يؤكد لنا التاريخ بالدلائل والأحداث المتكررة التي استحالت إلى قانون علمي، أنه كلما ولغ رجال الدين في إناء السياسة، إلا وكانت الطامة الكبرى، وزُلزلت الأرض زلزالها، وما عرفت الناس ما لها، لأن العوام والسذج يعتقدون أن رجال الدين، هم أهل الله، ولا يُخطئون مثلهم مثل الأنبياء والرسل، ومن ثمة قيل عنهم إنهم ورثة الأنبياء، فيما يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نحن الأنبياء لا نورَث..." اُنظر كتب الصّحاح.. وعندما أذكر الدين، فإني أعنيه بمعناه الشامل، ويتعلق الأمر بكل الأديان والمعتقدات التي تتحول إلى إيديولوجيا سياسية كالعقيدة الاشتراكية أو الشيوعية وقسْ على ذلك.. لكنّ الفارق، أن أصحاب الإيديولوجيات التاريخية، عندما يختلفون، فإنهم يعزون ذلك إلى اجتهاد أو إلى ضرورات تفرضها المرحلة، أو تغيير تمليه الظروف السياسية والاجتماعية، فيما الموظِّفون للدين يقنعون الناس باطلا وافتراءً بأن كل ما اتخذوه من قرارات أو أفتوا به إنما هو "حكم الله"؛ ورسول الله يقول: "لا تقولوا هذا حكم الله، ولكن قولوا هذا حكمُنا أنزلناه بكم، فيما يدريكم أأصبتم حكْمَ الله في ما حكمتم به على الناس..".. أما إذا انتهى حكمهم وفتاواهم بمصائب جمة، فإنهم يقولون إن ذلك قضاء وقدر هكذا فالذي قطع رأس الحسين رضي الله عنه وجاء به إلى يزيد، لمّا سُئِل عن فعلته قال: إنه قضاء الله، والله سبحانه وتعالى يقول: "يا أيها الذين كفروا، لا تعتذروا اليوم، إنما تُجْزَون ما كنتم تعملون" صدق الله العظيم. وسوف أكون غير جدير بالقيام بواجبي إذا لم أقدّم أمثلة عينية عن مصائب وفوادح وخطوب كان من ورائها أولئك المتمسّحون بالدين نتيجة الأخطاء التي ارتكبوها وما زالت آثارها بادية إلى يومنا هذا، وستظل أمامنا دائما لا خلفنا للأسف الشديد.. عندما اجتاح "هتلر" روسيا، طار البابا "بايّوس الثاني" من روما إلى برلين ليبارك عمل النازية، واعتبر أن "هتلر" ينفذ إرادة الرب، ويبني مملكته على الأرض، فيما كان باطرِيَارك الكنيسة الأورتودوكسية في موسكو يبارك "ستالين" حرّاق دور العبادة وعدو الدين بامتياز، صار هناك "مسيح جرماني"، و"مسيح إسْلافي" ثم إلاه يبارك "هتلر" وآخر يبارك "ستالين" والشيء الوحيد المشترك هو "يهودا الخائن"، الذي وشى بالسيد المسيح قبل الصلب.. ولما انتهت الحرب العالمية الثانية، عمل رجال الدين على تهريب المجرمين النازيين إلى بلدان أمريكا الجنوبية، بواسطة منظمة "أوديسا" وقد تزعم هذا النشاط الأب "مونتيني" وهو الذي صار "البابا بول السادس" في الستينيات.. إن توظيف الدين أمر خطير ومسيء للدين وقدسيته، لقد اضطر الحلفاء إلى اقتحام الكنائس وتفتيش الراهبات، لأن النازيين كانوا يُنزلون مظليين في ثوب راهبات، وهو ما نراه اليوم، حيث يختبئ الإرهابيون الإسلاميون في ثوب نساء محجبات بهدف التضليل والغدر، فيما الدين بريء من كل هذا براءة الذئب من دم ابن يعقوب.. من عقّد قضية فلسطين السليبة؟ من رفض حلولا كانت أنفع وأنجع من حلول اليوم التي أسفرت فقط عن علبة سردين اسمها "أريحة"، وحبة أسبرين اسمها "غزة" كما قال نزار قباني؟ من كان السبب في عدم قيام دولة فلسطين في العشرينيات، وفي الأربعينيات غير هؤلاء المعمَّمين أصحاب الفتاوى؟ لقد كانوا يزورون "هتلر" وقبله "موسوليني" وراهنوا على الفاشية والنازية، بل كانوا يشاركون في كل الاستعراضات، وهم يرفعون أيديهم لأداء التحية النازية، وهي إشارة تشبه من يقول: "إن الكارثة ستكون بهذا الحجم"، وقد كانت كذلك بلا شك.. لقد كانوا يتحالفون مع "هتلر" من أجل فلسطين، و"هتلر" يصرح بوضوح في كتابه "كفاحي"، بأنه لا يثق بالعرب لأنهم أصحاب اليهود، وأبناء عمومتهم: اُنظر الفصل الخاص باليهود في هذا الكتاب.. ثم حرّضوا مسلمي البوسنة والهرسك على مناصرة النازية والانخراط في جيوشها عبر فتوى معروفة، وقد رأيتَ ما حدث للمسلمين في حروب ومجازر البلقان في أواسط التسعينيات نتيجة تاريخ كتبه العثمانيون، وأكمله أصحاب الفتاوى خلال الحرب الثانية، فانبثق ذلك التاريخ دفعة واحدة سنة 1994، لأن التاريخ يوجد أمامنا لا خلفنا كما يقول "هايدجير".. فماذا حققوا للأمة غير التشتت والضياع والقتل، حتى صار المسلمون يضربون رقاب بعضهم البعض، ويغدرون ببعضهم البعض، ويكفّر بعضهم البعض؟ ماذا حققت حكوماتهم في المغرب، وتونس، وليبيا، ومصر غير الجوع، والغلاء وتفاقم الديون، وهروب الشباب عبر أعالي البحار، وتكاثر مجانين وهم يُسْهلون عبر منولوغات هستيرية من على المنابر، وآخرون يخطفون البنات، وآخرون يمثّلون بالجثث، وكلهم يدمرون الإسلام، كل بطريقته ومن موقعه، حتى جعلوا مصيبتنا في ديننا، وهو أمر أخطر من أسلحة الدمار الشامل اللهم لطفك!