تجسد الزربية البجعدية، التي تتميز بتناسق أشكالها الهندسية وألوانها الجذابة، إحدى تمظهرات تشبث نساء المنطقة بالتقاليد المغربية والعادات الشعبية الأصيلة في إعداد هذا المنتوج الأصيل الذي يؤرخ لتاريخ وطقوس وهوية القبائل المحلية أهلها لتنتقل من المحلية إلى العالمية. وتشكل صناعة الزربية، التي ارتبط تاريخها بقدم مدينة أبي الجعد (مطلع القرن 16 الميلادي) وتجمع في ذات الوقت بين مميزات مختلف الحقب التاريخية التي عرفتها المدينة على مر العصور، مكونا رئيسيا للنسيج التقليدي المحلي تحرص نسوة المنطقة على الحفاظ عليه باعتباره موروثا مغربيا أصيلا ونقله إلى الأجيال الصاعدة ضمانا لاستمراريته وتنافسيته في الأسواق الوطنية والدولية. وتساهم الزربية البجعدية، إلى جانب منتوجات تقليدية محلية (البيزارة والحايك والحنبل والجلابة)، في تحريك العجلة الاقتصادية لساكنة دائرة المدينة من خلال الإقبال المتزايد على اقتنائها في المناسبات والأفراح وترويجها في معارض وطنية ودولية. وتنقسم الزربية، التي تنسج بالصوف الخالص وبطريقة تقليدية ذي اللمسة المحلية، إلى نوعين، زرابي كبيرة الحجم بعرض يتراوح ما بين 150 و200 سنتمتر وطول يصل إلى 200 سنتمتر تستعمل في تزيين الجدران وأرضية البيوت، وزرابي صغيرة الحجم بطول 120 سنتمتر وعرض 80 سنتمتر غالبا ما تستعمل كفراش أو في تزيين غرف المنازل. وتشمل مكونات هذا المنتوج التقليدي، الذي ينسج في مختلف القبائل البجعدية متجاوزا الصفة النفعية إلى الشهرة العالمية، على مقومات تقنية وأخرى فنية تتجسد في أشكال هندسية بسيطة مزركشة برسوم الحيوانات والمناظر الخلابة وألوان جذابة يغلب عليها اللون الأحمر مما يعكس الحس الجمالي للنساء اللواتي يتفنن في رسم لوحة فنية وجمالية تجلب الناظرين. وتبرز أهمية دلالات الألوان والعلامات والأشكال الهندسية والتصاميم المترجمة في منتجات الزربية البجعدية، من اعتبار أن المدينة تعد إحدى المكونات الأساسية لجهة الشاوية - ورديغة التي تشكل ملتقى للثقافة العربية والأمازيغية المعروفة بتنوع ثقافتها وجودة وجمالية منتوجاتها التقليدية المحلية، وكون الإقليم له حدود من الجهة الشرقية بالقبائل الأمازيغية المتمركزة بجبال الأطلس المتوسط مما يشكل انعكاسا إيجابيا على قطاع الصناعة التقليدية. وقال المدير الإقليمي لوزارة الصناعة التقليدية بخريبكة، عزيز التومي، إن الزربية البجعدية تشكل منتوجا أصيلا يبرز خصوصيات وهوية وتاريخ وثقافة ساكنة المدينة التي أبانت عن اهتمام متزايد واستمرار لا حدود له في صناعة الزرابي والتعريف به كمنتوج يرمز للثقافة والهوية المغربية الأصيلة. وأبرز أنه بالنظر إلي الاهتمام المتزايد الذي تحظى به هذه الزربية من المغاربة والأجانب، فإن الوزارة تولي اهتماما كبيرا لهذا القطاع من خلال وضعها لبرامج ومخططات ناجعة لتأهيل قطاع الزرابي وتثمين منتوجاته واعتمادها لاستراتيجية ناجعة لترويج المنتوج وتأهيل الحرفيين. وقال، في هذا الصدد، إنه في إطار الاستراتيجية الوطنية لشارات الجودة بقطاع الصناعة التقليدية، استفاد فرع النسيج بأبي الجعد من خبرة تقنية مكنت من وضع العلامة الجماعية للتصديق الخاصة بالمنتوج وتسجيله بالمكتب المغربي لحماية الملكية الصناعية والتجارية. وأضاف المدير الإقليمي أنه علاقة بالخبرة التقنية، استفادت مجموعة من النساجات من تكوين حول استعمال المواد الأولية والصباغة والتصاميم للوصول إلى منتوج يتميز بجميع خاصيات الجودة المطلوبة دوليا الشيء الذي مكن مجموعة من النساجات الحصول على شهادة التصديق الخاصة بعلامة الجودة لزربية أبي الجعد. وبعد أن أكد أن الوزارة تساهم بشكل كبير في التعريف وتسويق هذا المنتوج داخل المغرب وخارجه، أشاد بالمجهودات التي تبذلها الصانعات التقليديات في الحفاظ ومواصلة إنتاج هذا المكون الرئيسي لمنتوجات الصناعة التقليدية. من جهته، أبرز رئيس جمعية بني زمور للتنمية (إحدى الجمعيات الفاعلات في مجال الزربية) أحمد غزاوي، أن الجمعية تعمل على احتضان وتكوين عدد من النساء في مجال نسيج الزرابي بهدف تحسين جودة المنتوج وتسهيل اندماجهن في المجتمع. وأضاف أن الجمعية استفادت من مشروع إنعاش النسيج التقليدي بالمدينة، الذي هو ثمرة تعاون بين الجمعية والمعهد الايطالي للتعاون بدعم من المؤسسات المشرفة على القطاع، من تكوين 30 امرأة في ميدان النسيج والتي توج بحصيلة تجربة نموذجية ناجحة، مشيرا إلى أن هذا النجاح راجع لتكوين نساجات مؤهلات مهنيا ومنتوج قابل للتسويق. يذكر أن الزربية المغربية، التي تشكل أحد أهم مكونات الصناعة التقليدية المغربية المشهورة على المستوى الدولي بجماليتها وجودتها وتنوعها حسب المناطق، تتوزع ما بين الزربية الرباطية والفاسية والمراكشية والجبلية والأطلسية وغيرها من المناطق المغربية.