في ظل ضجيج الأحداث والتطورات السريعة التي تعصف بالشرق الأوسط، تبرز في الأفق أدوار خفية لا يعرف قيمتها إلا من أدرك تفاصيل اللعبة الدبلوماسية. يتساءل البعض عن جدوى جهود المغرب في دعم القضية الفلسطينية، وهم غارقون في المسرحيات القانونية التي لا تسمن ولا تغني من جوع، مثل محاكمة جنوب أفريقيا ضد إسرائيل. ولكن، في هذا السياق، يتجلى دور المغرب كقوة دبلوماسية رصينة ومؤثرة، تعرف كيف تصنع الفارق بعيدًا عن الأضواء. في زمن تشتد فيه الأزمات وتتكشف فيه الأدوار، يبقى هناك من يشكك في نوايا المغرب ودوره الفاعل في القضية الفلسطينية. يتابع هؤلاء المسرحيات القانونية والدعاوى الرمزية، متجاهلين الحقائق الراسخة التي تجعل من المغرب لاعبًا أساسيًا في مساعي السلام. لقد أثبتت المملكة المغربية عبر التاريخ أنها ليست مجرد متفرج، بل هي عنصر فعّال يمتلك من الأدوات والنفوذ ما يجعله شريكًا لا غنى عنه في تحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط. منذ عقود، والمغرب يحتل موقعًا محوريًا في النزاع الفلسطيني الإسرائيلي. بفضل قيادة الملك محمد السادس وحكمته، استطاعت المملكة أن تبني جسورًا من الثقة مع مختلف الأطراف. الولاياتالمتحدةالأمريكية تراهن بشكل كبير على دور المغرب لضمان انخراط الفلسطينيين والإسرائيليين في مقترحات السلام، وهو ما تجلى في المحادثات الهاتفية بين وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن ونظيره المغربي ناصر بوريطة، حيث أعرب بلينكن عن تقديره لجهود الملك محمد السادس الإنسانية في قطاع غزة. الفلسطينيون أيضًا يرون في المغرب حليفًا يمكن الاعتماد عليه للضغط على إسرائيل من أجل قبول حلول سلام مستدامة. أنيس سويدان، مدير دائرة العلاقات الدولية في منظمة التحرير الفلسطينية، أشار إلى ثقة الفلسطينيين في تأثير المغرب وقدرته على دفع إسرائيل نحو إنهاء الحرب وإحلال السلام. لم تقتصر جهود المغرب على الوساطة الدبلوماسية فحسب، بل امتدت لتشمل تقديم المساعدات الإنسانية بشكل فعّال ومؤثر. تمكنت الرباط من تأمين مرور المساعدات الإنسانية عبر معبر كرم أبو سالم الحدودي، وهي خطوة غير مسبوقة تعكس قدرة المغرب على استخدام علاقاته الدبلوماسية لخدمة قضايا إنسانية نبيلة. شحنة المساعدات التي بلغت 40 طنًا تم إيصالها عبر طريق بري آمن، مما يبرز كفاءة وفعالية الجهود المغربية. في الوقت نفسه، تعكس التظاهرات الشعبية في المغرب التضامن الكبير مع الشعب الفلسطيني، حيث تبرز مشاعر الدعم القوية التي يعبر عنها المواطنون المغاربة تجاه القضية الفلسطينية. هذه التظاهرات ليست مجرد شعارات بل تعبر عن موقف وطني متجذر في دعم حقوق الفلسطينيين في مختلف المحافل الدولية. من العناصر المهمة التي تسهم في تعزيز دور المغرب هو ارتباطه الثقافي والاجتماعي العميق بالجالية اليهودية ذات الأصول المغربية في إسرائيل. هذه الروابط تخلق جسورًا إضافية للتفاهم والتعاون، حيث يوجد نحو مليون إسرائيلي من أصول مغربية. هذه العلاقات تسهم في تعزيز مكانة المغرب كشريك موثوق به ومحترم من قبل الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي. يجب العمل بجد لإنهاء حالة العدوان والقتل والقمع المستمر، وذلك لتسريع الجهود الدبلوماسية وطرح حلول سياسية بدلاً من اللجوء إلى المحاكم التي أثبتت سخافتها في البوسنة والهرسك وأوكرانيا لكسب الشعبية أو الدعم الدولي. لا يمكن لأحد أن ينكر أنه من منظور القانون الجنائي الدولي، فإن ممارسات إسرائيل ضد الفلسطينيين منذ عقود، وليس فقط منذ السابع من أكتوبر 2023، يمكن تصنيفها كجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وحتى إبادة جماعية. لكن أيضًا نعرف أنه منذ تأسيس إسرائيل على الأراضي الفلسطينية، لم تلتزم بقواعد القانون الدولي ولم تسعَ لاحترامها. فالإسرائيليون يعيشون في عزلة عن العالم، مؤمنين بأنهم "شعب الله المختار" وأنهم سيقودون العالم. لا يبالي الإسرائيليون بالتطورات العالمية ضدهم، ولا تهمهم محكمة العدل الدولية أو الجنائية الدولية أو حتى الأممالمتحدة. من كان ينتظر شيئًا من محكمة العدل الدولية ضد إسرائيل ولصالح فلسطين فليرجع إلى سوابق تاريخية ثم يتأكد أنها ممكن أن تستغرق قضية إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية سنوات طويلة. على سبيل المثال، القضية التي رفعتها البوسنة ضد صربيا وسط الحرب، والتي تم البت فيها بعد حوالي 15 سنة، حيث قضت المحكمة في 2007 بأن صربيا انتهكت التزامها بمنع الإبادة الجماعية فيما يتعلق بالإبادة التي وقعت في سربرينيتسا في يوليو 1995. وبالمثل، رفعت كرواتيا دعوى ضد صربيا في عام 2015، لكن المحكمة قضت بأن صربيا لم تنتهك الاتفاقية في هذه القضية. بل عليه أن ينظر في آخر الحروب وأقربها، الأوكرانية الروسية، فإن المحكمة أمرت موسكو بتعليق غزوها فوراً، لكن موسكو تجاهلت القرار واستمرت في طريقها نحو كييف، متحديةً كل القوى العالمية. إن الدور الذي يلعبه المغرب في القضية الفلسطينية يتجاوز بكثير حدود الخطابات والشعارات، ليصبح عنصرًا حقيقيًا يمتلك الأدوات والنفوذ اللازمين للتأثير في مسار الأحداث. بفضل دبلوماسيته الحكيمة، ومبادراته الإنسانية، وعلاقاته الثقافية المتينة، يظل المغرب عنصرًا لا غنى عنه في معادلة السلام والاستقرار في الشرق الأوسط. هذا الدور يجعل من المملكة شريكًا يحظى بالاحترام والتقدير من قبل الجميع، ويعزز مكانتها كوسيط موثوق به قادر على تحقيق التوازن بين مختلف الأطراف المتنازعة، مقدمًا نموذجًا يحتذى به في العمل الدبلوماسي الفاعل والبناء.