تنظم الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطية، يوم الجمعة المقبل بقصر المؤتمرات بالصخيرات، مناظرة تحت شعار "التحفيظ العقاري ضمان حق الملكية ورافعة التنمية"، ويهدف هذا الملتقى إلى تسليط الضوء على أهمية التحفيظ العقاري في تثبيت الملكية العقارية، مع إبراز الدور الذي يلعبه في التنمية الاقتصادية والاجتماعية. ويعرف المجال العقاري في المغرب ما يشبه الثورة التشريعية، التي فرضتها قيمة العقار الذي أصبح محورا للمشاريع التنموية، كما أن هذه الثورة جاءت في سياق حل الإشكاليات التي طرحها نظام التحفيظ العقاري الذي يعود إلى 1913، كما يعد أحد القطاعات الأكثر حساسية بالمغرب، ليس فقط للدور المهم الذي يلعبه في در مداخيل إضافية لمالية الدولة، ولكن للجانب المهم الذي تحدده آلية تحفيظ الأراضي في عدد من المشاريع الكبرى، وكذلك بالنظر للدور الفعال للمعاملات العقارية في جميع المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وبعد مرور قرن عن صدور ظهير 1913، كان ضروريا إدخال بعض التعديلات على فصوله، أو تتميمها بفصول أخرى، فجاء قانون رقم 07/14، ومعه بعض المستجدات، منها ما يتعلق بمسطرة التحفيظ، ومنها ما يتعلق بالتعويضات عليها والجهات المختصة للبت فيها. ومنها ما يتعلق بمسطرة التقييد الاحتياطي، حيث تم وضع تعريف دقيق لمفهوم التحفيظ العقاري، تفاديا لكل خلاف في التأويل، كما تمت مطابقة دائرة نفوذ المحافظة العقارية مع التقسيم الإداري للمحكمة، وتمكين الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطية، من إحداث أكثر من محافظة داخل النفوذ الترابي لكل عمالة، أو إقليم، وهو ما ساهم في تطوير عمل هذه المنظومة وتعزيز آليات اشتغالها، لتسريع مسطرة التحفيظ. وتظهر أهمية ودور التحفيظ العقاري في عدة مستويات، منها المستوى القانوني حيث يساهم التحفيظ في تثبيت ملكية العقار بصفة نهائية بحيث تصبح غير قابلة للطعن وتحديد وضعيته القانونية بصورة واضحة ودقيقة، واكتساب الملكية مناعة وقوة عن طريق حماية الدولة لها واعتراف القانون بها. وكذلك على المستوى الهندسي حيث يلعب التحفيظ دورا مهما في تحديد الوضعية المادية للعقار بتعين موقعه وضبط حدوده ومساحته ومشتملاته، إضافة إلى المستوى الاقتصادي حيث يقوي التحفيظ مستوى الائتمان العقاري عبر تيسير حركة تداول العقار بواسطة البيع والشراء وتشجيع حركة العمران عبر خلق تجزئات سكنية، وعمارات.... وتنمية الفلاحة من خلال تحديد الدوائر البورية والسقوية وتمكين الدولة من المعطيات الكافية لإنجاز المخططات الاقتصادية والاجتماعية، إلى جانب المستوى الاجتماعي المتمثل في المساهمة في التقليل من النزاعات بشأن العقار عن طريق ما يوفره من وضوح وأمان على مستوى الملكية العقارية، يضاف إلى هذا توفير وعاء عقاري كافٍ لسد حاجيات السكان في اقتناء مسكن. في سياق آخر تعتبر النصوص القانونية الدعامة الأساسية للسياسة العقارية، إذ لا يمكن الحديث عن سياسة عقارية دون الحديث عن النصوص القانونية الموجهة لها، وقد أولت مختلف التشريعات عناية بالغة بالعقار، لما يشكله من دعامة أساسية لاستقرار المعاملات البشرية، وضمان أمنها، كما يشكل أيضا استثمارا اقتصاديا لا يتأثر بعامل الزمن، إذ تبقى قيمته ثابتة عكس المنقول الذي يضمحل بمرور الزمن. وتحقيقا لهذه الغاية، اهتم المشرع المغربي بالعقار، ووضع قواعد وأسسا تضمن له خصوصياته، وطرق استغلاله والتصرف فيه من بيوع ورهون ومختلف أنواع التصرف والاستغلال. وهو ما يتجلى من خلال مقتضيات ظهير 12 غشت 1913 المتعلق بالتحفيظ العقاري، وكذا القرارات الوزارية المرتبطة به، التي عملت على تقنين مجموعة من الإجراءات تباشرها إدارة المحافظة العقارية، وهكذا، فمسطرة التحفيظ هي مسطرة إدارية بالأساس، ذلك أن جل العمليات تباشر من قبل المحافظ العقاري، ويبقى هامش تدخل القضاء موازيا، يشمل صلاحيات البت في النزاعات التي قد تنشأ أثناء جريان مسطرة التحفيظ، لذلك جاء القانون الجديد المتعلق بالتحفيظ العقاري ليمكن الدولة من فتح مناطق للتحفيظ الإجباري، وذلك بهدف تعبئة العقار الذي يستخدم كوعاء لمشاريع التنمية الاقتصادية والاجتماعية، كما أنه يسمح أيضا بملاءمة المحافظات العقارية مع التقطيع الإداري، مع إمكانية إحداث العديد من المحافظات العقارية بنفس العمالة أو الإقليم، من أجل تقريب الإدارة من المواطنين والاستجابة لحاجيات التنمية الاقتصادية والاجتماعية.