الملوك لا يوجهون الخطاب مرتين ينبغي الوقوف على دلالات الاستقبال الملكي لعبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة والأمين العام لحزب العدالة والتنمية الذي يقود مفاوضات تشكيل حكومة جديدة مع صلاح الدين مزوار، رئيس التجمع الوطني للأحرار. فالاستقبال الملكي، الذي جاء بطلب من بنكيران، يؤكد مرة أخرى الاستجابة الملكية التي تطبعها السرعة لمختلف مطالب الشعب وطلباته من أي مستوى جاءت بما فيها رئاسة الحكومة، وتأتي هذه السرعة من الملك بصفته رئيس الدولة والحكم بين المؤسسات والفرقاء السياسيين للاطلاع على آخر المستجدات التي تتعلق بالمشاورات التي يجريها بنكيران مع حليفه الجديد قصد تكوين أغلبية جديدة. ويجسد الاستقبال الملكي رهان جلالة الملك على دور الأغلبية الحكومية في حل مشاكلها بنفسها وفي جعل المؤسسة الحزبية مكونا ورافدا أساسيا في الديمقراطية وجعل المفاوضات في مرونتها أداة من أدوات تكوين الأغلبية، وبالتالي تشكيل حكومة تكون منبثقة عن هذه الأغلبية ولها الصلاحيات الدستورية التي منحها إياها دستور فاتح يوليوز 2011. وجسد الاستقبال الملكي كذلك إرادة الملك في إسداء النصح كلما تم طلب ذلك منه وفي التدخل بالتي هي أحسن ديمقراطيا لجعل الممارسة تسير وفق الشروط الديمقراطية المتعارف عليها. وإذا كان الاستقبال جاء ليؤكد شيئا ما في الممارسة الديمقراطية فإنه جاء ليؤكد حياد المؤسسة الملكية تجاه الفرقاء السياسيين ولإسكات صوت "الطبالجية" وبائعي الأخبار المزورة والمدفوعة الأجر، والتي تهدف إلى خلق البلبلة وتغليب كفة على كفة أخرى قصد زرع الشك في مسار المفاوضات والرفع من قيمة حزب على آخر رغم حاجة الحكومة لأحزاب الأغلبية ولأحزاب المعارضة وإلا ما استقامت الممارسة الديمقراطية. وجاء هذا الاستقبال ليؤكد أن الملك يستمع للكل كلما تم طلب ذلك، ولما طلب بنكيران أن يطلع الملك على آخر مستجدات المفاوضات حول تشكيل الحكومة، استجاب الملك بسرعة، لينصت إلى رئيس الحكومة الذي جاء ليأخذ النصح من رئيس دولة يؤمن بمقتضيات الدستور وبدور المؤسسة الملكية الذي حددته الوثيقة المرجعية في الفصل 42 وفي مواد أخرى ويؤمن بالديمقراطية ويدافع عنها باعتبار أن المشروع الديمقراطي أصبح خيارا دستوريا لا يمكن التراجع عنه ولا يمكن المساس به بل أصرَّ المشرع في بداية كتابة الدستور على التأكيد على أنه لا يجوز المس بالديمقراطية وبالمؤسسات الديمقراطية من قبل الأحزاب السياسية، و"لا يجوز" في لغة التشريع والفقه تعني التحريم والمنع مع ما يتبع ذلك وما يترتب عليه من أحكام قانونية. ويمكن اعتبار الاستقبال الملكي هو النقطة الأساسية في فك طلاسيم المفاوضات والدخول وفق شروط جديدة لتشكيل حكومة قوية ليست حكومة تضارب المصالح والصراع على الكراسي، ولكن حكومة تؤمن بأن المغرب محتاج لكل أطره لخدمة الشأن العام وأنه محتاج إلى النقاش الجاد والحوار كسبيل وحيد إلى بناء مغرب ديمقراطي وقوي. ومن يعرف الخطاب الملكي باعتبار قوته المرجعية يفهم على أنه رسالة توجه لمرة واحدة، ويتلقاها من يهمه الأمر وهي ليست في حاجة إلى إعادة الإنتاج، ونظرا لانخراطها في صياغة مسار الدولة ورسم مستقبلها وإستراتيجيتها فهي تمضي بسرعة لتصل إلى موقعها وموئلها، ومن يود تلقيها مرتين يكون جاهلا بقاعدة الفيلسوف اليوناني أرسطو الذي قال ذات زمن بعيد "لا يمكن للمرء أن يستحم في النهر مرتين". فالمغرب يعيش أزمة على كافة المستويات وجاء الخطاب الملكي في ذكرى ثورة الملك والشعب ليشرح المستوى المتدني للتعليم كما جاء تقرير دافوس ليوجه صفعة قوية لحكومة بنكيران، وبالتالي فإن المغرب في حاجة إلى حكومة قوية. وتبين أن بعض العثرات التي تعترض المفاوضات حول الأغلبية، وتعترض تشكيل الحكومة تعود إلى سوء فهم الخطاب الملكي أو فهمه بسذاجة أو محاولة تحميل الخطاب ما لم يقله. ونظن جازمين أن رئيس الحكومة لم تكن أمامه فرصة للاستماع مرة ثانية إلى خطاب ملكي مرة ثانية وفي الموضوع ذاته. لأن هناك اعتبارات تؤطر الخطاب الملكي بما هو حامل للرسائل والتوجيهات وبما هو مرجعية سياسية.