الزربية المرابطية القادمة من مريرت والمشهورة بجودة الصوف الذي تصنع به ومتانة عقدها، وزربية أو موزونة خنيفرة ومريرت وبني مكيلد وأبي الجعد، والتي تعرض أحيانا في السوق، والمشهورة بجودتها العالية التي بلغت سمعتها العديد من البلدان. سوق الزربية بخنيفرة هو بدون شك أحد أهم معالم التراث اللامادي بمنطقة الأطلس المتوسط وركيزة أساسية للاقتصاد المحلي، حيث قاوم مظاهر الحداثة الجارفة للحفاظ على جزء من الهوية الحضارية المغربية. ت/