اسمحوا لي في البداية أن اطلب إذنكم للتحدث في الشأن السياسي المغربي .. فعلى الرغم من كوني مواطن مغربي إلا أنني مقيم بالخارج . والمقيم بالخارج كما (تعلمون ) يحتاج لوكيل شرعي ينوب عنه لممارسة حقوقه الدستورية فبالأحرى أن يتجرأ ويكتب في الشأن السياسي الوطني .. لكن أرجوكم لا تأخذوا كلامي على محمل الجد .. ففاقد الأهلية ومن يحتاج لوكيل مثلي .. لا يحاسب على كلامه. إسمحوا لي أن أتحدث – بتطاول – عن حكومة المغرب المقبلة ، وعن برلمان المغرب الجديد ، وهي طبعا حكومة من حق له التصويت ومن لم يُمنع من التصويت، أما أنا وأمثالي فقد سلبنا هذا الحق.. ولكم أن تبحثوا في الأسباب والمسببات والمتسببين أوبكلمة واحدة (السيبة) !!. **** بدأ العد التنازلي للمائة يوم ( المتعارف عليها ) .. و بدأ معه التحرك في الكواليس السياسية والصالونات الحوارية بحثا عن تشكيلة حكومية سوف تتحمل ، بقيادة السيد عبد الإله بنكيران مسؤولية تدبير الشأن العام. لكن أسئلة كثيرة ، كانت وسوف تظل ، معلقة في شأن إختيار الوزراء أو بالأحرى خدام الشعب الذين ستؤول على عاتقهم مسؤولية ترجمة الشعار الإنتخابي إلى ممارسة لا تقبل القسمة على إثنين أو ثلاثة أو ربما ثلاثين ولكم في الأرقام والأحزاب عبرة. أسئلة توصف عادة بالسابقة لأوانها و المبالغ فيها وأحيانا غير الضرورية والسيد رئيس الحكومة أعلم الناس بها لكثرة ما شُنفت مسمعه على مدى سيرته( النضالية !! ) الطويلة. أسئلة تقتضي من فخامته التوقف عندها .. ومقارنتها بما كان يردده في الأمس القريب من شعارات صدقها الشعب وآمن بها وأنا لا أملك إلا أن أشهد له بالنزاهة حتى يُثبت هو أو حكومته عكسها. لقد كان السيد عبد الإله بنكيران (أول) من رفع شعار الصراحة والوضوح .. وأول من سمى الأشياء (أو سمح له) بأن يسمي الأشياء والأشخاص بمسمياتهم .. نصح الشعب وخاطب الملك ناصحا وواعظا فاستمال قلوب الشعب وأجهش على الكتف وعرف من حيث تؤكل والسياسة فنون. ولأن شعار المصارحة يقتضي الحديث في الأمور كلها قبل وقوعها . بل وحتى درء الحدود بالشبهات . واتقاء حدوثها فإننا ومن هذا المنطلق نستعير من السيد رئيس الحكومة حكمه ووعظه ونتمنى أن يتسع صدر فخامته و صدورحاشيته لأسئلتنا. **** بدأت تتسلل إلى مسامعنا بعض التسريبات عن حكومة سوف يكون الشرط في تشكيلها هو النزاهة .. ولا شيئ سوى النزاهة . كما بدأت تتردد أسماء جديدة وأخرى عتيقة.. أسماء يعرف الشعب بعضها ويعرف عن بعضها الشيء الكثير بل وأكثر مما يجب أن يعرف .. وبدأ القيل من هنا والقال من هناك .. ولكم أن تتخيلوا ردة فعل من يسمع من بعيد ولا يرى بعينه ما يحصل أو ما اتفق على حصوله (ضمنا) بين الأحزاب حتى قبل الإنتخابات. بدأ السيد رئيس الحكومة بطمأنة الداخل والخارج عن نواياه الإعتدالية وفقهه المقارن التوفيقي بين المعتقد الديني والممارسة السياسية. في تغير ملحوظ تماما كما يغير اي منا لون ربطة عنقه متى شاء وحيث شاء. بدأ بالقول أنه لن يفرض الحجاب على من لا تريد إرتداءه .. والتزامه وحزبه بتعددية المعتقد وحرية ممارسته .. وأنا أقول له .. نِعم الدولة العلمانية إذن التي تدعو لها.. لكن وما دام الأمر كذلك. ما كانت دوافعك ودوافع حزبك وراء رفع شعار المرجعية الإسلامية للمغاربة ؟ ( المبدا الرابع في برنامج حزب العدالة والتنمية).. هل كانت غزلا أم إستمالة أم لعلها دغدغة لسلطة المعتقد على النفوس. **** اتضح جليا أن رئيس حكومتنا – عفوا مرة أخرى أقصد حكومة الذين مارسوا حق التصويت – يُتقن التموقع والتمركز في المكان المناسب لتسجيل الهدف وإصابة الشباك ولا يهم بعد ذلك من الذي كان له الفضل في صناعته والتمهيد له. ولا ضير هنا من ذكر واقعة شباب من أبناء هذا الشعب الرائع .. ممن ضاقوا ضرعا بالفساد والمفسدين فقرروا الخروج للشوارع يوم 20 فبراير من سنة 2011 بنظام وانتظام ورفعوا شعارات تطالب بالعدل والعدالة بالنماء والتنمية ، عدالة وتنمية حقيقية نابعة من رحم الشعب وتطلعاته.. طالبوا بتساوي الفرص والقضاء على البطالة وإقامة دولة الحق والقانون. يومها قال عنهم السيد بنكيران أنهم ثوار الفايسبوك وقال أنه لا يعرفهم ولا يريد الخروج مع من لا يعرف بل وذهب بحسه (الأمني العالي) إلى حد وصفهم ب ( الغياطة ) . وما هي سوى أشهر حتى وجدناه يستعير شعاراتهم ويرفعها عنوانا لحملته الإنتخابية بل ويعود ليمدحهم ويفتخر بأن احد ابناءه كان بينهم. الم يك لهؤلاء الفضل الأعظم في حراك الشارع .. حراك إستجاب له الملك بكل حرص ووضوح .. وركبت الأحزاب موجته إنتهازا وتملقا .. فاستفاد منها من استفاد. والعدالة والتنمية أولها. **** لا ضير إذن من تسطير الوضوح عنوانا رئيسا لكل مواقفنا .. إلتزاما بما جد منها وتحملا للمسؤولية في ما سلف .. فذاكرة الشعوب لا تنضب مهما مرت الأعوام والسنون. لا شيئ يمنع من تحويل الشعار الإنتخابي إلى إلتزام قانوني وبند من بنود عقد التفويض أحد أطرافه هو صوت الشعب، وباسمه يلتزم الطرف الثاني الحكم الرشيد وليكن الإخلال بأي بنذ هو سبب قانوني كاف لفسخ العقد وبطلانه. ( قد يقول البعض " هاذا باغي يصفر الفينال قبل ما يبدا الماتش " ). وليكن نحن نعيش بالخارج وبالخارج صوت الشعب يحترم ليس فقط عند الإقتراع بل وكذلك عند الممارسة .. فأوباما لا يملك صرف دولار واحد من ميزانية الدولة دون موافقة الأغلبية في مجلس النواب و الثلثين في مجلس الشيوخ .. كما لا يملك الحق في تعيين وزير أو وزيرة ما لم توافق عليه اللجنة المختصة التي انتخبها الشعب .. لكن لا مجال للمقارنة "خلينا فحريرتنا". ولأن الرسائل تعرف من عناوينها ، فإن بداية التفاوض لتشكيل الحكومة الجديدة بداية لا تبشر بأي خير بل هو الإنحراف عن الخط. **** السؤال الأول : هل يُكذب التحالف الحكومي الشعار الإنتخابي؟ قد يبدو الوقوف في وجه التيار ضربا من ضروب الجنون .. وقد يكون القول برأي غير رأي الجماعة تغريدا خارج السرب .. لكن الأمانة والقسط في القول لا يعلو فوقهما الإجماع ولا يجوز التهاون في شأنهما ايا كانت السباب أو الدوافع. - كيف يعقل أن يكون السيد بنكيران هو نفس الرجل الذي ما فتء يصف حزب الإستقلال بالفشل والتهاون وتبذير المال العام؟ - وكيف يكون السيد بنكيران هو من جَلجل صوته مناديا بتغيير الوجوه وبناء مغرب خال من المحسوبية والزبونية ؟ فإذا به هو نفس الرجل الذي يبدأ أولى جولاته التفاوضية لتشكيل حكومته بمد يده لحزب الإستقلال واحزابا أخرى قال عنها ما لم يقله مالك في الخمر. ألم تك صيغة التعاقد الضمني بين الناخب والمنتخب تقتضي أن يعطي الأول للثاني صوته ويفوضه تفويضا قانونيا و ديموقراطيا لتسيير شؤون الدولة وتدبيرها؟ فكيف إذن تنقلب الآية .. ويغدو من حق المنتخب التصرف بالمطلق ودونما العودة إلى أسس مدونةٍ كان هو من سطرها شرطا وعهدا وإلتزاما.؟ هل أصبح تشكيل الحكومة غاية في حد ذاتها أم هي مجرد وسيلة لخدمة الوطن؟ وهل لأجل الفوز بأغلبية برلمانية مريحة ، يجوز نقض العهود والسقوط في المحظور ؟ وخلط الأوراق وإرباك المشهد السياسي الوطني بحكومة تذكرنا بالأيام الخوالي؟ هل من الضروري أن تتشكل هذه الحكومة بأي ثمن ؟ ومهما كان شكل التحالف ؟ لقد صوت الشعب للعدالة والتنمية إقتناعا بصدق السيد بنكيران في هجوه وهجومه على هذا هذا الحزب وذاك .. فكيف يعود بعد الفوز بصوت الشعب مع نفس الأحزاب؟ إنه بذلك لا يشكل ( يقترح دستوريا ) حكومة أغلبية متجانسة في برنامجها ومتناغمة في نهجها الإديولوجي بقدر ما يكتفي باقتراح حكومة إئتلاف وطني يحكمها منطق التوافق والتحالف . حكومة قد لا تكترث البتة بشعارات حملته التي جَيش لها كل انواع تكنولوجيا العصر من غناء ورقص وهيب هوب وانترنيت والبقية معروفة. لا أظن أن المغرب كان في حاجة لكل هذه الجذبة أو ( الهيلالة ) لتشكيل حكومة إئتلاف وطني. لا أراها ستختلف شكلا أو ممارسة عما سبقتها من حكومات. رأينا العدالة والتنمية يقف وحيدا في المشهد الإنتخابي خارج كل التحالفات .. وبعيدا عنها فانتصر واكتسح كما يقول الحزب.. ( أما الإنتصار فهو نسبي جدا بينما يبقى الإكتساح فيه رأي ووجهات نظر ). وإني أترك للحزب شرف مراجعة الأرقام وله فيها الدليل الملموس. البعض يقول أن الأصوات التي صبت لصالح العدالة والتنمية كانت عقابا لمن سبقه؟ وإذا كان الأمر كذلك - والعدالة والتنمية أكثر من طالب بهذا العقاب - كيف إذن يتحدث الحزب عن التحالف مع من طالب الشعب بمعاقبته. ( بالدارجة المغربية هذا سميتو التخربيق) إنها التحالفات التي بدأت تفرغ الشعار الإنتخابي من مضمونه. **** السؤال الثاني : ماذا لو عُرضت الحكومة المقبلة على البرلمان ؟ ما كل ما يتمناه المرء يدركه أعرف أنني أطالب فخامة الرئيس بما لا يطالبه الدستور .. لكن وبما أنني مجرد مواطن مغربي مهاجر ( زماكري كما يحلو للبعض وصفي ) لم أعد أثق كثيرا في دستور يطبق على البعض دون البعض الآخر. ولكي أكون أكثر وضوحا .. أنا مجرد مواطن مغربي مهاجر يحتاج لوكيل لكي يمارس حقه الدستوري وبالتالي فقولي ومقالي هذا مرجعه المعنى الشامل للديموقراطية .. تلك الديموقراطية التي أراها تمارس في بلاد ( الناس) والتي - وعلى علاتها - لا تستثني من مواطنيها البعض دون البعض. ماذا لو كان لممثلي الشعب الحق في إستجواب من سيرشحهم فخامة الرئيس من وزراء .. وبتغطية إعلامية يشهدها بقبة البرلمان القاصي والداني .. لنعرف مَن مِن وزرائه كانت له علاقات مع دول أو كيانات أو منظمات أو جمعيات معادية للمغرب ومصالحه الوطنية والعقائدية والقومية ؟ أو منهم عمل مع برلمانات دول أجنبية ؟؟ !! أقصد كونغريس دولة معينة ؟؟ ماذا لو مارس نواب الشعب من كل الأحزاب حقهم في معرفة كل صغيرة وكبيرة عن هذا الوزير أو ذاك ؟ أليس الوزير موظف في خدمة الشعب. باسم الشعب وبصوته وبتفويض منه ؟ إنه الوضوح .. أليس كذلك ؟ يا سيدي لنأخذ الأمر على سبيل الإستئناس لا غير .. دع نواب الشعب يشعرون ولو لمرة واحدة أنهم يمارسون حق الشعب في اختيار حكومته والمصادقة عليها قبل اقتراحها على الملك. قد يقول البعض .. لا ينص على ذلك .. ولهؤلاء البعض أقول وعينايا جاحتضتان : - هل قال الدستور في أي من بنود أن يصوت مواطنون مغاربة بالوكالة ؟؟!! أعرف مسبقا أن السيد بنكيران لو عرض للإستفتاء حكومة تضم أسماء من أحزاب الكتلة أو التحالف من أجل الديموقراطية فإنه لن يفوز ولو بأغلبية نسبية لسبب بسيط وهو أن من صوت له ، صوت وعينه على التغيير المنشود. تبقى المحصلة إذن هي البحث جاري عن حكومة منتقاة تماما كما يفعل السيد غيرتس في تشكيله للفريق الوطني لكرة القدم مع الفارق أن غيريتس يستعين في تشكيلته بالمحترفين في الخارج .. والإنتخابات التي أفرزت فوز حزب العدالة والتنمية أقصت كل المهاجرين جملة وتفصيلا .. أو لعل السيد بنكيران سيختار وزيرا من المهاجرين يؤدي القسم ويمارس عمله بالوكالة كذلك؟!! **** السؤال الثالث قبل المليون: أين سيكمن صوت الشعب في حكومة السيد بنكيران؟ من بديهيات العمل الديموقراطي أن يكون التعاطي معه كمفهوم شامل لا يقبل القسمة ولا يتجزأ .. فلا يجوز أن تكون ديموقراطيا قليلا فقط. إن الحديث عن حكومة ديموقراطية تمثل الشعب وتعكس إرادته يقتضي حتما رفض كل سلطة فردية وتقييم أحادي الجانب في إنتقاء الوزراء .. وكلنا يعرف مدى الأهمية التي يعطيها الدستور الجديد لمنصب رئيس الوزراء واقتراحاته. يفترض في رئيس الحكومة – أي رئيس يؤمن بسلطة صوت الشعب – أن يكون متناغما مع شعاراته وعليه الإستماع إلى صوت الناخب بل ومحاولة قراءته بتبصر وحكمة . كأن يفهم رئيس الحكومة أن هذه الأخيرة ليست مجرد أسماء يتم إختيارها كيفما اتفق الأمر. قد يقول قائل إن اي تشكيل توافقي لأية حكومة مقبلة إنما هو يعكس حقيقة الخريطة السياسية المغربية وبالتالي لا يجوز الإعتراض على اختيارات رئيس الوزراء ويبقى لنواب الشعب في المعارضة أن ينظموا إعتراضهم بالشكل الذي يخوله الدستور وآليات ذلك معروفة ومقررة دستوريا. وقد يقول آخر ولما التسرع في الحكم على طعم غلة لم تنضج ولم يحن بعد وقت قطافها. لكل نقول : لكم دينكم ولي دين .. فبين أبناء الشعب من لا يريد إنتظار أن يقع ما يقع وتصبح الحكومة واقعا مفروضا يجب التعامل معه بعلاته وعيوبه . والنصيحة لا تقتل .. ما دام الوقت وقت موعظة ونصائح. إنني لا أحاكم نوايا السيد رئيس الحكومة بل أتشبث بشعارات رفعها هو نفسه – سواء أكانت له أو إستعارها من حركة 20 فبراير – ولا أحمله أكثر من طاقته تماما كما لا أطلب منه أن يبذل المستحيل لتشكيل حكومة إئتلاف وطنية سمتها الأولى هي التراضي ، حكومة لن تعينه في بلورة شعاراته وترجمتها فعلا وممارسة. لست أرى كما لا يرى الكثيرون أي رابط يجمع السيد بنكيران مع الإتحاد الإشتراكي مثلا أو التقدم والإشتراكية .. ولا حتى حزب الإستقلال اللهم بعض العداء الدفين للقضية الأمازيغية وما تحتويه من مطالب عادلة. كيف يستقيم إذن تمثيل صوت الشعب في حكومة المغرب المقبلة حين تستوزر الأقلية باقتراح من رئيس فاز بنسبة ربع مقاعد البرلمان وبنسبة مقاطعة لم يشهد لها المغرب مثيلا.؟ كيف يستوزر حزب رفضه الشعب بتحريض من حزب العدالة والتنمية ؟؟ أعتقد أن سؤالي مشروع وإنني قد اتفهم أكثرقيام السيد بنكيران البحث عن حكومة تكنوقراط تعوض نقصان حزبه إلى الكوادر وتقيه الحرج. كما قد أتفهم حواره مع تيارات قريبة منه ومن مرجعيته.. وليست ارى الإستقلال من بينها. فلننتظر لنرى الوضوح ومعه نتحسس راي الشعب فب حكومة العدالة والتنمية **** وأخيرا أريد أن أجزم بأن هدف العدالة والتنمية - بخبرته المتواضعة في تدبير شؤون الدولة - لم يك في يوم من الأيام هو تسطير برنامج برغماتي قابل للتطبيق بقدر ما كان يلهث للفوز بمنصب رئيس الحكومة .. ومن حقه ذلك .. لكن المغرب يحتاج لحكومة قوية متماسكة ومتجانسة ، حكومة هدفها خدمة الشعب وليس حكم الشعب. ولأن حكم الشعب لا يجوز بالإحتيال على إختياراته فقد وجب إذن أن تكون حكومة السيد بنكيران نابعة من صلب إختيار الشعب وأن تتماشى معه ولا تعارضه وإلا فإنني أعتقد أن النهاية كذلك ستكون شرا واي شر وليس البداية فقط. لزيارة موقع الكاتب أضف الكاتب على الفايسبوك