سقوط بنكيران لا يختلف اثنان في كون عبد الإله بنكيران سقط في امتحان رئاسة الحكومة، وإذا لم يكن سقوطه إلى الهاوية، فإن هذا السقوط ما زالت أمامه بوادر النجاح إذا استطاع أن يتعلم شيئا من تدبير الشأن العام، وانحنى قليلا ليس لتقبيل يد الملك أو تقديم الولاء، ولكن لتعلم فن الحكم، الذي هو ليس إلا إنجاح تجربة حكومة لها من المواصفات والإمكانيات الموضوعية دستوريا وتاريخيا وشعبيا للنجاح. فلماذا سقط بنكيران في امتحان رئاسة الحكومة؟ لن نعود إلى الدستور لنبحث فيما لبنكيران وما عليه، أي ما للآخرين من وزرائه ومن مكونات أغلبيته، ولكن الحكم هو قبل أن يكون كاريزما سياسية، هو فن تدبير الموارد البشرية، بمعنى فهم الآخر، والآخر ليس سوى الوزراء وزعماء الأحزاب المكونين للأغلبية والمسؤولين بمختلف الوزارات وهم أداة تنفيذ السياسة الحكومية. بنكيران وللأسف منذ تعيينه على رأس الحكومة، أعلن الحرب على كافة الموظفين، أي على العنصر البشري أساس الحكم، واعتبر كافة المسؤولين من رؤساء المصالح والأقسام والمديرين وكتاب عامين أعداءً مفترضين له، باستثناء المنتمين للتوحيد والإصلاح عفوا العدالة والتنمية. فكيف لرجل سياسة ورئيس حكومة أن يحكم شعبا من المسؤولين وهو يعتبرهم أعداءً له، وكيف لهذا الشخص أن يتعامل مع هؤلاء المسؤولين وهو منذ قرابة السنة ونصف، وهو يهددهم بالطرد أو الإقالة، أو التغيير من المنصب، وكيف لهذه الإدارة في رمتها أن تشتغل مع شخص يتهم الموظفين أنهم إما رجال مخابرات، أو عفاريت أو شياطين أو مشوشين عليه وعلى حكومته. إن ما كان يطمح إليه بنكيران هو مغرب للعدالة والتنمية لا لغيره، وإدارة مغربية تحكمها العدالة والتنمية فقط، أما باقي الأطر فلا يقول لهم، لنرمهم في البحر، ولكن إما أن ينحنوا لعاصفة بنكيران ويقبلوا به مرشدا عاما وهم مريدوه، أو ليتركوا أبناء العدالة والتنمية يفعلون ما يشاؤون في الإدارة. إن مقومات فشل بنكيران بدت منذ اللحظات الأولى لاستلامه الحكومة، لأن المسؤول السياسي الذكي يعرف أن المسؤولية هي القرار، وأن كل مسؤول في الحكومة هو مقرر بالصفة، ولمزيد من التوضيح، فرئيس الحكومة يجب أن يكون آلة جهنمية لإنتاج القرار، وأن وزراء العدل والتعليم والصحة وهلم جرا، يجب أن يكونوا كذلك آلة لإنتاج القرار في قطاعاتهم. لكن للأسف فآلة إنتاج القرار منذ سنة ونصف من تعيين بنكيران تعطلت، وأصبح يبحث عن مشاجب يعلق عليها مشاكله، أو بعبارة صحيحة فشله، فكان دائما يحيل على طابور من المفردات، استقاه من لغة التماسيح والعفاريت وجيوب المقاومة، وهذه لغة غالبا ما يركبها الفاشل. شباط تحدى بنكيران في مناظرة تلفزيونية مباشرة، إن كان قد عطل ولو قرارا واحدا لبنكيران أو للحكومة، وذهب بعيدا في التهكم على بنكيران إلى القول، إن بنكيران أصلا لم يشركنا في أي قرار حتى نعطله له، فأين يكمن الخلل؟ الخلل في بنكيران نفسه الذي لا يفهم في فن الحكم وفي فن تدبير الشأن العام، وفي فن تدبير الموارد البشرية، فبنكيران يمكن أن يكون زعيما سياسيا بطبعته الشعبوية، ويمكن أن يجمع حوله الآلاف بل الملايين من الناس، ولكن بنكيران لن يستطيع أن يقنع ولو مسؤولا واحدا بطريقة تدبيره، لأنها طريقة غير مبنية على أصول المعرفة العلمية وقواعد الإدارة الحديثة وتدبير الشأن العام. ما نعلمه هو أن الشعبوية هي مرحلة من مراحل الدكتاتورية، وقد فطن المغاربة ومعهم حزب الاستقلال بلعبة بنكيران الشعبوية، وقرروا محاصرته من الداخل وذلك لحماية نفسه الأمارة بالدكتاتورية.