عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة والأمين العام لحزب العدالة والتنمية، يبحث عن شهادة حسن السلوك. فبنكيران شبيه بصاحب الدار الذي يفرض نظاما تقشفيا خطيرا على زوجته وأولاده ويهيئ العشاءات الفاخرة لضيوفه. فرئيس الحكومة مسرور بشهادة كريستين لاغارد، مديرة صندوق النقد الدولي التي قالت له في حديث هامشي بدافوس "إنك قمت بأكثر مما كنا نتوقع منك". فلأول مرة في تاريخ المغرب نرى حكومة تنشرح لما يقرر البنك الدولي منحها قرضا ماليا. ولا يكل وزراء هذه الحكومة يقولون إن المؤسسات المالية تثق فينا ولهذا تمنحنا القروض. وهذا كلام ليس ذي بال. فالقروض أمر معيب عند الدلو كما عند الأشخاص. ويلجأ الناس للاقتراض عندما لا يستطيعون تنفيذ مشاريعهم من مدخراتهم وثروتهم. فشهادة حسن السلوك من صندوق النقد الدولي هي شهادة الفشل بعينيها. فعندما تقول لاغارد لنبكيران إنك قمت بأكثر مما كنا نتوقع منك فذلك يعني أن جرأة بنكيران على كل ما هو اجتماعي كانت زائدة، وربما أرادت لاغارد أن تنبهه إلى أنه بالغ كثيرا في تنفيذ الإجراءات التقشفية، التي قد تكون انعكاساتها الاجتماعية والسياسية خطيرة على البلد برمته. فمن حق بنكيران أن ينال هذه الشهادة التي لا تنفع طبعا، ومن حقه أن ينال شهادة أكبر منها، لأن كل الحكومات التي مرت لم تقم بما قام به خلال سنتين. يعني الحكومات السابقة كانت كما يقول المغاربة "كتضرب وتقيس وتشرب وتتنفس"، أما بنكيران فقد "خرج لها نيشان". إن أهم ما يميز بنكيران هو أن يقول كل شيء. وعندما قال إنه سيضطر إلى اتخاذ إجراءات لا شعبية كنا نعتقد أنه فقط أراد ان يقول لخصومه السياسيين إنه لا تهمه الشعبية. لكن تبين أنه كان صادقا فيما قال. وبفضل هذه الإجراءات الخطيرة نال شهادة حسن السلوك. فالحكومات السابقة، وخصوصا حكومة المرحوم المعطي بوعبيد التي كان على عاتقها تنفيذ برنامج التقويم الهيكلي والخضوع لتوصيات صندوق النقد الدولي، لم تتجرأ على ما تجرأ عليه بنكيران، وظلت تراوغ حتى لا تضطر إلى اتخاذ إجراءات خطيرة تزيد من تعميق مأساة المواطنين. غير أن حكومة بنكيران تجتهد في تنفيذ توصيات صندوق النقد الدولي بل تزيد عليها توابل من عندها هي التي قالت عنها لاغارد إنك "قمت بأكثر مما كنا نتوقع"، والصندوق لا يطلب تنفيذ أكثر من المطلوب لأن الأمور محسوبة عنده سياسيا واجتماعيا. فبنكيران نال شهادة السلوك من صندوق النقد الدولي لأنه تجرأ على صندوق المقاصة، الذي يعتبر حامي جيوب الفقراء من أسعار المواد المحروقة، وباعتباره الصندوق الذي يدعم المواد الاستهلاكية الأساسية، وهو الصندوق الذي استحيت كل الحكومات وفي ظل الأزمات الخانقة أن تحوم حوله، ولم يستحي بنكيران في التحرش به بل وضربه بالفأس الضربة القاضية. يكفي جرأة بنكيران على صندوق المقاصة لينال شهادة حسن السلوك من صندوق النقد الدولي وهي التي تعني قمة الانحطاط الشعبي.