لم يجد عبد الله بوانو رئيس فريق العدالة والتنمية بالغرفة الأولى للبرلمان من تفسيرات للمأزق الذي أوصلته حكومة رئيسه عبد الإله بنكيران، سوى تحميل الحكومات السابقة كل موبقات وشرور هذه الحكومة. وأنهى بوانو الذي يبدو أنه أخذ على نفسه تطهير ثوب رئيسه من كل الذنوب والآثام التي ارتكبها في حق هذا الشعب المسكين، الجدال نهائيا، حين أكد أن الأزمة الاقتصادية الراهنة، ما هي إلا نتاج لسياسات عمومية، سابقة وما هي إلا آثار لتوجهات خاطئة للحكومات السابقة، مبرزا أن جزءا مما يقع اليوم هو إبراز لجوانب كانت خافية في تدبير المالية العمومية فيما سبق. رئيس فريق المصباح بمجلس النواب، وبعدما عجز عن تبرير الأخطاء الفاضحة التي ارتكبتها الحكومة الحالية، والقرارات اللاشعبية التي اتخذتها آخرها قرار تجميد 15 مليار درهم من ميزانية الاستثمار، وجد نفسه مضطرا للبحث عن شماعة يعلق عليها كل هذه الآثام، فلم يجد غير الحكومات السابقة بما فيها حكومة عبد الرحمان اليوسفي التي يعرف الجميع الوضعية الصعبة التي اشتغلت فيها، وكذلك الأوراش الإصلاحية التي أطلقتها، أكثر من ذلك فإن ما لم يذكره بوانو وهو يدافع عن حصيلة رئيسه بنكيران، أن هذه الحكومة تتمتع بصلاحيات لم تتمتع بها الحكومات السابقة، ومع ذلك فإنها عاجزة عن مواكبة الركب، أو حتى الحفاظ على الوضع في مستواه الطبيعي. ولأن الوضع مختل أكثر من اللازم فقد تحول بوانو إلى منظر اقتصادي بعدما أنهى غزواته السياسية، حيث أكد أن العجز الحقيقي في عهد الحكومة الحالية التي يقودها حزبه، لن يتعدى في أسوإ الحالات 1 في المائة، إذا ما روعيت الزيادات المسجلة في بعض النفقات خارج ما كان متوقعا، كما حدث مع كلفة صندوق المقاصة أو كتلة الأجور، لكنه لم يقل وهو يقدم تحليلاته الاقتصادية النيرة، أن بنكيران ضرب الرقم القياسي في الاقتراض من الخارج، وأنه جمد نفقات الاستثمار، وحافظ على نفس مستوى عيش الوزراء، حيث وضع خطا أحمر حول مناقشة أجور وتعويضات الوزراء، كما أنه رفع أسعار المحروقات إلى مستويات قياسية، وجمد الحياة العامة مما أدى إلى غلاء المعيشة. ولم يقف الأمر عند التحليل المغلوط والمقلوب للأوضاع الاقتصادية، بل تعداه إلى تبرير الأخطاء القاتلة لبنكيران، وقال وهو يرد على القرار الحكومي الأخير المتعلق بوقف تنفيذ 15 مليار درهم من الاستثمارات العمومية، إنه تم اتخاذه في الآلية السياسية للتحالف الحكومي، ثم في الحكومة، وهو تزييف للواقع، وعدم احترام للمغاربة، أولا الآلية السياسية للتحالف لم تناقش الأمر، كما أن القرار كان فرديا لدرجة أن عددا من الوزراء تفاجؤوا به، بل ولم يقبلوه، لأنهم يعرفون حجم الخسائر التي ستترتب على قرار غير متوافق بشأنه، ونحن نتفق مع بوانو حين يقول إن على الجميع تحمل المسؤولية، وخاصة بنكيران الذي يعاقب اليوم المغاربة لأنهم صوتوا على حزبه وحملوه أمانة تدبير شؤونهم. أما ما يقوله بوانو عن وجود تسريب أو تشويش تنفيذا لتعليمات من يريدون أن تقف عملية الإصلاح، فذلك أمر مردود على أصحابه ويدخل في سياق ثقافة العفاريت والتماسيح التي نجح بنكيران في تسويقها لإلهاء الرأي العام. إن مصيبة المغاربة مع الحكومة التي يقودها العدالة والتنمية، أنهم مضطرون إلى تقبل كل قراراتها، وإلا تعرضوا للسلخ والجلد، من طرف جيش عرمرم من جنود بنكيران المستعدين في كل لحظة لتحريك آلياتهم الكلامية، اعتمادا على قاموس مليء بالتماسيح والعفاريت والفلول، لكن الحقيقة الماثلة أمامنا اليوم تلخص وضعية مزرية يعيشها المغاربة، ولن تنجح كل المساحيق التي يضعها أولاد العدالة والتنمية على وجه المغرب في إخفائها.