عدم السماح بمغادرة التراب الوطني للعديد من المواطنين الراغبين في التوجه إلى سوريا من أجل الجهاد مع تشديد المراقبة على المواقع الإلكترونية وروادها إلى حد الحجب والتوقيف الإداريين ومنع وسائل النقل البرية الفرنسية من نقل مسافرين فرنسيين في اتجاه تركيا مع إمكانية سجن أصحاب هذه الوسائل لمدة ثلاث سنوات وتغريمهم مبالغ طائلة، تلكم هي أهم الإجراءات المشددة التي يتضمنها مشروع القانون الفرنسي الجديد لمكافحة الإرهاب، إضافة إلى إجراءات أخرى لا تقل صرامة في هذا المشروع الذي قدمه أول أمس الاربعاء بيرنارد كازانوف وزير الداخلية الفرنسي إلى المجلس الوزاري قصد التداول فيه قبل تقديمه إلى لجنة البرلمانيين للبت فيه بشكل نهائي قبل نهاية يوليوز الجاري لإخضاعه إلى التصويت على وجه من السرعة لكونه يهم أمن واستقرار فرنسا. مشروع القانون المذكور الذي يكمل الترسانة القانونية الفرنسية لمكافحة الإرهاب ويعززها بالحد من تهديدات الجهاديين الفرنسيين جماعات سماهم ب"مقاولات الإرهاب" و أفراد نعتهم ب"الذئاب المتفردة" يهدف إلى الحد من تكوين إرهابيين ومجندين فرنسيين من الذهاب إلى سوريا بنية القتال تحت اسم الجهاد بالانتماء إلى تنظيم القاعدة الإرهابي وتنظيمات أخرى لا تقل خطورة. وحدد هذا المشروع الجديد الجهاديين الفرنسيين في أولئك الذين يحملون الجنسية الفرنسية المحض، ذوي الأصول الفرنسية البحتة، بالإضافة إلى المواطنين الفرنسيين الذين يحملون جنسية بلاد الأنوار عن طريق الدم أو عن طريق التراب أو كلاهما والمنحدرين من أصول عربية ومغاربية بالخصوص أو إسلامية. كما يهدف إلى الحد من ظاهرة تواصل هؤلاء الإرهابيين سواء فيما بينهم، أو فيما بينهم وبين الجماعات الإسلامية المسلحة في سوريا عبر الأنترنيت وشبكات التواصل الاجتماعي ومواقع أكثر تطرفا، علما أن سوريا أصبحت في نظر المشرع الفرنسي بؤرة لتكوين الجهاديين والإرهابيين بصفة عامة وتستقطب العديد من الراغبين في القتال باسم الدين ومنهم العديد من الفرنسيين المنحدرين من أصول مغاربية وعربية. بلغة الأرقام حصت وزارة الداخلية الفرنسية ما يفوق 500 فرنسي ومقيم بفرنسا من الجهاديين الذين يوجدون على أهبة واستعداد للذهاب إلى سوريا في المقبل من الأيام للجهاد هناك ثم العودة منها، إن استتب لهم أمر العودة سالمين، لتستمر عملية "التفريخ"، كما حصت 300 إرهابي جهادي فرنسي يوجدون الآن في قلب المعارك الطاحنة التي تدور بسوريا. وإذا كان الإجراء الأول الذي يرتكز عليه مشروع القانون الفرنسي الجديد، وهو الإجراء المتعلق بعدم السماح بمغادرة التراب الوطني لكل من يعتبر مسافرا إلى الشرق إجراءً إداريا واحترازيا يعتمد فيه القانون على تنقيط وزارة الداخلية لمجموعة من الأفراد المشتبه فيهم بكونهم رؤوس شر قائم للجهاد وذوي سوابق في الإرهاب، بل ذوي علاقات مع الإرهابيين ومع التنظيمات الإرهابية، وأهمها القاعدة بكل تفرعاتها، وحددتهم وزارة الداخلية الفرنسية في 200 جهادي ثبت انتماؤهم لخلايا الجهاد وتأكدت نيتهم في السفر إلى سوريا لتلقي المزيد من التكوين والدعم وبالتالي وجب معهم اعتماد إجراء الحصول على مغادرة التراب الوطني لكونهم يشكلون أرباب مقاولات للإرهاب، إذا كانوا جماعات وذئابا متفردة إذا كانوا أفرادا، فإن الإجراء الثاني المتعلق بتشديد المراقبة على الأنترنيت يبقى إجراءً تقنيا معلوماتيا وإن كان يطوى على إجراء إداري محض، ذلك أن المادة السادسة من مشروع القانون الجديد يذهب فيها المشرع إلى إمكانية الحجب والتوقيف الإداريين لكل موقع إلكتروني ثبت تناوله لأفكار إرهابية، أو له صلة بالمشتبه في كونهم جهاديين، وهو إجراء (الحجب الإداري) كان فتح نقاشا واسعا أثناء تقديم المشروع المتعلق بمكافحة ظاهرة الأفلام الإباحية على المواقع الإلكترونية ولاقى معارضة شديدة من طرف الاشتراكيين بدعوى المس بالحقوق والحريات وبدعوى عدم قوته حيث ينعدم ضمان التنفيذ ويفتح باب القرصنة والسقوط في متاهة النظام غير المهيكل، الشيء الذي يعطي الانطباع على أن إجراء الحجب الإداري للمواقع الإلكترونية بسبب "الجهاد" والإرهاب في مشروع القانون الجديد سيفتح نقاشا آخر ويعرضه مجددا إلى المعارضة على الرغم من أوجه الاختلاف بين ظاهرة الإرهاب التي تدخل في إطار أمن فرنسا وتشغل بال الفرنسيين في ما يخص استقرارهم وبين ظاهرة الإباحية وأفلامها. ولمعرفة "الجهادي الإرهابي" المفترض فيه أن يشكل خطرا على البلاد أثناء عودته من سوريا ارتكزت وزارة الداخلية على سلسلة من النقط الخاصة بالجهاديين المحتمل سفرهم إلى سوريا أهمها التنقيطات التي قامت بها الإدارة العامة للأمن الداخلي لفائدة هؤلاء المشتبه بهم وهي تنقيطات تدخل في إطار سرية الدفاع عن أمن فرنسا. وبما أن الحصول على وثيقة مغادرة التراب الوطني يستدعي ارتياد المحكمة الإدارية فإن المعني بأمر هذه الوثيقة سيجد نفسه أمام وابل من الأسئلة والاستفسارات التي تقنعه بعدم مغادرة التراب الفرنسي. أما ما يتعلق بالسفر برا إلى سوريا عبر الحدود التركية فإن مشروع القانون الجديد يعمل على منع كل وسائل النقل البرية من نقل مسافرين فرنسسين إلى تركيا دون حصولهم على الوثيقة وهو المنع الذي سيؤدي في حالة خرقه إلى السجن لمدة ثلاث سنوات وغرامات مالية تبلغ 45 ألف أورو. محمد عفري