من يقف على الإنجازات التي بدأ المغرب يجني ثمارها في إفريقيا بعد الجولة الملكية السامية الأخيرة للعديد من دول جنوب الصحراء بالقارة السمراء يستوعب بسرعة الضيق والحرج اللذين تعيشهما فرنسا. ففرنسا التي فرضت الحماية وتعدتها إلى الاستعمار في العديد من الدول الإفريقية، خلال القرن الماضي ظلت متشبثة بكونها عراب الأفارقة الذين لا تقوم لهم قائمة إلا بوجودها. وحينما استفاقت متأخرة على التغيير الجذري للعالم في القرن الحالي، ومنه التغيير الإفريقي التواق إلى الاعتماد على النفس ثارت ثائرة "جمهورية هولاند" وهي ترى إفريقيا تتحرر من تبعية أنظمة الاستعمار على يد المغرب. فالجولة الملكية الأخيرة للبلدان الإفريقية الأربعة وما تلاها من تداعيات على السياسة والأمن والاقتصاد في المنطقة، وبعدها الزيارة الملكية الأخيرة الناجحة لتونس، جعلت فرنسا تكيل أنواع العداء على المغرب، وإن كان بشكل خفي فإن علاماته بادية على نزلة البرد التي تسيج علاقة فرنسا بالمغرب في الآونة الأخيرة، بداية من قضية الشكاية المسمومة ضد موظف سامٍ وإرسال الاستدعاء عبر سفارة المغرب في فرنسا ومرورا بالهالة الكبيرة التي تم إعطاؤها لكتاب "الأمير المنبوذ"، واستغلال هذيان زكرياء المومني وقضية عراس والمطلسي وآخرين. لقد كان المغرب سباقا من خلال الجولة الملكية إلى الديار الإفريقية إلى امتلاك آليات الدورة الاقتصادية والاجتماعية في منطقة ظلت مصنفة في خانة الخطر، ليس بمخاوف الجوع والأمية والفقر وإنما من انعدام الأمن والاستقرار اللذين ظلت فرنسا تتفرج عليهما طوال عقود من دون أن تدرك أن الأمن والاستقرار لهما علاقة وطيدة مع التنمية الاقتصادية والاجتماعية أكثر من بسط النفوذ العسكري لكسب المصالح الخاصة، بفرض سياسة رابح – خاسر، قبل أن تاتي الحكامة المغربية على يد جلالة الملك لتعلن أن التنمية والانتعاش الاقتصادي واستتباب الأمن والاستقرار بالمنطقة، قوامها علاقة تشاركية وأساسها الربح المتبادل في إطار تكريس رابح – رابح بين كل الأطراف المتعاقدة. طوال وجود فرنسا بالمنطقة، خصوصا في إطار الاستعمار الجديد، لم تعش إفريقيا جنوب الصحراء على تنمية مثلما تعيش عليها اليوم، بعدما أشر المغرب على بداية مسار جديد لتنمية المنطقة، تنمية تفسرها الاتفاقيات المتعددة الكبرى بين المغرب وبلدان هذه المنطقة، ليس في الاقتصاد والأمن والمرافق الاجتماعية وإنما في حقوق الإنسان ومفاهيم الديمقراطية كذلك، وكلها عوالم أصبح المغرب نموذجا يحتذى به فيها قاريا ودوليا. ما يحرج فرنسا ليس هو أنها افتقدت زمام أمر الأمن بالمنطقة، كما ظلت تروج في خطاباتها، ولكن الذي يحرجها إلى حد الحنق هو افتقادها لزمام الأمور الاقتصادية خصوصا عندما رأت بأم أعينها المقاولات المغربية "تنهال" على الاستثمارات الضخمة في هذه المنطقة الخصبة ولم تترك لنظيراتها الفرنسية غير الفتات. والنموذج هو ما أقدمت عليه "الضحى" من استثمارات عقارية بمختلف الأصناف وتعدتها إلى مصانع الإسمنت، ليس في الكوت ديفوار ومالي وحدهما وإنما في تشاد كذلك البلاد التي ظلت فيها فرنسا عقودا ترتع وتلعب من دون أي استثمار يذكر.